نوال علي و سوزان مبارك.. كيف تستخدم -نسوية- النساء في مظاهرات كفاية؟



نائل الطوخي
2005 / 6 / 18

هل اغتصب البلطجية الذين استأجرهم رجال الأمن النساء المتظاهرات من حركة كفاية؟ ما الذي منعهم من هذا و قد كن لقمة سائغة بين أيديهم و قد شكل الأمن كردوناً حولهن؟ و إن لم يكونوا قد اغتصبوهن, فلماذا كان التحرش الجنسي من البداية؟ لماذا كان إرعاش الإصبع الأوسط في أوجه المتظاهرين؟
ثم سبة عربية شائعة للغاية في كل المنطقة العربية. هي أقسى سبة قد تقال لرجل, و هي مع هذا غير مفهومة. ثم غموض يكتنفها منبعه كونها سبة غير مكتملة, هي ذكر فرج أم الرجل أو فرج أخته. لا يذكر من يسب شيئاً عن هذا الفرج. فقط النطق باسمه الأكثر شيوعاً هو ما يكون كافياً لإشعار الرجل بالمهانة. أي بمعنى آخر: تذكيره بأن أمه امرأة و أن أخته إنما هي امرأة و أن الدليل على هذا امتلاكها عضو التأنيث. فقط هذا التذكير هو ما يعتبر السبة. وفقا لقواعد اللغة الجامدة تكون السبة غير دالة لغوياً, فهي مبتدأ بلا خبر, و من هذه الناحية لا تقابلها أية صيغة إهانة اخرى في قاموس السباب العربي. لا يقابلها إلا إيماءات غير لغوية, مثل الحركة الشهيرة: إرعاش الإصبع الأوسط دلالة على فعل الانتهاك المنتظر. غير أن التذكير بحقيقة وجود فرج للأم أو للأخت يخدم شيئاً آخر غير ما يخدمه إرعاش الإصبع الأوسط, هو التذكير بأن ثم أمرأة أتت به, أو أن ثم امرأة تشاطره بيته, التذكير الأكثر بشاعة بأن عالمنا يحوي نساء و ليس رجالاً فقط. هكذا يتم الاعتداء على المتظاهرات, لا يتم اغتصابهن بشكل صريح, و إنما تذكيرهن فقط بحقيقة "نسويتهن", أي, ضربهن في أماكن حساسة من أجسادهن, محاولة خلع بناطيلهن, ثم, ليغدو الأمر أكثر فعالية, تصوير هذا بكاميرات فيديو, أي أن هذا التذكير يتم التذكير به, يتم حفظه و تسجيله و التهديد بإعادة إنتاجه مرة بعد مرة عن طريق توزيعه ونشره و عرضه و تكرار عرضه.
و لأن الأمن يفكر بعقلية غير عقلية المتظاهرين بالتأكيد فهو يرى النساء كلهن سواسية. كلهن نساء, أي كلهن عار, و كلهن قابلات للخضوع فقط عن طريق الإشارة إلى حقيقتهن المخجلة. لم يتخيل الأمن أن تصمد الصحفيات اللاتي تم الاعتداء عليهن أو اللاتي تم تهديدهن بتلفيق قضايا لهن, و هي قضايا آداب بالبداهة, بل و ربما بدت هاتيك النساء شاذات بشكل ما وهن يواصلن المضي قدماً في طريقهن دون مبالاتهن بالتلميحات و بالتحرشات. ربما رآهن رجال الأمن شاذات, ذلك أنه حتى رأس السلطة في مصر, السيدة سوزان مبارك, تتسق في نظر الجميع مع المفهوم العام عن المرأة, بينما هي المدافعة الأكبر و الأكثر انتشاراً عن حقوق المرأة و عن مساواتها المفترضة بالرجل.
عندما بدأت حملة الهجوم على جمال مبارك, ثم تبعتها بالهجوم على حسني مبارك, لم يبد أن أي صوت سيجرؤ على الاقتراب من سوزان مبارك. فسوزان مبارك هي المرأة صاحبة المشروعات التنموية الكبيرة و القلب العطوف و الاهتمام بقضايا الأمومة و الأطفال و القراءة, أي بكل ما لا يدخل في قضايا الصراع أو الاقتصاد أو الحكم. هي المثال الناعم لامرأة قادمة من كوكب فينوس. فوق هذا و ذاك فهي "حرم" الرئيس محمد حسني مبارك.
