التواصل ووضع المرأة



عائشة خليل
2014 / 1 / 5

بحثت النسويات بجد في عوامل القوة والسلطة التي تنضوي في المجتمع البطريركي بيد الذكور. وكان من ضمن مباحثهن مبحث هام عن المرأة واللغة، بدأته روبن لاكوف بكتابها عن "اللغة ووضع المرأة" عام 1975، وذلك قبل أن يتخذ مبحث اللغة بعدًا محوريًا في دراسات ما بعد الحداثة، ثم تبعتها أخريات.
وقد لاحظت لاكوف أن استخدام المرأة للغة يختلف عن استخدام الرجل لها، كما كشفت باحثات أخريات عن الفروق في استخدام الرجال والنساء للغة وفي التواصل الاجتماعي، وخلصن إلى الآتي من ضمن ما خلصن:
أولا- استخدام اللغة: حديث النساء عادة ما يكون أكثر تهذيبًا ولطفًا، فهن قلما يستخدمن العبارات أو الألفاظ البذيئة أو الخادشة للحياء العام، بينما لا يكون الحال كذلك بالنسبة للرجال الذين قد تتناثر بعض الكلمات الجارحة في أحاديثهم. كما تكثر النساء من استخدام أسئلة استدراكية من قبيل "أليس كذلك؟" وكأنهن غير واثقات مما يطرحنه من أفكار، بينما لا يستخدم الرجال مثل تلك الأسئلة، بل إن النساء يستخدمن صيغة السؤال حين يرغبن في طلب شيء ما، مثل قولهن: "هل من الممكن أن تفتح النافذة؟" في مقابل ما قد يأمر به الرجال: "افتح النافذة." تستخدم النساء أيضًا تعبيرات تحذيرية كي لا يتورطن في الحديث: "إلى حد ما"، "على سبيل المثال"، "شيء من هذا القبيل" بينما يكون حديث الرجال أكثر قطعًا. وكذلك استعمال النساء لتعبيرات توحي بعدم التأكد، وتسمح بالتراجع عن الفكرة المطروحة: "أعتقد"، "أظن"، "من الممكن"، "ربما"، وتلك تعبيرات لا يستخدمها الرجال الذين يسمحون لأنفسهم بمقدار أكبر من التعميم في الحديث.
ثانيا - طريقة التواصل: يعتمد حديث النساء على تأكيد وتدعيم موقف المتحدث فتستخدم النساء الكثير من التعبيرات التي تسمح للمتكلم بالاسترسال في الحديث بقول كلمات مثل: "إني أفهمك"، "أكمل"، "نعم" وغيرها. كما تستعملن لغة الجسد للتعبير عن تعاطفهن مع المتحدث مثل هز الرأس إيجابًا، أو تلاقي النظر، وتميل النساء برؤوسهن قليلا، بينما يبقى الرجال رؤوسهم في وضع قائم دائمًا، وتظل وجوههم بدون تعبيرات، ويومئون بأيديهم إيماءات تدل على الإمرة. وللنساء نبرة صوت عالية بينما نبرة صوت الرجال عميقة تنم عن السلطة. ويقاطع الرجال حديث الآخرين أكثر مما تفعل النساء، كما توصلت الباحثات إلى أن الرجال يقاطعن الحديث لتغيير الموضوع المطروح، بينما تقاطع النساء الحديث لإضفاء فكرة أو لرواية تجربة شخصية.
ثالثا - نوعية النقاش ومداه: يخوض الرجال في نقاشات حادة، ويكون حديثهم مباشر ويركزون على أداء المهمة، فهم يقومون بتوجيه النصح والإرشاد وإصدار الأوامر؛ بينما تفضل النساء تجنب النقاشات الحادة والأحاديث المباشرة التي قد تجرح مشاعر المستمعين ويعملن على إيجاد رأي مشترك بين الأطراف، ويظهرن التعاطف ويسعين إلى التواصل العاطفي مع المتكلم. فالنساء يعملن على تدعيم العلاقات، ونشر الوئام، وتجنب الخلافات، واستمرار التعاون. بينما حديث الرجال يجنح إلى جذب انتباه المستمعين، وتأكيد القوة والهيمنة وإعطاء المعلومة.
ودراسات النسويات لأساليب التواصل الخاصة بكل من النساء والرجال اتخذ مناحي شتى، فمنها من اهتم بتأثير أساليب التواصل المختلفة على العلاقات الزوجية، وكيفية بناء جسر ممتد للتواصل على ضوء الخلافات في طريقة تعاطي الطرفين مع أسلوب التواصل وطريقته. ومنها من اهتم بتبعات اختلاف الخطاب على مراكز صنع القرار في المؤسسات الخاصة والعامة، ومما ترتب على ذلك تدريب النساء اللواتي يتبوأن مواقع السلطة في مثل تلك المؤسسات (حيث يكون أسلوب الخطاب الحازم أكثر فاعلية وتأثير) على استخدام النموذج الذكوري للخطاب. بينما بحثت نسويات أخريات عن طرق فاعلة للسلطة في المؤسسات النسوية تعتمد الأسلوب النسائي (التعاطف) كوسيلة فعالة في التواصل عوضًا عن استخدام النموذج الذكوري (السلطوي).