الحجاب والحرية الشخصية



هشام آدم
2014 / 1 / 26

[رؤية الدين للمرأة – مكانة المرأة في الأديان عبر التاريخ]
أولاً: الحجاب والحرية الشخصية
كثير من النساء اللواتي يتمسكن بحقهن في الحجاب، يعتبرن أن مسألة الحجاب داخلة ضمن حرية الفرد في اللباس واختيار اللباس، وهن بذلك يخلطن الأمر ويقلبنه رأساً على عقب، وسؤالي البسيط لهؤلاء النسوة "هل أنتن متمسكات بالحجاب لأنه أمر رباني؟ أم لأنه تعبير عن الحرية الشخصية؟" وعلى هؤلاء النسوة أن يعلمن -قبل التطوّع بالإجابة- أن الأمران لا يتساويان على الإطلاق، ولتوضيح الفكرة أضرب هذا المثال: إذا فرضت مدرسة ثانوية على طالباتها الالتزام بزيّ موحّد [Uniform] فهل ارتداء هذا الزيّ يدخل ضمن الحرية الشخصية في اللباس؟ من الواضح أن إلزام هذه المدرسة للطالبات بزيّ ما، هو ما يُنافي بالضرورة الحرية الشخصية للبس وليس العكس، وبالتالي فإن الحجاب [المفروض] على المسلمات يتنافى مع حريتهن الشخصية في اللباس، وإذا قالت إحداهن إنها مقتنعة بالحجاب وأنها ترتضيه، فإن هذه القناعة وهذا الرضا لا ينفي أنه زي مُلزم، والإلزام في حدّ ذاته مُنافٍ للحرية، لأنَّ الحرية تعني فيما تعنيه الإرادة في فعل الشيء أو عدم فعله، هذا إضافة إلى أن هذه القناعة ليست أصيلة، وسوف أتناول فكرة الأصالة لاحقاً.

ثانياً: رؤية الدين للمرأة – مكانة المرأة في الأديان عبر التاريخ
إذا حاولنا تتبع وضع المرأة في المجتمعات البشرية منذ العصور البيوليتية [الأولى والوسيطة والحديثة] وكذلك في العصر النيوليتي الأول؛ فإننا نجد أن المرأة في هذه المجتمعات كانت أكثر احتراماً، إلى الدرجة التي جعل إنسان تلك العصور لا يتصوّر الإله إلا على صورة أنثوية، فكانت الديانات الأنثوية والآلهات الأنثوية، وكانت عشتار أو عشتروت [الإلهة الأم]، وكانت المرأة في تلك العصور ذات مكانة محترمة لأنها كانت تعبّر عن الحياة وعن سرها، وكانت هي مصدر الإلهام لكثير من المُنجزات البشرية القديمة، ثم مع اكتشاف الزراعة واستشراء الإقطاعية الكلاسيكية، وظهور الملكية الفردية بدأ الصراع بين الرجل والمرأة على السُلطة المجتمعية، وتمظهر هذا الصراع في شكل صراع الآلهات الذكورية والأنثوية والذي انتهى بفوز الآلهة الذكورية، وبالتالي فرض سيطرته على المرأة المهزومة؛ فرأينا ما يُعرف بالأديان السماوية كيف حاولت تشويه صورة المرأة عبر الأساطير والخرافات التي صنعتها من أجل التبرير لاضطهادها، وفيما يلي تناول سريع لوضع المرأة في الأديان السماوية.

المرأة في اليهودية:
المرأة في اليهودية ملعونة لأنها مصدر الخطيئة الأولى، وهي بذلك سبب كل الشرور التي يفعلها الرجل، كما أن المرأة في اليهودية لا يحق لها أن ترث، ولا تملك حق الطلاق أو حق المطالبة به حتى مع ثبوت زنا زوجها بأخرى، وعلى العكس من ذلك فالرجل في اليهودية يملك حق الطلاق حتى دون إبداء الأسباب وفي ذلك نقرأ في سفر التثنية ما يلي: {إذا أخذ رجل امرأة وتزوّج بها فإن لم تجد نعمة في عينيه لأنه وجد فيها عيب شيء وكتب لها كتاب طلاق ودفعه إلى يدها وأطلقها من بيته ومتى خرجت من بيته ذهبت وصارت لرجل آخر فإن أبغضها الرجل الأخير وكتب لها كتاب طلاق ودفعه إلى يدها وأطلقها من بيته أو إذا مات الرجل الأخير الذي اتخذها له زوجة لا يقدر زوجها الأول الذي طلقها أن يعود يأخذها لتصير له زوجة بعد أن تنجست لأن ذلك رجس لدى الرب فلا تجلب خطية على الأرض التي يعطيك الرب إلهك نصيباً} ومن قراءتنا لهذا الإصحاح نفهم أن المرأة نجسة إن هي مات عنها زوجها أو طلقها رجل، كما يتضح من هذا الإصحاح أن المرأة لا تملك حق الزواج واختيار الزوج، كما أن المرأة إذا حاضت طردت من البيت فلا تعود إليه حتى تطهر، والمرأة في اليهودية أسوأ من الموت وأخطر، وذلك كما نقرأه في سفر الجامعة: {فوجد أمر من الموت المرأة التي هي شباك وقلبها إشراك}

