المرأة بين الضرب والهجر



قحطان محمد صالح الهيتي
2014 / 1 / 18

يمارس الرجل في أغلب الدول المتحضرة منها والمتخلفة، وفي ظل مختلف الديانات والعبادات، ما يعده حقا له أو بطولة منه ضرب زوجته أو هجرها، وسواء كان هذا الفعل مبررا بسبب عدم التزام الزوجة بحقوقها، أو أنه سلوك ذكوري بطولي يمارسه على وفق أهوائه ونزواته، فأن الأمر يعد عنفا ضد الزوجة. أقف لأسأل الزوجة سؤالا محددا دون أن أدخل في الموضوع مدخلا يخرجني عما ترضى به من واحد من هذين الفعلين لأسباب تراها: أيهما الأهون عليها عندما يغضب الزوج الضرب أو الهجر؟ ولماذا؟

ومن أجل توضيح الأمر في كلا الفعلين الذين يمارسهما الرجل في بلدان العالم كافة، اضع أمامكم بعض الحقائق لهذه الممارسة في بعض الدول الغربية، ثم ابين موقف الشريعة الإسلامية منهما على قدر ما يخص الموضوع.

تشير الإحصائيات أن 25% من النساء في بريطانيا يتعرضن للضرب من قبل أزواجهن أو شركائهن. وتتلقى الشرطة البريطانية 100 ألف مكالمة سنويًا لتبلغ شكاوى اعتداء على زوجات أو شريكات، علمًا بأن الكثير منهن لا يبلغن الشرطة إلا بعد تكرار الاعتداءات عليهن عشرات المرات. وفي استطلاع شاركت فيه سبعة آلاف امرأة، قالت 28% من المشاركات: إنهن تعرضن لهجوم من أزواجهن، ويفيد تقرير بريطاني آخر أن الزوج يضرب زوجته دون أن يكون هناك سبب يبرر الضرب، ويشكل هذا 77% من عمليات الضرب.

وفي أسبانيا تؤكد الإحصائيات أن الشرطة سجلت أكثر من 500 ألف بلاغ اعتداء جسدي على المرأة في عام واحد.

وفي دراسة اجريت في امريكا تبين ان ستة ملايين زوجة يتعرضن لحوادث ضرب من قبل الزوج، وحوالي 2000-4000 يتعرضن لضرب مفضي الى الموت. كما ان خمس النساء في سويسرا يعانين من هذا العنف.
وفي دول القارات الأخرى قد تكون الحالات أكثر مما ذكرته في أعلاه، واكتفي بما أوردته عن الدول الأوربية على أساس أنها الأكثر تحضرا وتقدما ومنحا لحقوق المرأة. وتجرم هذه الأفعال على وفق القوانين السائدة في كل بلد، دون الأخذ بنظر الاعتبار ما جاء به دينهم أو عبادتهم.

أما في الإسلام فقد قال تعالى: (وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا). (النساء34).
وقد اختلف الفقهاء في تفسير الهجر والضرب في هذه الآية، فقال ابن جرير الطبري – بعد سوقه أقوال أهل العلم في معنى الهجر: لا معنى لـ"الهجر" في كلام العرب إلا على أحد ثلاثة أوجه:
أحدها: "هجر الرجل كلام الرجل وحديثه"، وذلك رفضه وتركه، يقال منه: "هَجر فلان أهله يهجرُها هجرًا وهجرانًا".
والآخر: الإكثار من الكلام بترديد كهيئة كلام الهازئ، يقال منه: "هجر فلانٌ في كلامه يَهْجُر هَجْرًا"، إذا هذَى ومدّد الكلمة "وما زالت تلك هِجِّيراه، وإهْجِيرَاه".
والثالث: "هَجَر البعير"، إذا ربطه صاحبه بـ "الهِجَار"، وهو حبل يُربط في حَقْويها ورُسغها.
ثم أبطل القولين الأولين، ورجح الثالث!" فقال: فأولى الأقوال بالصواب في ذلك أن يكون قوله: "واهجروهن"، موجَّهًا معناه إلى معنى الرّبط بالهجار!!، على ما ذكرنا من قيل العرب للبعير إذا ربطه صاحبه بحبل على ما وصفنا:"هَجَره فهو يهجره هجْرًا". وإذا كان ذلك معناه كان تأويل الكلام:
واللاتي تخافون نشوزَهن فعظوهن في نشوزهن عليكم. فإن اتعظن فلا سبيل لكم عليهنّ، وإن أبين الأوْبة من نشوزهن فاستوثقوا منهنّ رباطًا في مضاجعهن يعني: في منازلهن وبُيوتهن التي يضطجعن فيها ويُضاجعن فيها أزواجهنّ.".

وقد رد عليه ابن العربي في تفسيره فقال: " يا لها هفوة من عالم بالقرآن والسنة!! وإني لأعجبكم من ذلك: أن الذي جرأه على هذا التأويل، ولم يرد أن يصرح بأنه أخذه منه، وهو حديث غريب، رواه ابن وهب عن مالك: أن أسماء بنت أبي بكر الصديق امرأة الزبير بن العوام..." ثم ذكر قصة ضرب الزبير أسماء وضرتها، وأنه عقد شعر واحدة بالأخرى، ثم قال ابن العربي:" فرأى الربط والعقد مع احتمال اللفظ، مع فعل الزبير، فأقدم على هذا التفسير لذلك. ويقول:" وعجبًا له، مع تبحره في العلوم وفي لغة العرب، كيف بعد عليه صواب القول، وحاد عن سداد النظر"!!

وأما الضرب، فهو ضرب تأديب وتعزير، وينبغي ألا يكون مدميا، ولا مبرحا، ولا على الوجه والمهالك. فإن أفضى إلى تلف، وجب الغُرم. وفي جواز الهجران والضرب عند خوف النشوز، لظاهر الآية في حالة ظهور النشوز، ثلاثة أقوال: أحدها: له الوعظ والهجران والضرب. والثاني: يتخير بينها ولا يجمع. والثالث: يعظها. فإن لم تتعظ هجرها، فإن لم تنزجر ضربها.

وقد قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع موصيا: " واستوصوا بالنساء خيرا، فإنما هن عوان عندكم. ليس تملكون منهن شيئا غير ذلك، إلا أن يأتين بفاحشة مبينة. فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضربا غير مبرح. فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا. ألا إن لكم على نسائكم حقا. ولنسائكم عليكم حقا. فأما حقكم على نسائكم فلا يوطئن فرشكم من تكرهون ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون. ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن.

وخلاصة الأمر، أنه لا يجوز للزوج أن يضرب زوجته ابتداءً، وإنما يكون ذلك بعد الوعظ، وبعد الهجران، ويجب أن يكون الضرب غير مبرح، فإن الضرب المبرح حرام لما سبق في الأحاديث، قال عطاء: " الضرب غير المبرح بالسواك ونحوه، وقال الحافظ ابن حجر: " إن كان لا بد فليكن التأديب بالضرب اليسير. وعلى الزوج أن يتجنب ضرب الوجه والمواضع الحساسة في الجسد.