الهوس بجسد الأنثى - بين فيمين و النقاب



نضال الربضي
2014 / 2 / 12

الهوس بجسد الأنثى - بين فيمين و النقاب

الانشغال بجسد المرأة صفة مُرافقة لكل المجتمعات، قديمِها الموغل في البدائية منذ عبادات الأم الكبرى و طقوس الجنس العشتارية، مرورا ً بالإغريقية و الرومانية و فنونهما الإيروتيكية، و بتلك التي تبنت الديانات التوحيدية الثلاث و أبرزت ذات الشبق لكن برد فعل ٍ عدائي فشل في أن يُخفي منشأه المُتشهي و الذائب في الشهوانية بوجه الكبت، وصولا ً إلى أشكال تُبلور مفاهيم الحضارة الحالية التي تبرز كانعكاس لكل ما سبقها، فتنطلق َ مُتشهية ً إباحية عند الغرب و مُتشهية ً كابتة ً عدائية عند الشرق.

ما زال البشر غير قادرين على الوصول إلى توازن الإنسانية الكامل، و هو توازن ٌ يُحتم عليهم أن يرتقوا فوق غرائزيتهم فيكون َ أساس ُ الفكر و التعامل هو الإنسان كشخص لا الإنسان كجنس (أو جندر). إن الحاجة َ لهذا التوازن تجد جذورها و أسباب انطلاقها من القفزة الأخلاقية و العلمية التي اتخذتها المجتمعات الحديثة منذ عصر النهضة كفكر و خلال المئة عام الأخيرة كتكنولوجيا، و أصفها بـ"التوازن" لا بـ "النمط" أو "الطريقة" لأن الناتج عنها هي معاملات ٌ يومية تخدم حاجات البشر الأساسية من تخاطب و تبادل التواصل و تصريف حاجات القبول و التفاعل و تحقيق الذات، و معاملات ٌ اقتصادية في مؤسسات حكومية و خاصة تستديم الاقتصاد الداخلي للدولة و العالمي للكوكب و الفردي البيتي، و كل ُّ السابق ِ أمور ٌ لا شأن لها بالجنس كممارسة أو الغريزة كحاجة.

إن وضع الغريزة في الأمام و تركيز الفِكر و التشريع و شكل الاختلاط و التواصل البشري و رسم نمط الحياة و العادات و التقاليد و القوانين المدنية و الاقتصاد عليها، و دوران الإنسان و النُظم المجتمعية حولها بالكامل هو كارثة بكل المقايس، لأن هذا التركيز يعني اعترافا ً صريحا ً بأوَّليتها و احتلالها لأعلى سُلَّم الأولويات و إعلاء لشأنها البدائي الحيواني فوق الخاصية الإنسانية للجنس البشري كافة ً و التي بها يختلف ُ عن المملكة الحيوانية، أي خاصية الوعي التميزي الإدراكي المقرون بحرية الخيار و وجود الإرادة، و هذا في حد ذاته خفض ٌ للإنسان نحو أسفل ِ المملكة الحيوانية لُيصبح تحت الحيوانات غير المُدركة، لأن المُدرك إن وضع نفسه على نفس المستوى مع غير المُدرك نزل بهذا الخيار إلى مستوى أسفل من غير المُدرك بدون إرادته، فإن خيار القبول بالمستوى السافل للواعي أشد ُّ وضاعة ً من المستوى السافل لغير الواعي. إنها صرخة الإنسان أنه ما زال حيوانا ً لم يرتقي بعد فوق حيوانيته إلا في مأكله و ملبسه و منامه و شكله، و أن العقل الذي أنار له طريق المأكل و المشرب و الملبس و المنام و زينة الشكل لم يُنر له طريق الإنسانية ِ في الفكر و تصور نوع العلاقة و كيفيتها و النظرة إليها و المعاملات التي تقود لها و تُكوِّنها و تنتج عنها.

