في مديح الظل المُتواري .



قاسم حسن محاجنة
2014 / 2 / 21

في مديح الظل المُتواري .
"جسد ٌ لأضراب الظلال
وعليك أن تمشي بلا طر ُق ٍ
وراء ٌ ، أو أماما ً ، أو جنوبا ً أو شمال
وتحرّك الخطوات بالميزان
حين يشــاء من وهبوك قيدك
ليزينوك ويأخذوك إلى المعارض كي يرى الزوار مجدك".
مقطع من رائعة محمود درويش "مديح الظل العالي " ..إنه نفس القيد ، ونفس المصير بين الفلسطيني وبين المرأة العربية ، وخصوصا الفتاة التي تنظر الى الأمام "المُستقبل " فلا ترى سوى القيود التي وهبها إياها الذكور ، ولكن ..
كم من الوقت ،يستطيع هؤلاء "الذكور "، أخذ البنت الى المعارض الزائفة ، والحديث عن المجد الزائف الذي وهبوها إياه ؟؟ الى متى حقا ؟؟
وتتململ البنت لتُحرر نفسها من "القفص الذهبي " ، والذي ليس إلا قفصا من حديد ، يمنعها من الحركة،
وتُحاول رغم تكبيلها بالقيود أن تُحقق "حيزا " صغيرا لتتحرك فيه ، تُحارب لكي تتعلم وتنضم الى الجامعة ، تُشبع ما بها من نهم للمعرفة والتطور ، مثلها مثل زميلاتها في المدينة القريبة ، وتنجح ، لأنها تُبرهن يوميا بأنها أقدر من الذكر وأكثر جلدا على الدراسة ، فيُضطر والدها الى "التنازل " عن بعض من جيناته الموروثة ، ويكتسب شجاعة ل "مُواجهة " ألسنة الثرثارين والمُغرضين ، النمامين ناشري الشائعات التي "تتحدث " بالسوء عن كل من تتجرأ على اختراق حدود الدائرة –القفص - ..!!
هكذا شعرت وأنا بين مجموعة من الجامعيات الفلسطينيات من اسرائيل ، في مبنى المُلحقية الثقافية الامريكية في تل –أبيب .
فقد توجهت الى هناك صحبة ابنتي التي تدرس العلاج بالفنون في الجامعة ، لإجراء مقابلة معها لترشحها للسفر في منحة دراسية قصيرة في الولايات المُتحدة ، لتأهيل كوادر قيادية في المُجتمع . وسرني كثيرا أن ألتقي بمجموعة من الجامعيات العربيات المُرشحات لهذه البعثة .
رأيت التصميم والمُثابرة ، الرغبة والارادة ، التشوق والترقب في عيونهن جميعا . جهزن أنفسهن سلفا بالمواضيع التي سيطرحنها أمام لجنة المُقابلة ، وكلها قضايا تهتم بالتغيير المُجتمعي .
- هل أنتن قائدات المستقبل ؟ قلت لهن ممازحا ، ضحكن وأجَبنَ بالإيجاب ، والابتسامة "المُتوترة " لا تفارق ثغورهن .
لقد كانت هؤلاء الصبايا خليطا من التركيبة الاجتماعية ، فمنهن من تلبس اللباس العصري ، ومنهن من غطت شعرها ، وكانت هناك من تلبس الجلباب والخمار ، جمعهن طموح واحد ، طموح باكتساب معلومات ومهارات تؤهلهن للمُشاركة في عملية التغيير المُجتمعي للأفضل ، تغيير يؤدي بالتالي الى تغيير "وضعهن " الاجتماعي ، وقد يُشجعهن على خوض غمار العمل السياسي الجماهيري ومساعدة زميلاتهن الاخريات في صراعهن من أجل كسر القيود !!
البنت تتوارى اليوم في الظل ، أو بالحري هناك ثقافة جمعية تُريد لها أن تتوارى عن الانظار ، لكن لا يُمكن أن تختفي الظلال الى الابد ، وخصوصا تحت أشعة الشمس في الظهيرة ..!!