المرأة في المسيحية:
وضع المرأة في المسيحية مستنسخ عن اليهودية ومستمد منها، فالمرأة لا يُسمح لها بالكلام في الكنيسة، وإذا أرادت أن تتعلّم شيئاً فإنه يتوجب عليها أن تسأل زوجها، فعلم المرأة مرتبط ومستمد من الرجل، كما أنه يُحرم على المرأة أن تتسلّط على الرجل في المسيحية وحجتهم في ذلك أن آدم جُبل [أي خلق] قبل حواء، والمرأة في المسيحية لا يحق لها الطلاق لأن طلاق المرأة يعني الزنا، كما أن الزواج من المطلقة يعادل الزنا كذلك، والمسيحية تفرض الحجاب على المرأة بل وتتشدد في هذا الفرض حتى أن من لا تلتزم بالحجاب فإنه يُحكم عليها بحلق شعر رأسها. والرجل في المسيحية هو تاج المرأة حسب النصوص.

المرأة في الإسلام:
لا يختلف وضع المرأة في الإسلام عنه في اليهودية والمسيحية، والحقيقة أن التشريعات المتعلقة بالمرأة في هذه الديانات هي تشريعات تاريخية بمعنى أن اختلاف التشريعات ما هو إلا ضرورات فرضها التطوّر الحتمي للتاريخ في واقع هذه المجتمعات، ولكنها تبقي على الأصل القائل بأن الرجل هو الأصل والمرأة ما هي إلا تابع له، فالمرأة في الإسلام ترث ولكنها لا ترث بنفس مقدار ما يرثه الذكر ولكنها ترث النصف {للذكر مثل حظ الأنثيين} والمرأة في الإسلام غير مقبولة الشهادة إلا في البيوع، وشهادتها ناقصة في البيوع بحيث لا يعتد في شهادة البيوع إلا بشهادة رجلين فإن لم يتوفر فرجل وامرأتين والحجة في ذلك أن المرأة مخلوق نسيء {أن تظل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى} وكأن النسيان صفة أصيلة في المرأة، والمرأة كائن نجس كذلك في الإسلام {ويسألونك عن المحيض قل هو (أذى) فلا تقربوا النساء في المحيض حتى (يطهرن)}، والمرأة متاع {فانكحوا (ما طاب) لكم من النساء} والمرأة مصدر للشؤم {لا شؤم إلا في ثلاث: البيت والفرس والمرأة} والمرأة ناقصة عقل ودين وإن اجتهدت: {النساء ناقصات عقل ودين} والمرأة -كالكلب الأسود والحمار- تبطل الصلاة [ينفي البعض صحة هذا الحديث] والإسلام يُبيح التعدد ويُبيح وطأ الإماء حتى دون عقد زواج، والزواج يُسمي عقد الزواج بعقد نكاح، كما يُبيح الإسلام الزواج بالقاصرات، وديّة المرأة نصف ديّة الرجل، في الإسلام يحق للرجل ضرب الزوجة للتأديب، والكلام عن مكانة المرأة في الإسلام يطول.

نأتي الآن لمناقشة موضوع الحجاب والحِكمة من مشروعيته، وحتى لا أُتهم بأنني أتجنى فسوف أعتمد في تقديم الحكمة من مشروعية الحجاب على مقولات الأئمة المسلمين أنفسهم، ويكون ردي مبنياً عليه؛ فقد جاء في موقع [صيد الفوائد] إجابة على سؤال عن الحجاب ما يلي:
"هذه الألبسة التي ترتديها المرأة المسلمة هي مظهر شرعي، تعبر عن الحقيقة العظيمة التي يجب أن تكون قائمة في حسها، في كيفية تعاملها مع جسدها ، حفظاً له وصيانة وحماية، وشعوراً بالكرامة، ورفعة مما يجعلها تأنف من تبذله وامتهانه. وفي إحساسها بكرامتها الإنسانية عند الله حيث صارت أهلاً للتشريف بالتكليف، فلا تنحطّ للمرتبة البهيمية، حيث تقصر الحياة على المعاني المادية الشهوانية.