يمكن لأي عابر ملاحظة اقتران لفظة "حرم" بزوجة الرئيس حسني مبارك. هي ليست "زوجته" وإنما "حرمه". كذلك طغت لفظة "حرم" في الآونة الأخيرة على لفظة "قرينة" و التي تراجعت لتدل على زوجات المسئولين و الوزراء. تصبح صيغة "حرم السيد الرئيس محمد حسني مبارك" هي الصيغة الأكثر لياقة للتعبير عن السيدة سوزان مبارك. أي: يختفي اللفظ المعبر عن الاقتران, المساواة و الندية بين الرجل و المرأة و يحل لفظ آخر حكر على زوجة الرئيس. يؤدي لفظ "حرم" هنا وظيفته الاتقائية و الإرهابية. فحرم مشتقة لغوياً من حرمة و من الحرام و منها, و هو ذو دلالة, لفظ الحريم (الدال على نساء الملك في العصور الوسطى). و من الحرم أيضا الحرم الشريف, و تعبيرات أخرى كثيرة مأخوذة من السياق الديني المشغول بالقداسة و بتأكيد عدم المساس بما هو مقدس. و من هنا يؤدي هذا العنف المكبوت, المتضمن في لفظة "حرم", دوره في إقناع الناس بأن الهجوم على السيدة لا يصح, و إن الهجوم ينبغي أن يتوقف عند الرئيس و ابنه, و أعمدة النظام الآخرين بالطبع. ومن هنا يصبح مشروع مثل مكتبة الأسرة, الذي تحتفل "حرم" الرئيس هذه الأيام بمرور خمسة عشر عاماً على الشروع فيه, إلى مشروع إنساني و مثالي عندما يتعلق الأمر بالحديث عن دورها فيه, بينما يصبح مشروعا تافهاً و فاسداً إذا تم الحديث عن دور سمير سرحان فيه على سبيل المثال, و هذا من وجهة نظر الجرائد الثقافية المصرية التي تتبنى المعارضة. يتأرجح المشروع بين الفساد و العظمة على حسب من أسسه, من حلم به و من أداره, و بالأساس "من يصح الهجوم عليه و من لا يصح". هكذا يتم التعبير عن العنف الاتقائي في الاسم, فلا يمكنك نطق اسم السيدة سوزان مبارك من دون تذكر أنها "حرم", أي "حرام". يتم هنا بشراسة صد الإيماء بالانتهاك الذي تحقق في حالة الفتيات المتظاهرات, عن طريق فعل انتهاك آخر مقرر لمن يجرؤ على "خدش الحرمة", على مساءلة حرم الرئيس و على اعتبارها مساوية للرجل في إمكانية التحقيق معها و انتقادها.
هكذا يبرز نوعان من النساء المتحررات في مصر,سوزان مبارك و نوال علي. الاثنتان لا ترتديان حجاباً, و هو ما له دلالة, غير أنه بينما تمتلك واحدة منهما مصر كلها فإن الثانية محرومة من ممارسة أبسط حقوقها, محرومة من ممارسة السياسة بسبب كونها امرأة, و هو بالتحديد السبب الذي يمنع أي رجل من انتقاد الأولى, من "انتهاك حرمتها" و طرح أسئلته بخصوصها. فنحن نعيش في مجتمع شرقي, غير أن هذا المجتمع الشرقي للأسف, و مثلما هو الحال في كل المجتمعات المنتمية إلى جهات العالم الأربع, لا يعد الصراع الأكثر جذرية فيه هو الصراع بين "الأصولية و العلمانية", كما يحاول البعض أن يصور (على سبيل المثال: المجلس القومي للمرأة الذي ترأسه "حرم" رئيس الجمهورية نفسها), و إنما بين من يملكون السلطة و المقموعين ممن لا يملكون إلا محاولتهم المساءلة, التفكيك و بناء سلطة أخرى على أنقاض الأولى تكون أكثر إنسانية.