تعامل الرجل الشرقي مع الأنثى الأجنبية - تحليل الأنماط



حمودة إسماعيلي
2014 / 1 / 13

نسمع كثيرا عن عنف الرجل ضد المرأة، ولا يختلف الأمر كذلك بالنسبة للرجل الشرقي ـ سواءٌ كان خليجيا أو متوسطيا أو مغاربيا ـ بتعنيفه للأنثى الشرقية (العربية)، غير أنه ومن غرائب الواقع أنه من النادر أن تسمع عن تعنيف هذا الرجل الشرقي العربي لأنثى أجنبية، ولا نتحدث عن الخادمات الفيليبّنيات أو الأسيويات اجمالا، بل عن الأنثى الغربية، أروبية كانت أم أمريكية.

بالنسبة للمعني هنا، وحسب النمط الثقافي السائد، فإنه يشترط على أن تكون الأنثى التي يود الارتباط بها، عذراء ولم تختبر سابقا أي علاقة جنسية، شرعية كانت أو غير شرعية، أو حتى احتكاك طفولي ربما ! ويجب أن يخلو ماضيها تماما من الحب وأن تقطع ارتباطها بكل ما يمت لهذا الماضي بصلة سواء أصدقاء من الأناث أو الذكور، أو مواهب واحلام واهداف حياتية (خاصة ببعض الحالات المتطرفة). وبتوفر أو الموافقة على هذه الشروط (في حالة سُمح لها بادلاء الرأي أو الاختيار !) تتمكّن ويُسمح لها بممارسة الطقس المقدس لدخول عالم الزواج السرمدي والاقتران بالقديس الشرق-عربي، فليس سهلا الاقتران بهذا النوع من الرجال.

من جهة، وما يحطم كل هذه التمثيلية الفانتازية ويكشف زيفها، هو عند اقتران "نفس المعني" بأنثى اجنبية، تجده وكأنه ابتلع مفعولا سحريا ! لا يهتم بتاتا إن كانت رفيقته عذراء أو حتى إن "كانت تشتغل بالدعارة لسمح الله" فيما سبق، فهنا : "عفا الله عما سلف" و"كم من مزبلة تحولت إلى مسجد" وما سواه من التبرير العربي الذي يجيد استعماله الجميع. زيادة على أنه لا يعترض إن كان لها أصدقاء من الذكور بل قد يجد متعة عندما تحكي له عن أصدقائها ومغامراتها السابقة، أما بالنسبة لشريكته بالعرق أو التاريخ أو الثقافة ف"لا رفت ولا فسوق ولا جدال" و"لا متخدات أخدان".

والموقف رغم غرابته، إلا أنه شرحه سهل : فالإنسان يتبع أنماط، ونعلم أن هناك نمط غربي وآخر شرقي، والنمط نعني به طرق العيش وأساليب التفكير والأعراف والتقاليد والإنتاج الثقافي وكذلك التأثير الاجتماعي الذي ينتمي له الإنسان. فبالنسبة لتربية الجنسين، نجد اختلاف بين نمط التربية الغربي والشرقي. لدى فإن الإنسان بظل وسط شرقي وبارتباطه بشريكة تنتمي لنفس الوسط والنمط (الثقافيين)، فإنه يتبع النمط السائد في التعامل، وهو خضوع الأنثى لسلطة الرجل الشرقي.
أما عند ارتباطه بأنثى من وسط ونمط مغايرين، وهو النمط الغربي، ومن السائد ثقافيا أنه منذ العهود الأولى للاستعمار والشرق لم يشفى بعد من صدمة التفوق الغربي (أو الإخصاء بتعبير فرويدي لجورج طرابيشي)، ففي عمق العقلية الشرقية، تجدّر احترام لاواعي للثقافة الغربية رغم الكره والاستهزاء السطحي. وبالتالي فإن تعامل الرجل الشرقي مع الأنثى الاجنبية، إنما هو تعامل مع النمط الغربي، وبوجود احترام واعجاب لاواعي لهذا النمط، فإنه يعاملها حسب نمطها، أي أنه يتنمط بنمط غربي عند التعامل معها، كانسلاخ ثقافي ووسطي حتى يتمكن من التعامل والتفاعل والتوافق معها. وبهذا نكشف سبب الفرق في التعامل.