فالحجاب إذاً برنامج شامل لحياة المرأة المسلمة، يحكم سائر تصرفاتها، وليس فقط غطاء تستر به بدنها، وإن كان هذا الستر للبدن جزءاً من الحجاب (...) فالحجاب معنى شامل يشمل الهيئة والخلق جميعاً؛ فالحجاب ستر وطهارة وعفة وإيمان، وحب الستر من أخلاق الأنبياء. وعقلاً: إن كل من يملك شيئاً غالياً كان أو رخيصا؛ فإن من حقه ألا يستعمله إلا هو أو من له حق فيه وهذه حرية شخصية، والمرأة تملك جمالها، وهي مخلوقة متعبدة لأوامر الله عز وجل، فلا يحق لأحد أن يستمتع بها ولو بالنظر إلا من أذن لها شرعاً بذلك كالزوج؛ فالحجاب إنما هو تعبير عن حرية المرأة في نفسها، وإعلان منها أنها ليست نهباً لكل أحد، ومن هنا تكون شخصية المسلمة المحجبة التي تقدر نفسها، لا التي تتبذل وتكون سلعة رخيصة لا قيمة لها." [انتهى الاقتباس]

والعلّة في اختياري لهذا المُقتبس هو اشتماله على كثير من الحجج التي يسوقها رجال الدين في التبرير لمشروعية تغطية المرأة لجسدها. وسوف يكون نقاشنا حول ما جاء في المقتبس أعلاه من أفكار، وإيضاح ما فيه من أكاذيب وتلفيقات، ومن ناحية مبدئية فإنني أقول إن الحجاب هو مفهوم جنسي اجتماعي في المقام الأول، وهذان المفهومان [المفهوم الجنسي والمفهوم الاجتماعي] مرتبطان ارتباطاً وثيقاً؛ فالاهتمام البالغ الذي توليه الأديان المُسماة بالأديان السماوية بجسد المرأة واعتباره عورة يجب تغطيته وحجبه عن الأنظار يُعبّر في حقيقته عن هاجس جنسي من ناحية، وعن نزوع لاعتبار المرأة ملكية فردية للرجل من ناحية أخرى.

وقبل أن أُسهب في تفصيل النقطتين الأخيرتين؛ فإنني أرى من واجبي سرد مقدمة تاريخية لفكرة الحجاب ونشوئه في الإسلام حتى يتضح للمسلمات حقيقة مشروعية الحجاب في أساسها. يقول القرآن في الآية [59] من سورة الأحزاب {يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يُدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى يُعرفن فلا يُؤذين} من هذه الآية نقف على نقطتين أساسيتين: أولهما نزعة الملكية الطاغية في الآية، وثانيهما الحِكمة الأساسية من الحجاب؛ وفيما يلي تفصيل ما أجملناه:

نزعة الملكية في تشريع الحجاب:
الفكرة الأساسية في الآية هو فرض الحجاب، والصيغة التي تغلب على التشريع المفروض هو التعميم وليس التخصيص، فنقول مثلاً: [قل للنساء أن يُدنين عليهن من جلابيبهن] أو [قل للمسلمات أن يُدنين عليهن من جلابيبهن] هذه الصيغة هي الصيغة الافتراضية للتشريع التعميمي، ولكن تخصيص الخطاب بكاف الخطاب [أزواجك] و [بناتك] يُوحي بطغيان نزعة الملكية، وكأن الغرض من تشريع الحجاب مبني في أساسه من كون المرأة هي [زوجتك] وأن الفتيات هن [بناتك] وأن النساء هن [نساء المؤمنين]، وملاحظتنا لعبارة [نساء المؤمنين] وفارقها الدلالي من [المؤمنات] هو ما يُؤكد هذا الرأي. وعليه فإن فرض الحجاب نابع في أساسه من إحساس العربي بأن المرأة وجسدها شيء يخصه، بل هو ملكه، ومن أجل هذا فإنه يتوجب عليه هو أن يأمرهن بتغطيته، وإلا لكان الخطاب مباشراً للنساء، وقد وردت هذه الصيغة من قبل في قوله [يا نساء النبي لستن كأحد من النساء] والواقع أن كل التشريعات الخاصة بالنساء مُصاغة بطريقة غير مباشرة، والفعل [قل] في آية [قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يُدنين عليهن من جلابيبهن] تأتي بمعنى [مُر] من [أمَرَ] فيكون [قل] هنا بمعنى [مُرهن بذلك]، وأغلب الآيات التي تتعرض لأحكام متعلقة بالنساء لا يتم فيها مخاطبة النساء بصورة مباشرة فنقرأ مثلاً:
{وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فامسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف} الآية.
{واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر} الآية
{ولا جناح عليكم فيما عرضتم من خطبة النساء} الآية
{لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن} الآية
{فانكحوا ما طاب لكم من النساء} الآية
{وآتوا النساء صدقاتهن نحلة} الآية
{يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كُرهاً} الآية
{قل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن} الآية

والشواهد كثيرة، وقد نلاحظ أن المرأة في هذه الآيات تقع في الغالب في محل المفعول به، فلا يتم مخاطبتها فيما يتعلق بها، وربما هنالك شواهد قليلة ونادرة تمت فيها مخاطبة المرأة بشكل مباشر، ومن ذلك قوله:
{يا نساء النبي لستن كأحد من النساء} الآية
{والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحاً} الآية

ولنا أن نتصوّر نصاً قانونياً يتعلّق بالمظهر العام هذا نصّه: [تلتزم المرأة بلبس زيّ مُحتشم حفاظاً على المظهر العام] ونقارنه بهذا النص: [تُلزم المرأة بلبس زيّ محتس مُحتشم حفاظاً على المظهر العام] ونقف بعدها على دلالات الخطاب في كلٍ من الصيغتين، وهو بالتحديد ما أسعى إلى إثباته، فالنصوص الدينية تتعامل مع المرأة على أساس أنها مملوكة للرجل، وبالتالي فإنه يُخاطبها عبر مالكها.

