شهيدات المعرفة ..ومحرقة الدفاتر



قاسم حسن محاجنة
2014 / 1 / 7

شهيدات المعرفة ..ومحرقة الدفاتر
ماذا يعني الذهاب الى المدرسة ؟؟ لعشرات الملايين من الاطفال والمراهقين في انحاء الكرة الارضية ، يُشكل الذهاب الى المدرسة عبئا جسديا ونفسيا كبيرا ، وكانوا يُفضلون ، لو أُتيحت لهم الفرصة ، يُفضلون البقاء في السرير "وألتسربل " بالبطانيات والأغطية الى ساعة متأخرة من النهار ، ثم قضاء بقية النهار وجزء كبير من الليل في اللهو ، مُشاهدة الأفلام واللعب بالألعاب الالكترونية والافتراضية .
ولا تظنوا بأن هؤلاء الاطفال يُعانون من عسر في الفهم أو هبوط في مستوى الذكاء أو تدني قدراتهم العقلية ، لا وإنما سبب "الكراهية " للمدرسة نابع من أسباب أُخرى وليس أهمها "كراهية الانضباط " الذي تفرضه المدرسة (كل مدرسة على مرتاديها ) .
لكن ، وبالنسبة لعشرات الملايين من الأطفال غيرهم ، تُشكل المدرسة بديلا جيدا ، مُشوقا ومُثريا لحياتهم الجافة والخالية من كل جديد . انهم عشرات الملايين من الأطفال والتي قد تضمن لهم المدرسة "سُلما " يرتقون درجاته للصعود الى سطح الحياة المُعاصرة . انهم عشرات الملايين من الاطفال الذين يعيشون في قرى نسيتها الحضارة فلا ماء ولا كهرباء ، يقضون حياتهم كلها في العمل من طلوع الشمس حتى مغيبها ليكسبوا وجبة تكفل لهم العيش ليوم أخر ..
وهناك مجموعة يفرض عليها المجتمع "مقاطعة " المدرسة ومقاطعة المعرفة ، لأسباب ثقافية واجتماعية ، أنهن الفتيات في المجتمعات التقليدية التي تُحدد وظائف الانثى منذ ولادتها ، فهي للمطبخ وانجاب الاطفال .
أن بقايا ثقافة "قبلية " من هذا النوع ما زالت قائمة في المجتمع البدوي في منطقة النقب في اسرائيل .
عائلات بدوية كثيرة ما زالت تعتقد بأن ذهاب البنت الى المدرسة وخصوصا المدرسة الثانوية هو عيب تجب مُقاومته ، خاصة وأن البنات في سن الدراسة الثانوية ، قد نضجن جسديا !! واصبحن مؤهلات للزواج .
وقضية تعليم البنت ، هي قضية المجتمع العربي بكامله ، من محيطه الهادر الى خليجه الثائر ، لكن القضية تأخذ شكلا اكثر حدة في اوساط البدو الرحل أو ما يُطلق عليها هنا في اسرائيل قرى " الشتات " البدوي . وهي قرى غير مُعترف بها ولا توجد بها مدارس ولا اية بنى تحتية أخرى ، ولكي تصل البنات الى المدرسة عليهن السير على الاقدام ، ركوب الحمير أو السفر بالباص الى المدارس المجاورة ، في بلدات بدوية قريبة .
وهكذا ورغم صعوبة الوصول الى المدرسة ، فأن الذهاب الى المدرسة بحد ذاته ، يكسر روتين الحياة الرتيب في حياة هؤلاء الفتيات ، ناهيك عن الالتقاء بصديقات جديدات ، والأهم من كل هذا ، هو ما تكتسبه هؤلاء الفتيات من معارف جديدة ومهارات ذهنية وحياتية .( رغم أن مستوى التعليم العربي في اسرائيل قياسا بمستوى التعليم في الوسط اليهودي ، هو مزر للغاية ) .
في المُقابل ، العائلات التي تعتاش على تربية المواشي ، تحتاج الى قوى عاملة ، وغالبا ما تقوم الفتيات بأعمال الرعي وجلب الماء الى البيت ، ومُساعدة الأُم في اعمال البيت عدا عن الحلب والصر !!
وحدث الصراع ، بين الأُم التي تريد المُحافظة على التقاليد التي تفرض على البنت "القعود " في البيت وانتظار ابن الحلال بعد أن تحيض (النضوج الجسدي )، والمُساعدة في أعمال البيت وبين البنت التي ارادت الاستمرار في الدراسة الثانوية والالتحاق بالجامعة .. أنه صراع بين الماضي وبين المُستقبل .
وكالعادة ينتصر الماضي بوسائله التعسفية وتقوم الام بحرق كتب ودفاتر ابنتها كلها !! تُشعل حريقا في ساحة البيت وتضع فيه كل أحلام ابنتها !!
لم تتمالك الابنة نفسها فقامت بالانتحار شنقا في ساحة البيت ..
هذه قصة حقيقية لفتاة بدوية من النقب انتحرت حزنا وألما بعد قيام أُمها بحرق كتبها ودفاترها .
قامت بتخليد قصتها وقصص الكثير من مثيلاتها ، الفتيات البدويات في النقب ، طالبة قسم الاتصال يسرا ابو كف ، في فيلم وثائقي قصير يحمل عنوان "الدفاتر المحروقة " .
أقف اجلالا لشهيدات المعرفة ، ولتبقى ذكراهن خالدة ..