يسعى كلا النمطين ثقافيا لالغاء الاختلافات، وذلك بالتوافق والتفاهم على اعتماد قوانين وحقوق انسانية مشتركة، غير أنه حسب التاريخ الشرقي، تجذر في لاواعي الأنثى رهبة واحترام وخضوع (لاواعي) بالنسبة للرجل الشرقي، لذلك تنسلخ هي كذلك عند الارتباط مع رجل اجنبي بعدم رضوخها وتنازلها عن شروطها، إن لم يكن منها (ضمن الشروط) اجبار الأجنبي على تغيير معتقده واعتناق ديانتها ـ أما بالنسبة للرجل الشرقي فلا يهتم إن غيرت شريكته الأجنبية ديانتها أو حافظت عليها ـ هنا نرى النمط كيف يتحكم بسلوك الشخصية وفكر المعني بأوضح صورها : فاحترام الشرقية للشرقي حسب نمطهم السائد، يدفع الأنثى للخضوع للرجل الذي يمارس سلطته وسيادته. وكذلك بارتباط الشرقية بالغربي تنسلخ من نمطها بالاندماج بالنمط الغربي وبذلك تمارس عليه سلطة الأنثى الاجنبية، أما عن الشرقي لدى ارتباطه بالغربية فإن يتنازل عن سلطته الصارمة والمتشددة الممارسة على الأنثى، لأنه يتعامل معها تعامل الرجل الغربي، أو حتى أكثر نظرا لحرصه على تطبيق تعامل خالص حسب النمط المخالف (نمطها).

لماذا لا تنقلب الصورة ؟ أو هل دائما يندمج الشرقيون بالنمط الغربي عند التعامل ؟

طبعا هنا استثناءات : فكما أن هناك تعامل راقي بين شرقيين بعضهم البعض، فهناك تعامل رديء بين الغربيين بعضهم البعض. أو حتى انقلاب النمط ببعض الحالات كخضوع الغربية، أو تسلط الغربي. لكن ما يجب أخده بعين الاعتبار، هو أن المغلوب يتبع الغالب (كما بمفهوم ابن خلدون)، وفي الشرق هناك خطاب ثقافي يمرر رموز وتلميحات (دون وعي) لتفوق الغرب، ما يثير النظر له بهيبة واحترام أو حتى محاولة تقليد ببعض الأحيان، ولولا أن الشرق تعامل مع صدمة الغرب بعقلانية ومنطقية، لتجاوزه وتغلب عليه ربما، أو على الأقل تساوى معه انتاجيا وتقنيا وثقافيا.

فكر من جديد، على أن يكون ذلك خارج النمط، فعندما لا يلغي الإنسان فردانيته ورأيه الشخصي ولمسته الخاصة، فإنه يعلو على الأنماط، ولا يندمج كليا بأي منها، إنما يختار اسلوب تعامله وتفاعله بحسب ما يروقه من باقي الأنماط. فيصنع شخصيته الحقيقية بردود أفعال نابعة من قرارت وقناعات خاصة.

لا تخلتف الأنثى الشرقية على الغربية، إلا بأنها أكثر احتراما للرجل، لزوجها وصديقها، لكنها تلقى معاملة أدنى من المعاملة التي تلقاها إن كانت أجنبية ! . فالشرقي بطل أمام الشرقية، وشريك أمام الأجنبية !! .

باقتباس للكاتبة السورية كوليت خوري تقول فيه : "أريد رجلا يستطيع أن يكون أبا فيرعاني كطفلة، وفي الوقت نفسه يستطيع أن يكون طفلا فيشعرني بمسؤوليتي كأم"، والرغبة تكشف تذبذب وتردد الأنثى بين نمطين، بين نمط شرقي وهو الأب الحامي والمطلق والمسيطر والمعاقب، وبين نمط غربي وهو الطفل المحب والمتعلق والمهتم والخاضع. وغالبيات المثقفات العربيات يعانين من جذب نفسي وفكري بين الرجل الشرقي الذي يكنون له رهبة واعجاب لاواعي، وبين الرجل الغربي الذي يتسامح مع متطلباتها وأهدافها وتشعر معه بالندية والتساوي، وهذا مايدفع رغبة توفيقية للظهور، وهي رغبة الحصول على رجل شرق-غربي، أو طفل-أبوي.