الحكمة من الحجاب:
استناداً على الآية السابقة من سورة الأحزاب فإننا نقف على معنىً هام للغاية من الحكمة من مشروعية الحجاب، وهو يتمثل في قوله {ذلك أدنى أن يُعرفن فلا يُؤذين} إذن بإمكاننا القول أن الحكمة من مشروعية الحجاب حسب النص الديني هو [تجنب الإيذاء]، وهنا يُفيدنا أن نطرح بعض المعلومات المتعلقة بهذا الموضوع؛ فسورة الأحزاب من السور المدنية أيّ أنها نزلت بعد الهجرة وهنالك اختلاف بين أئمة المسلمين حول تعريف السور المكيّة وتفريقها من السور المدنية، ولكن دون الخوض في هذه التفاصيل فإننا نقول إن السورة المدنية هي السور التي نزلت بعد الهجرة، وهنا يجب أن نتوقف على أمر هام تحاول الخطاب الديني الموجّه أن يوهم به العامة، فكثير من المسلسلات الدينية والتاريخية التي تتناول السيرة النبوية تحاول إيهام المشاهد بأن الحجاب كان جزءاً أصيلاً من الدعوة والنبوة، وبالتالي فإنه يُجسّد لنا المرأة المُسلمة في الحقبة المكية [قبل الهجرة] مُحجبة ومرتدية لباساً أبيض اللون، علماً بأن تشريع الحجاب لم يصدر إلا في الحقبة المدنية، ومن المؤكد أن اللباس الأبيض الذي تختص به الشخصية الإسلامية في الدراما له مدلولاته، فكل شخصية مسلمة في الدراما ترتدي اللون الأبيض، وهذا نسق درامي موجّه لا أصل له إلا محاولة الإشارة أن البياض دلالة على الإيمان، والحقيقة أننا نجد لهذه الفكرة امتداداً في كثير من الدول الإسلامية حيث تلجأ المرأة المسلمة لارتداء اللباس الأبيض بعد إعلان الالتزام والحجاب، وكذلك فإن بعضاً من الملتزمين ورجال الدين قد يرتدون جلابيب بيضاء. والأسئلة التي تطرح نفسها الآن: [إذا كان اللون الأبيض هو لون إسلامي حقاً، فمن أين جاءت العباءة السوداء؟ ولماذا هذا التناقض في الألوان؟ وما هي دلالات هذا التناقض؟]

هذه التساؤلات متروكة للتداول الذهني المفتوح، فما يهمني هنا هو التحدث عن فكرة الحجاب التاريخية والتي جاءت نتيجة لظرف موضوعي للغاية، والحقيقة أن الحجاب شرّع لغرض عنصري وطبقي للغاية، فكان الغرض الحقيقي من الحجاب ليس الستر والعفة كما تتوهم كثير من المسلمات، وكما يحاول أئمة الدين أن يروّجوا له، بل كان الغرض الأساسي منه هو التفريق بين الإماء المملوكات والحرائر، وجاء هذا التشريع عندما كثرت الشكاوى من تعرّض النساء للتحرشات الجنسية من قبل بعض المسلمين [بعض كتب السيرة ترمي اليهود والمنافقين بهذه التهمة] فلما جيء ببعض المتحرشين اعترفوا بذلك غير أنهم تذرعوا بأنهم كانوا يظنون أنهن من الإماء فجاء التشريع بالحجاب تمايزاً بين الإماء والحرائر، وهذا هو الرأي الراجح لدى أئمة التفاسير؛ وهنا نتعرّض لبعض ما قيل في هذا الصدد من تفسير للآية [59] من سورة الأحزاب على هذا النحو:

"يقول تعالى آمرا رسوله صلى الله عليه وسلم تسليما أن يأمر النساء المؤمنات المسلمات - خاصة أزواجه وبناته لشرفهن - بأن يدنين عليهن من جلابيبهن ليتميزن عن سمات نساء الجاهلية وسمات الإماء (...) وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا أبو صالح حدثني الليث حدثنا يونس بن يزيد قال وسألناه يعني الزهري هل على الوليدة خمار متزوجة أو غير متزوجة ؟ قال عليها الخمار إن كانت متزوجة وتنهى عن الجلباب لأنه يكره لهن أن يتشبهن بالحرائر المحصنات (...) وقوله " ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين " أي إذا فعلن ذلك عرفهن أنهن حرائر لسن بإماء ولا عواهر" [المصدر: تفسير ابن كثير]

"يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن" جمع جلباب وهي الملاءة التي تشتمل بها المرأة أي يرخين بعضها على الوجوه إذا خرجن لحاجتهن إلا عينا واحدة "ذلك أدنى" أقرب إلى "أن يعرفن" بأنهن حرائر "فلا يؤذين" بالتعرض لهن بخلاف الإماء فلا يغطين وجوههن فكان المنافقون يتعرضون لهن" [المصدر: تفسير الجلالين]

"القول في تأويل قوله تعالى : { يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن } يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين , لا يتشبهن بالإماء في لباسهن إذا هن خرجن من بيوتهن لحاجتهن، , فكشفن شعورهن ووجوههن , ولكن ليدنين عليهن من جلابيبهن , لئلا يعرض لهن فاسق , إذا علم أنهن حرائر بأذى من قول" [المصدر: تفسير الطبري]

"لما كانت عادة العربيات التبذل , وكن يكشفن وجوههن كما يفعل الإماء , وكان ذلك داعية إلى نظر الرجال إليهن , وتشعب الفكرة فيهن , أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يأمرهن بإرخاء الجلابيب عليهن إذا أردن الخروج إلى حوائجهن , وكن يتبرزن في الصحراء قبل أن تتخذ الكنف - فيقع الفرق بينهن وبين الإماء , فتعرف الحرائر بسترهن , فيكف عن معارضتهن من كان عزبا أو شابا . وكانت المرأة من نساء المؤمنين قبل نزول هذه الآية تتبرز للحاجة فيتعرض لها بعض الفجار يظن أنها أمة , فتصيح به فيذهب , فشكوا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم ونزلت الآية بسبب ذلك" [المصدر: تفسير القرطبي]

إذن؛ فإن الحجاب كان نوعاً من الفصل والتمييز بين الحرائر والإماء ولا علاقة له بالعفة وصون المرأة وهذا الكلام، ومن المعروف أن هذه الآية مدنية أي نزلت في المدينة وإن كان الحجاب تشريعاً إسلامياً أصيلاً لفرض مع بداية نزول الوحي مثله مثل بقية الفرائض كالصلاة مثلاً، ولكن الواضح أن الحجاب والستر لم يكن مفروضاً على النساء في بداية الإسلام وظلت المسلمات متبرجات حتى بداية العهد المدني ولظروف مخصصة، ولولا هذه الظروف لما كان هنالك حجاب أصلاً.

والأدهى من ذلك ما نقرأه أن عمر بن الخطاب كان يضرب الأمة للبسها الحجاب لأنها بذلك تتشبّه بالحرائر وفي ذلك ورد عن أنس بن مالك: {رأى عمر أَمَةً لنا متقنِّعَة فضربها وقال لا تَشَبَّهِي بالحرائر} [المصدر: مصنف ابن أبي شيبة ج3 ص127] وذكر كذلك: {دَخَلَتْ على عمر بن الخطاب أَمَة قد كان يعرفها ببعض المهاجرين أو الأنصار وعليها جلباب متقنِّعة به فسألها: عَتِقْتِ؟.. قالت: لا .. قال: فما بالُ الجلباب ضعيهِ عن رأسكِ إنما الجلبابُ على الحرائر من نساء المؤمنين.. فتَلَكَّأتْ فقامَ إليها بالدُرَّة فضربها بها برأسِها حتى ألْقَتْهُ عن رأسِها} [نفس المصدر ص128] ويذكر أنس بن مالك كذلك: {كُنَّ إِمَاءُ عمر يَخْدُمْنَنَا كَاشِفَاتٍ عَنْ شُعُورِهِنَّ تَضْطرِبُ ثُدِيَّهُنَّ} [المصدر: السنن الكبرى للبيهقي ج2 ص321] إذن فلا علاقة للحجاب بالعفة ولا برفع قدر المرأة وسترها والحفاظ عليها كما يُردد البعض، ولكنه كان تشريعاً من أجل التفريق والتمييز بين الحرائر والإماء هذا كل ما في الأمر.

