أولويات النساء العربيات: الأمان والعدالة الاجتماعية



فيحاء عبد الهادي
2014 / 1 / 5

تزامن افتتاح ندوة "المرأة العربية والثقافة العربية"، في 30/11/ 2013، - من تنظيم المكاتب الثقافية العربية في برلين -؛ مع الاحتفال بالذكرى الثالثة عشرة لصدور قرار 1325، كما تزامن مع الحملة الدولية: 16 يوماً لمناهضة العنف ضد المرأة، والتي انتهت في اليوم العاشر من الشهر الحالي/ اليوم العالمي لحقوق الإنسان. وشعار الحملة لهذا العام: "سيادة القانون والعدالة الاجتماعية..تحميان السلم في المنزل والمجتمع".. "من السلام في البيت إلى السلام في العالم". أما شعارها الخاص، ذو اللون البرتقالي، فهو: "أماكن عامة آمنة للنساء والفتيات".
تجسَّد جديد هذا العام؛ في تكثيف الحملة الدولية، للقضاء على العنف ضد نساء العالم؛ نتيجة تكثيف العنف ضدهن: "وفقاً لدراسة أجريت العام 2013، من قبل منظمة الصحة العالمية؛ كانت 35% من النساء في جميع أنحاء العالم ضحايا للعنف الجسدي أو الجنسي".

*****
كيف نفسر تكثيف العنف ضد النساء، عبر العالم، رغم الجهود المجتمعية الحثيثة، والمتواصلة، للخلاص من هذا العنف؟
وكيف نفسر ازدياد تمثيل النساء في الهيئات التشريعية في معظم أنحاء العالم؛ في الوقت الذي تتعرض للعنف واحدة من كل ثلاث نساء في العالم؟
ولماذا يزداد العنف ضد المرأة العربية؛ في الوقت الذي تزداد إسهاماتها، في ميادين المعرفة كافة، وتزداد نسبة تمثيلها، في البرلمانات العربية، لتصل إلى 11.3% (مع أنها نسبة متدنية مقارنة بالمعدل العالمي)، بعد أن كانت 6.5% العام 2005، و3.5% العام 2000.