على الرغم من اختلاف عالمي الشرق و الغرب في أنظمتهما الاقتصادية و المعيشية و نُظمهما الاجتماعية و منظومتي الأخلاق اللتين يتبنى كل ُّ طرف ٍ إحداهما، إلا أنهما يشتركان ِ في ذات التطرف المهووس بجسد المرأة، لكن كل طرف ٍ يُعبر عن هوسه ِ الشديد بطريقة مختلفة، فيمدان مع بعضهما خيط الهوس الجنسي على استقامته، حتى إذا انفرد َو احتل فضاء الوجود ِ على قدر حجمه التزم كل ُّ فريق ٍ طرفا ً منه، هذا على يمين الخط و ذاك على يساره، ثم نظرا إلى بعضهما و قد احتقر كل ٌّ منهما وضاعة الآخر و عيره بها، و قد نسيا أنهما على استقامة ِ خط الهوس الجنسي بالجسد نفسه، و أن ما يعيبانه على بعضهما هو أسلوب التعبير عن وجود هذا الهوس و عن قبوله، و أنهما يقبلانه بطواعية و يعتقدان أن أسلوب التعبير هو إما غُفران ٌ و مغفرة عن وجود الهوس دون أن يعني ذلك وجوب زواله، فقط وجود و غفران و استمرارية وجود و تكرار غفران، في حلقة لا تنتهي، أو شرعنة ٌ للوجود ما دام خاضعا ً لشكل التعبير الصحيح، و هذا باعتقادي هو الأرجح، على الرغم أن ثنائية الشرعية و الغفران تبرز حسب الموقف، فالهوس المضبوط هو شرعية للهوس، بينما التطرف في الهوس هو غفران للتطرف و عودة لشرعية الهوس، دون أن يخطر ببال الفريقين أن الهوس نفسه هو مرض لا يجب قبوله في أي حال أو السكوت عنه.

إن التطرف في المشرق و دونية المرأة في المجتمعات الشرقية تستمدان قوتهما من نظام الأسرة المعيشي و مصدره التمويلي، فعلى الأغلب تجلس النساء في البيوت بينما يذهب الرجال للعمل (إلا في المُدن الكُبرى)، و يستتبع هذا الشكل التمويلي خضوع المرأة لرؤية الرجل، و قبولها لخيارته و تقريره لشكل تفاعلها مع المجتمع خارج العائلة و شكل ملبسها و المسموح و الممنوع، حتى حينما يعني هذا فرض قيود ٌ لا معنى لها على زياراتها لوالديها و أشقائها و شقيقاتها و اختيار صديقاتها و جاراتها، و يبرز بوضوح ٍ شديد في البيئات الفقيرة و بين متوسطي التعليم و التجمعات السكانية التي يُعرف عنها التشدد الديني و التطرف العقائدي، و هناك و بكل وضوح ٍ و مأساة كارثية تجد المرأة ُ نفسها ملفوفة ً منذ الولادة بأيدولوجيات تمجيد الدونية و قبول المازوخية العقائدية و التلذذ بها و اعتبارها تكريما ً و تمجيدا ً بحرمانها من الناس و الحياة و اللباس و تغطية عقلها قبل رأسها ووجها، و إقناعها بأنها عورة و عيب و غلط و حرام و أنها بدون الرجل حارسا ً مشروع عاهرة لا شغل لها إلا فتنة الرجال و اصطيادهم و إيقاعهم في حبائلها و لو حتى عن غيرقصد فهكذا طبيعتها (كما يقولون لها) و هي لا تملك أن تخرج عن طبيعتها، فيبرز الرجال كحكماء و حراس و تبرز النساء كسفيهات و مشاريع عاهرات، في حين لا يعدو كل ذلك عن كونه هوسا ً بجسد المرأة من أشخاص ٍ يذوبون شوقا ً إلى هذه الجسد و يتقززون من نجاسة إثمه في ذات الوقت.