إن الفكرة الأساسية من الحجاب هو الإمعان في إقصائها واضطهادها، وذلك عبر إيهامها بأنها محض عورة، وأن الحجاب ما هو إلا تكريم لها، فأيّ تكريم قد تناله المرأة وهي محجوبة وممنوعة من الكشف عن هويتها؟ ثم كيف أجاز البعض خلق المقارنة الغبيّة بين [الحجاب] و [الرذيلة]؟ فما إن يتكلّم أحدهم عن الحجاب؛ حتى يُحيلك مباشرة إلى الكلام عن العفة والعفاف، وبذلك أصبح عدم الحجاب مقابلاً مباشراً للرذيلة والانحلال الأخلاقي، ولا أدري من أين جاء هؤلاء بهذه المقارنة؟ هل كل امرأة لا ترتدي الحجاب هي بالضرورة امرأة ساقطة وفاجرة؟ نعم؛ فهذا هو الفهم الذي يحاول أئمة المسلمين إيهام المرأة به، وهم في سبيل ذلك يضربون الأمثال على المجتمعات المنحلة وكيف أن المرأة منهوبة الجسد في تلك المجتمعات. هناك خلط واضح، فكلما تكلّمنا عن المرأة في الإسلام جاءت الأسطوانة المشروخة إياها [الانحلال في المجتمع الغربي] وأنا أستغرب هل [الغرب] ديانة نقارن بها الإسلام؟ ألا يعرف هؤلاء أن المسيحية توجب الحجاب على المرأة وكذلك اليهودية؟ ألا يعرفون أن ما يتم في الغرب من انحلال وغيره لا علاقة له بالدين، بل له علاقة مباشرة بمسألة الحريات؟ ما هو المكان السامي الذي وضع فيه الإسلام المرأة؟ وراء الحجاب؟ خلف الأنظار؟ بعيداً عن المشاركة الفاعلة في المجتمع؟ داخل أربع جدران؟ في عقول الرجال كسبب ومصدر للفتنة؟

لا أدري لماذا يسعى الكثيرون إلى اعتبار أن [الانحلال] هو المرادف الطبيعي لقضية تحرير المرأة ومساواتها بالرجل! وكأن كل من يدافع عن قضايا المرأة هو بالضرورة يدعو للانحلال، ولهذا يُجابه على الدوام بالأسطوانة المشروخة: الكلام عن العفة والشرف والانحلال في الغرب ووووو إلخ، فما الرابط؟ ألا يمكن أن تكون هنالك امرأة غير متحجبة وشريف في ذات الوقت؟ أم أن الحجاب أصبح رديفاً للعفة كغشاء البكارة؟ الأخلاق غير مقيّدة بالدين، بل الدين هو الذي يتقيّد بالأخلاق، وهذا يعني أن الأخلاق ليست حكراً على الإسلام دوناً عن بقية الأديان، بل وليست حكراً على الأديان نفسها. متى يفهم هؤلاء أن تحرير المرأة والمطالبة بمساواتها بالرجل تعني تكافؤ الفرص الاجتماعية والسياسية بينها وبين الرجل؛ بحيث لا يتم التمييز بين شخص وآخر بناءً على نوعه أو جنسه بل بناءً على أهليته ومؤهله؟ لماذا يخلط هؤلاء القوم بين [التحرير] و [التحرر]؟ هل هذا الخلط مقصود؟

ثم من قال لهؤلاء أن المرأة مسلوبة الإرادة إلى الحد الذي يجعلها عرضة للانحلال بمجرّد أن تخلع حجابها؟ لماذا يحاول أئمة الإسلام أن يُرهبوا المرأة، بأن يطعنوا في شرفها وعفتها إذا لم ترتدي الحجاب؟ ما هي علاقة الحجاب بالعفة والشرف؟ إن معيار العفة والشرف هو معيار ذكوري في مجتمعاتنا المريضة، والتي تعتقد أن جسد المرأة مِلك للرجل، يجب عليه حمايته والذود عنه، وكأن المرأة لا تملك أن تحميه، وحتى إن فعلت فإنها تفعل ذلك من أجل إرضاء الرجل، لا من أجل إرضاء نفسها، أو لأنها تتمتع بقدر كافٍ من الحرية والقرار بأن تكون كما تريد هي، لا كما يُريد الرجل.

من المؤسف حقاً أن تنطلي مثل هذه الحيل السخيفة على كثير من النساء، فترتدي الحجاب لتدافع به عن ممتلكات الرجل، وتحمي به مصالحه وتؤكد على سيادته عليها وعلى جسدها. لقد ذكرتُ في بداية هذا المقال أن الحجاب مفهوم جنسي واجتماعي، ومن واجبي أن أشرح هذه العبارة.

الحجاب من حيث هو مفهوم جنسي:
لقد أوضحنا كيف أن الغرض من الحجاب يرتكز في أساسه على إحساس ذكوري يجعل الرجل يشعر ملكيته لجسد المرأة، وبالتالي تغطيته لمن لا حق له في رؤيته والاستمتاع به، فيكون الرجل بذلك هو المعيار الذي يُحدد من يحق له الاستمتاع بجسد المرأة وليس المرأة نفسها، وهذا في حدّ ذاته امتهان للمرأة بحيث لا يُسمح لها حتى اتخاذ القرار بشان تحديد المعيار حسبما تراه هي، فهي وحتى إن توهمت أنها هي صاحبة القرار، فإنها دون أن تشعر إنما تنفذ ما أقرّه الرجل وما ارتضاه، فأصبحت فكرة عورة الجسد [هذه الفكرة الذكورية] فكرة تمارسها الكثير من النساء، وكثير من العادات والتقاليد التي تمارسها النساء هي إنما تصب في خانة المصلحة الذكورية، فهنالك عدد من الأعراق والشعوب التي تقوم بتسمين الفتاة قبل الزواج، لأن ذكور ذلك المجتمع يحبون الفتاة المكتنزة، وتمارس المرأة الرقص أمام زوجها تماماً كما كانت تفعل الجواري، ويتم تدريب الفتيات على الرقص من أجل إمتاع الزوج، وختان الإناث ما هو إلا ممارسة نسائية ذات مغزى ذكوري، ويأتي الحجاب ليصب في نفس الخانة.