*****
إذا نظرنا إلى تقدم وضع النساء العربيات، كنضال عنيد تخوضه النساء، مع الرجال - المؤمنين بالمرأة كشريك -؛ ندرك أن تقدم أوضاع المرأة لا يمكن أن يكون صاعداً على طول الخط.
وإذا نظرنا إلى أهمية أن تأتي مكاسب النساء، نتيجة وعي مجتمعي، ورغبة في التغيير؛ لا منَّة وهبة من الحكومات العربية؛ ندرك سبب التراجع في بعض المكاسب التي أحرزتها النساء، والذي يمكن أن يتبعه صعود، أو أن يكون تراجعاً يحتاج وقتاً أطول، كي يترسخ في الحياة الاجتماعية العربية.
ومن الضروري من أجل ترسيخه، أن يتجسد هذا التقدم، في قوانين وتشريعات، تحمي هذا التقدم، وأن تتبناه القواعد العريضة من النساء، كي تكون له قابلية الحياة، بالإضافة إلى مسؤولية الدول، في تطبيق هذه القوانين. وهذا لا يخص البلاد العربية فحسب؛ بل هو مطلوب من دول العالم كافة، التي تعاني النساء فيها من عدم تنفيذ القوانين التي تم تثبيتها في نصوص قانونية:
"تشير جمعية تضامن النساء الأردنية، إلى ارتفاع في وتيرة الإصلاحات القانونية المتعلقة بحقوق النساء على المستويات العالمية والمحلية، من خلال وضع حد للتمييز القانوني وتوسيع الحماية للنساء، من خلال القوانين، وتحمل الدولة مسؤولية ضمان تطبيقها. فمثلاً 173 دولة ومن بينها الأردن تضمن إجازة مدفوعة الأجر، و139 دولة تنصّ دساتيرها على المساواة بين الرجال والنساء، و125 دولة، ومن بينها الأردن، تجرّم أو تحظر العنف الأسري، و117 دولة تجرّم التحرش الجنسي في أماكن العمل، ولديها قوانين تضمن المساواة في الأجور، و115 دولة تضمن المساواة للنساء في حقوق الملكية".
وفي حين ينشغل العالم بالإحصائيات حول أوضاع النساء، من حيث مشاركتهن في مواقع صنع القرار، بشكل عام، وبموقعهن، ضمن البرلمانات المنتخبة، بشكل رئيس؛ تهتم النساء العربيات، بتطوير أوضاعهن بشكل شمولي، وتتضح أولوياتهن، التي تتمثل بتحقيق أمانهن، الذي يستوجب القضاء على العنف، ومحاربة الفقر، وتمكينهن من الموارد، حتى يتمكنَّ من المشاركة في البرلمانات المنتخبة.
وبناء على هذه الرؤية نستطيع فهم نتائج الدراسة، التي هدفت إلى فحص: أفضل بلد في العالم العربي يمكن العيش فيه، والتي أجرتها مؤسسة "تومسون رويترز"، منتصف الشهر. – "شمل الاستطلاع 336 خبيراً في مجال قضايا المرأة، واستندت الأسئلة المطروحة على بنود اتفاقية الأمم المتحدة للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، التي وقعت عليها 19 دولة عربية. وشمل الاستطلاع تقييماً للعنف ضد المرأة والحقوق الإنجابية، ومعاملة المرأة داخل الأسرة، والمواقف تجاه دور المرأة في السياسة والاقتصاد" -.
نلاحظ أن النساء العربيات فضَّلن العيش في جزر القمر ـ كخيار أول - التي تشغل المرأة فيها 3% من مقاعد مجلس النواب؛ على العيش في العراق ـ الخيار ما قبل الأخير/ رقم 21ـ التي تشغل النساء فيها 25.2% من مقاعد مجلس النواب.
"تتمتع المرأة في جزر القمر بقدر من الحرية الاجتماعية، ويعاقب القانون على الانتهاكات الجنسية".
وجاء في الترتيب الثاني سلطنة عمان، التي لا تشغل النساء في مجلسها المؤقت سوى 2%.
"تتمتع المرأة العمانية بحماية اجتماعية أفضل مما هي عليه في دول عربية أخرى".
بينما ليبيا التي يشغل النساء فيها 17% من مقاعد البرلمان؛ حلت في المركز التاسع.
"جاءت ليبيا بين أفضل الدول من حيث التمثيل السياسي؛ لكن انعدام الأمن والفقر ونقص التعليم، من أكبر بواعث قلق النساء".
ونجد أن بعض البلدان العربية، التي حققت المرأة فيها إنجازات متميزة مثل تونس، تحتل الموقع السادس، في الوقت ذاته التي تحتل فيها النساء موقعاً متقدماً بالنسبة لمقاعد البرلمان: 27%.
أما مصر، ورغم تحقيق النساء إنجازات متميزة عبر نضالهن الطويل؛ إلاّ أن ازدياد العنف والتحرش الجنسي، وانهيار الأمن؛ جعلها خياراً أخيراً للنساء؛ في الوقت الذي انخفض تمثيل المرأة في البرلمان إلى 2%.
وهذا مؤشر على أولويات النساء، المتعلقة بواقعهن، وحيواتهن، فالنساء اللواتي يصنعن الحياة، يرغبن في العيش في عالم خال من العنف، بالدرجة الأولى، ومن التمييز ضدهن، بالدرجة الثانية، كما يرغبن في القضاء على الفقر، والحصول على التعليم، وقبل كل ذلك؛ يطمحن في أن يتنفسن الحرية، على المستويات الخاصة والعامة.

*****
أعتقد أن المرأة العربية في أمس الحاجة إلى سيادة القانون والعدالة الاجتماعية. وليس هناك أحوج منها إلى الأمن والأمان. ولن تستطيع المشاركة بفاعلية في الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية؛ سوى حين تربط بين الخلاص من العنف، والسيطرة على الموارد - الحقوق القانونية والتعليم والعمل والصحة – وتحقيق الأمان.