أما التطرف في المجتمعات الغربية فيُعبر عن هوسه بجسد المرأة بشكل ٍ أذكى لكنه لا يقل كارثية ً عن الشكل الشرقي، فبينما يقمع الشرقي المرأة و يشيطنها و يضرب على عقلها قبل رأسها النقاب، يمد ُّ الغرب الكف المبسوط و الذراع المحتضن لذلك الجسد و يرفع النقاب عن العقل و الملابس عن الجسد في أيدولوجية ٍ مُتطرفة ٍ قبيحة ٍ كقُبح الشرقية ِ تماما ً، حين يروج الرجل أيضا ً أن جسد المرأة ملك المرأة لا حق لأحد ٍ أن يتصرف فيه، و هي كلمة حق ٍّ يوظفونها توظيفا ً خبيثا ً، حيث يوفرون الشهرة و المال و الدعم و القبول و يشجعون النساء على تعرية الجسد و يتفننون في تصويره بكل الأوضاع مع إبراز الوجه السعيد و المُبتسم للعارضة أو الصلب المتشنج القوي للثائرة العارية، و لا أبرز مثالا ً من فتيات منظمة فيمين و اللواتي لا يجدن طريقة ً لإبراز رفضهن لشئ ما، أيِّ شئ، سوى تعرية الصدور و الهتاف بعبارات بسيطة و ساذجة لا عمق فيها، و عندما لا يعود الصدر العاري كافيا ً يجدن وسائل َ أكثر ابتذالا ً كما فعلن عندما وضعن صورة الرئيس الأوكراني فيكتور يانكوفيتش على الأرض ثم انحنت كل منهن القرفصاء و تبولت على صورته، بينما ركزت عدسات الكاميرات المحموله بأيدي رجال على الوجوه التي تقلصت عضلاتها و هي تتبول و خيوط البول التي سالت على وجه الرئيس الأوكراني أقصد صورته، ثم أدلت إحداهن َّ بتصريح أشبه ما يكون بكلام طفل ٍ صغير، ثم عادت كاميرات الرجال لتصور خيوط البول من جديد، في عملية كلها رجال ٌ في رجال ٍ لمصلحة ِ رجال سياسة ضد رجال سياسة بكميرات رجال إعلام يخدمون رجال سياسة، منفذوها "نساء".

لا نستطيع بأي حال ٍ من الأحوال أن نُنكر أن الحضارة الغربية تعترف بالإنسان في تشريعها كإنسان و تعطيه كل الحقوق الإنسانية و لا تسمح بالتفرقة حسب الجنس (الجندر) أو الأصل الإثني أو اللون أو الدين، لكن ممارسات المجتمعات الغربية ما زالت ممارسات مهووسة بجسد المرأة، و يبرز ذلك الهوس في الملابس بشكل ٍ واضح حيث أن ملابس النساء دائما ً تكشف أكثر من ملابس الرجال و بطريقة يُستنتج منها أنها مقصودة، فالشرقي يريد أن يغطي المرأة، و الغربي يريد أن يكشف المرأة، و المرأة تريد ما يريده الشرقي فتتغطى و تريد ما يريده الغربي فتكشف، و في الحالتين ما يريده الرجل هو الموجود و المُتحقق، مع فارق التشريعات و القوانين الشرقية عن الغربية و نظرة المجتمع.

تعي النساء هذا الوضع، فتجد ناشطات ٍ في الشرق يدعون إلى تغير القوانين و التشريعات لصالح كرامة المرأة و احترام إنسانيتها و حقها في الخيار و تغير النظرة المجتمعية إليها، كما تجد نشاطات ٍ في الغرب يرفضن الابتذال و الترويج للإباحية و من هذه المنظمات النسوية تلك المعروفة باسم "Ni Putes Ni Soumises" و معناها "لا عاهرات و لا مماسح أرض" أي لا نريد أن يتم استعبادنا و تغطيتنا و دوسنا بالأقدام و لا أن نكون عاهرات نتعرى.

أؤمن بالإنسان، و بنشر الوعي طريقا ً إليه، و إلى الإرتقاء بإنسانيته لمستوى وجودي أعلى، نتحرر فيه من غرائزنا و حيوانيتنا، و أعلم أن الطريق طويل و شاق و صعب، لكن شلال الماء حين يضرب الصخر أسفلـَـه لعشرات السنين و لمئاتها و آلافها و حينما يكتسب الماء زخما ً مع كل رافد ٍ جديد، فإن الصخرة َ توسع ُ طريقا ً للجريان، نحو الحرية، نحو الحب،،،،،

،،،، نحو الإنسان!