كما أننا نفهم كذلك تغطية الجسد على أنه إمعان في الاشتياق إليه، وذلك من منطلق أن كل ممنوع مرغوب، فكلما توفر الجسد كانت الرغبة فيه أقل، فتأتي هذه التغطية لتعتني بهذه الرغبة، لأن الرجل سوف يكون مشتاقاً ومتلهفاً لهذا الجسد طالما أنه عصي عليه، وهنالك قبائل أفريقية تمارس عادة قريبة [مفاهيمياً] من الحجاب، فعندما زواج الرجل بامرأة فإنهم يقومون باختطاف العروس وإخفائها عن زوجها لمدة تتراوح من يومين إلى أسبوع، ليشتاق إليها وليكون متلهفاً لممارسة الجنس معها، فيكون إخفاؤها هذا دافعاً له أن يظل متوقداً وفي حالة اشتياق ورغبة. وربما كانت بعض الطقوس التي تمارسها كثير من الشعوب العربية اليوم ذات مغزى مشابه لذلك، فالعروس ليلة زفافها يتم تغطيها بثوب الزفاف، ويُسدل على وجهها وشاح أبيض يقوم العريس برفعه وكشف وجهها بعد إعلانات تمام إجراءات عقد الزواج، وكذلك كثير من القبائل والشعوب العربية تتجه نحو حجب العروس عن العريس قبل ليلة الزفاف أو قبل ليلة الدخلة، لأن حجبها عن يزيد من حماسته واشتياقه لها، ويأتي الحجاب ليُطبّق ذات النظرية المفاهيمية، وسواء علمت المرأة بذلك أم لا فهو لا يخدم الحرية الشخصية للمرأة كما تعتقد، بل تخدم النسق الذي تتبعه العقلية الذكورية، فدائماً الرجل هو المعيار حتى في مفهوم الحجاب نفسه، ويكون الحجاب كبقية الممارسات التي تدور في فلك الجنس، فالحجاب على ذلك ما هو إلا رمزية جنسية بجدارة، وقد نجحت العقلية الذكورية في إخفاء هذه الرمزية وطلائها بصبغة دينية نصوصية مقدسة، كما نجحت هذه العقلية في ممارسة إسقاطها على المرأة، وإيهامها أنها جسد من الممكن أن يتسبب في الفتنة ومن الممكن أن يكون مقياساً للعفة والشرف، والحقيقة بعيدة كل البُعد عن ذلك، فلو لم تتفاقم مشكلات التحرّش الجنسي زمن الصحابة لما تم تشريع الحجاب أصلاً.

الحجاب من حيث هو مفهوم اجتماعي:
فقط يُمكننا طرح تساؤل عريض وعميق يقول: [هل كانت المرأة الجاهلية منحلة أخلاقياً؟] من المعلوم موقف العرب القديم من المرأة، وهذه المعرفة تجعلنا نرفض فكرة كون المرأة الجاهلية منحلة على الإطلاق، فعلى الدوام كانت المرأة مصدر قلق بالنسبة للشخصية والعقلية العربية لقد عرفت العرب الدعارة ومارستها عدد من النساء وما الرايات الحمراء على البيوت إلا دليل على ذلك، ولكن ما حاجة المجتمع إلى الدعارة إذا كان المجتمع منحلاً؟ إن مفهوم الحجاب متغيّر بتغيّر المجتمع نفسه، ومن الخطأ أن يتم ربطه بمسألة العفة لأنه لا علاقة له بالأمر، فالحجاب مفهوم اجتماعي كان سائداً حتى في زمن الجاهلية، ولكن مفهوم الحجاب الإسلامي جاء ووضع مُحددات لشكل الحجاب ومواصفاته، حتى أصبح عصيّاً علينا أن نتخيّل صورة الحجاب على غير ما تم التوافق عليه في الفهم الديني الإسلامي؛ ولأن العرب قبل الإسلام كانوا يعرفون الفارق بين التحرير والتحرر، فكانوا لا يربطون العفة باللباس أصلاً، وبالتالي فإن كشف المرأة لشعرها أو ذراعها لم يكن أمارة لتحررها أو انحلالها، وحتى نوضح المفهوم الاجتماعي للحجاب فلنفترض أن حكمة الحجاب فعلاً هو العفة ودرء الفتنة؛ فما بال المرأة غير العربية تلزم بالحجاب عندما تدخل الإسلام؟ إذا عرفنا أن مجتمع هذه المرأة [غير العربية] لا يعتبر كشف الرأس فتنة أو إغراءاً فلماذا يجب أن تلتزم بالحجاب حتى مع توفر أسباب الحكمة من تشريعه؟ إن المجتمع الأوربي [مثلاً] لا يرعى في كشف الساق أيّ فتنة أو إغراء، ولا يرى في كشف الرأس شيئاً يوحي بالإغراء، وكذلك لبس البنطال وخلافه، بل وحتى أن الملابس الضيقة والقصيرة قد لا تكون جاذبة لانتباه الرجل الأوربي؛ فلماذا يجب على المرأة الأوربية إذا دخلت الإسلام أن ترتدي الحجاب؟

