محاولة للنظر في المرآة



مازن كم الماز
2014 / 1 / 3

ليس فقط آلهتنا و مقدساتنا , بل كل ما نعتقد أو نؤمن به , كل إيديولوجياتنا و أفكارنا المسبقة , "تفسيرنا" لكل شيء و كل تحليلاتنا , جميعها تساعدنا في أن نبدو رائعين , كلها أقنعة جميلة لحقيقتنا .. هذه السطور مجرد محاولة للنظر في المرآة .. أولا همسة لكل من قتل أو برر القتل , سأبتعد تماما هنا عن أية كلمة لا تعني شيئا في العالم الفعلي الذي نعيشه , كالحق , أو الأخلاق , الإنسان , الوطن أو الضمير الخ الخ , هذه تبريرات غبية لا تكفي و لا معنى لها أمام فعل على هذه الدرجة من الخطورة .. ليس فقط أن نفس السكين التي صفقت لها , أو طعنت بها , يمكنها أن تقتلك أيضا , أنا لا أتحدث هنا عن الانتقام أو عن الحق أو عن حرمة روح الإنسان و مثل هذه الأشياء , أنا أتحدث عن صفة فيزيائية بدائية لدرجة البداهة و الغباء للسكين أو البندقية و غيرها من أدوات الموت و أيضا عن خصائص تتعلق برقابنا و أجسادنا بما في ذلك رقبة القاتل أو من يصفق له , ليس فقط أن من قتل أو صفق للقاتل لا "يحق" له أن يصرخ عندما يطعن هو أيضا بنفس السكين التي قتل بها أو صفق لها , و لا أنه قد فقد "حصانته" الأخلاقية و الإنسانية التي لا وجود لها أساسا ... في اللحظة التي اختار فيها الشبيحة أن يقتلوا باسم النظام و لبقاء هذا النظام , و في نفس اللحظة التي يجز فيها الداعشي أو غيره رقبة ما , في لحظة موت الضحية , فإن شيئا ما من إنسانيتنا جميعا يموت و يولد شيء ما , جميعنا : القاتل و القتيل , و المصفقين , و حتى المتفرجين , و إن بدرجات متفاوتة .. بكلمة , هناك شيء منطقي جدا في أن يموت بالسيف من عاش بالسيف , شيء طبيعي , و قد يكون مثل هذا الموت أو المصير إنسانيا أيضا بشكل من الأشكال ... كلا !! هي ليست العين بالعين , و لا السن بالسن , فهناك ملايين , و ربما مليارات العيون , ليس لها مقابل , و لا ثمن , و لا حتى عزاء لا على هذه الأرض و لا في السماء , لكن مع ذلك , إذا كان هناك من حدث مقدس بالفعل , و أسطوري , و إنساني في نفس الوقت في هذا العالم المتوحش , فهو أن يقتل بالسيف من عاش بالسيف .. لكن علينا ألا نبالغ في التهليل لقدرتنا على القتل , فنحن كاذبون , و منافقون حتى في هذا , بل خاصة في هذا , نحن نقتل و نستبيح الضعفاء أساسا أو الضعفاء فقط , فقط من لا يستطيع أن يدافع عن نفسه ناهيك عن أن يكون قادرا على الدفاع عن ما يملك أو عمن يعيل , نحن اقوياء فقط أمام الضعفاء , نقتل و نعربد فقط عندما نعتقد أننا في مأمن من الانتقام أو العقاب , حتى أننا لا نهاجم أو ندافع عندما تكون قوتنا متعادلة مع خصومنا .. أبرز الضحايا اليوم في سوريا , والشرق كله , هم الضعفاء و الفقراء , هذه حدود بطولتنا ... نعتقد أننا على حق لأننا أكثر , دائما نحاول أن نكون أكثر أو أقوى , هكذا نصبح على حق كما يتراءى لنا , هذه هي حدود الحق كما نعيشها و نعرفها .. لكن لا شك أن قتل جماعة لفرد , أو قيام جماعة من المدججين بالسلاح بقتل رجل أعزل هو عمل جبان في أفضل الأحوال , هذا أيا كان القاتل و المقتول .. نقتل فقط لأننا قادرين على القتل , لا نقتل لأننا لم نعد نشعر بالخوف , لأننا أصبحنا فجأة شجعانا أو لأننا مستعدين لدفع الثمن , فنحن ما زلنا نخشى الجحيم و نخشى السجون و الحراس , كما يخشى الأطفال من غرفة الفئران أو من عصا الأستاذ , تعتمد شجاعتنا في قتل الآخرين على حقيقة أننا نقبل ( و نصدق ) بغباء ما يقوله لنا آباؤنا في أننا لن نذهب إلى الجحيم مهما فعلنا , نحن نؤمن بأن إله أجدادنا و أبائنا سيعاقب فقط كل أعدائنا و بعد ذلك سيعذبهم في جحيمه , أنه سيرسلهم إلى جحيمه طالما كنا نتمنى أن يذهبوا إلى الجحيم .. ما زلنا كما كنا , عندما نموت أو عندما نقتل نخاف من النظر مباشرة في عين الموت , من مواجهة قدرنا و حقيقتنا دون رتوش , دون أن نرتعد أو يرمش لنا جفن .. هناك فرق بين أن تقتل و تموت شجاعا , و بين أن تقتل و تموت غبيا , بين أن تموت و تقتل لأنك شجاع أو أن تموت أو تقتل لأنك غبي .. لكننا في الواقع لا نخدع إلا أنفسنا , لا يمكننا خداع القدر , أو مغالطة مصيرنا , فنحن سنصبح أحرارا بقدر ما نكون شجعانا عن حق , و لا عزاء للجبناء