ثم إذا كانت الحكمة من الحجاب هو درء الفتنة، فهل يُمكننا القول إن النساء الأقل حظاً من الجمال يجوز لهن عدم ارتداء الحجاب لأن وجوههن القبيحة لا تغري الرجال ولا تفتنهم؟ إذا قال المسلمون [لا] فإن الواقع المتحصّل عليه هو أن الحجاب حُكم عام على جنس النساء وهو ما يدلنا على أن المستهدف بذلك هن النساء باعتبارهن [نوعاً - جندراً] وهو ما أحاول الوصول إليه، فالحجاب تمييز عنصري وجندري واضح ضد المرأة، بدواعي ومسوغات دينية لا يُمكن الاتفاق عليها بالإطلاق.

إن المرأة معرضة للاضطهاد والإهانة، ولا يُمكنها مع ذلك المطالبة بالعدالة لأنها هي نفسها لا ترى فيما يُمارس عليها أيّ اضطهاد، بل وتراه عدالة كاملة؛ لماذا؟ لأن مُشرّع هذه السلوكيات الاضطهادية أقنعها أن هذا الأمر هو أمر رباني فوقي لا يُمكن الاعتراض عليه؛ فهي بذلك لا ترى في ضرب الرجل لها للتأديب إهانة تذكر، فطالما أن الله أمر الرجل بذلك وأباحه له، فلا اعتراض على حكم الله، فهو العالم بخلقه أكثر منهم، وإذا وصف الله النساء بأنهن ناقصات عقل ودين لم يرين في ذلك أيّ غضاضة، وإذا وصفهن بأنهن مصدر شؤم لم تستطع إحداهن الاعتراض أو حتى مجرّد الإحساس بالمهانة، وإذا فضل الله الرجل عليها دون سبب يُذكر {الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض} [النساء:34] فإنه لم يجز لها السؤال عن [لماذا يُفضل الله الرجل عليّ؟] لأن الله نفسه لا يسمح لها بهذا الاعتراض {ولا تتمنوا ما فضل الله بعضكم على بعض} [النساء:32] فلا يحق لها أن تسأل عن سر انحياز الله للرجل لأن الله لا يُمكن أن يُسأل عمّا يفعل. ولا يُمكن للمرأة أن تسأل عن سُلطة الرجل عليها وعلى جسدها، لأنه قضى ذلك سلفاً {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها} وقد نلاحظ أن الخطاب هنا هو للذكور [خلق لكم – أيها الرجال] ولماذا خلق النساء؟ [لتسكنوا إليها] وهو ما قد توضحه آية أخرى {هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها} فإن الأصل في الميثيولوجيا الدينية هو الذكر ثم جاءت المرأة لتسلي الرجل، فكانت منه أو بالأصح بعضاً منه، فهي على ذلك دائماً أقل من الرجل لأن الأصل والفرع لا يتساويان.

هكذا يستغل الرجل فكرة الله ليضطهد المرأة وليقمعها، ولو كان الله رجلاً لقتلته النساء حتى يحصلن على كرامتهن وإنسانيتهن، وليكن أحراراً في أجسادهن، وليكن هن [بإرادتهن] من يضعن معيار العفة والشرف، لا الرجل. فالرجل هو من حدد غشاء البكارة معياراً للعفة، والرجل هو من حدد الحجاب معياراً للعفة والشرف، وهو من أوهم المرأة بأنها عورة وأنه يجب عليها تغطيته وإخفاؤه، وإذا ما سحبت غطاء المرأة عنها فجأة فإنها بلا شك سوف تشعر بالتعرّي لأنها مقتنعة بأن جسدها عورة، فمن المسئول عن هذه القناعة السخيفة؟ ومن المسئول عن هذا الفهم الخاطئ للحرية؟ ومن المسئول عن الفهم الخاطئ لتحرير المرأة ومساواتها مع الرجل؟ ومن المسئول عن الفهم الخاطئ للجنس؟ هل الله أم الرجل؟ إن الإجابة الحقيقة على هذه الأسئلة هي [الرجل]، فلتقتل النساء الله القابع في أذهان الرجال وعلى أعضائهم الذكرية، فليقتلوه لأنه المتسبب في كونهن كائنات من الدرجة الثانية، ولأنه السبب في حيائهن من أجسادهن منذ ولادتهن وحتى مماتهن، ليقتلوه لأنه ليس سوى ما يعتمل في عقول هؤلاء الذكور ويتكلّم على لسانهم.