صراع المرأة



محمد هشام فؤاد
2014 / 2 / 21

يري المفكر الفرنسي جيل ليبوفتسكي أن المرأة في كافة المجتمعات لديها ثلاث صور: المرأة الثالثة، والمرأة الثانية، والمرأة الأولي؛ فالمرأة الثالثة في وجهة نظره هي المرأة التي قد نالت حقوقها مُؤَخَراً وتحصل علي مزيدٍ من الحقوق مع تطور المجتمع وفكر ووعي افراده الذي يصنعه مؤسسات الدفاع عن حقوق المرأة والطفل ومثقفو ومفكرو ذاك المجتمع؛ فنري أن تلك المرأة قد خرجت من بيتها للعمل، وقد شاركها زوجها مهام المنزل وتربية الأطفال، وقد وصلت تلك المرأة إلي كافة المناصب الهامة والقيادية وتغلغلت داخل الجهاز التنفيذي للدولة إلي أن أصبحت رئيسة وزراء ورئيسة جمهورية وملكة كألمانيا وهولندا والفلبين والبرازيل والأرجنتين!

وهناك المرأة الثانية التي أخذت حقوقاً عدة ولكنها ما زالت تناضل في تلك المعركة الحامية الوطيس مع الرجال الذين يضعون قيوداً علي وصولها إلي بعض المناصب وأماكن القيادة وبالطبع سترتقي تلك المرأة إلي أن تصل إلي أعلي درجات السلم لتجلس إلي جانب المرأة الثالثة، وهناك المرأة الأولي التي لا يزال ينظر إليها المجتمع علي أنها سلعة تُباع وتُشْتَري، يري الرجال هذه المرأة صندوقاً يحفَظ فيه مَنِيَه حين الحاجة، ويري ذاك المجتمع أن شرف تلك المرأة فقط فيما يقع بين فخذيها؛ فهؤلاء ينظرون إلي المرأة كما يقول "ديزموند مورس" في كتابه "القرد العاري" –وقد أشارت المفكرة نوال السعداوي إلي ذاك الكاتب في كتابها "المرأة والجنس" فيقول: عرف التاريخ عهداً كانت أعضاء البنات التناسلية الخارجية تُغْلَق قبل الزواج بواسطة دبابيس معدنية أو بالحياكة بالإبرة والفتلة" وكتب ديزموند يصف رجلاً صنع في شفرتي امرأته الخارجيتين ثقبين أدخل فيهما قفلاً حديدياً يُغْلَق بالمفتاح بعد كل عملية جنسية كما يغلق دُكانه" وهكذا ينظر رجالنا إلي المرأة .. ولسنا في حاجة إلي تقييم مرأتنا طبقاً لتقسيم ليبوفتسكي!

فالمرأة في مجتمعنا تُولَد وسط أعباء كثيرة يفرضها عليها ما حولها من تسلط الآباء والأمهات من جهة ومن قيودٍ وعاداتٍ مجتمعية جافة من جهة أخري؛ فالمرأة تعرف في طفولتها الظلم وتري مدي ابتعاد أهلها عن العدل وذاك منذ الصغر، فلا تأخذ البنت فرصاً متوازنة في التعليم مع الولد، وإن كانت محظوظة وحصلت علي تلك الفرصة فتُقْتَل قدراتها الإبداعية ويقل تحصيلها الدراسي وتشعر بالثقل الذي تحمله علي كتفيها بسبب مهام المنزل التي تُفْرَض عليها دون الولد، فإلي جانب التحصيل الدراسي تقوم بغسل الأطباق والمشاركة في ترتيب المنزل وأعمال النظافة، في وقتٍ يعرف فيه الولد عوالم أخري جديدة خارج المنزل؛ فيعرف اللهو واللعب في الشارع مع أصحابه، ويذهب إلي السينما ويعود إلي المنزل في ساعة متأخرة من الليل أما المرأة فتقبع داخل المنزل كالشمعدان الذي يوضع فوق الأثاث ولا يتحرك من مكانه.

فتنظر المرأة إلي الظلم الواقع عليها في طفولتها إلي أن تلتحق بالجامعة –إن سمح لها أهلها بتلك الفرصة- وتنتظر نصييبها في الزواج؛ لعله هذا الزوج يرد لها كرامتها وينظر إليها بخلاف ما ينظر إليها أبويها وأفراد مجتمعها! بالإضافة إلي أنها تري أن ما تقوم به من أعباء ومهام منزلية فقط في بيت زوجها هو أول الطرق لكي تكون زوجة مثالية! فتظل ثقافة النظافة وترتيب المنزل تحمل أثراً سلبياً علي شخصيتها الضعيفة المكبوتة؛ فلا تري لنفسها نجاحاً أو إنجازاً خراج المنزل وبيت زوجها عله يرضي عنها وتظفر بما لم تنله في بيت آبائها!

وتتعجب المرأة: كيف تُتْرَك حرية اختيار الزوجة للرجل دون أن تحصل المرأة علي نفس الحق في اختيار زوجها وحرية رفضه أو قبوله؟! فالرجل يقوم باختيار مواصفات زوجته، ومستوي تعليمها وثقافتها إن كانت تهمه تلك الأشياء! ويحدد مميزاتها ويتحدث عن عيوب هذه وتلك دون تكلفٍ من الأم أو الأب أو تزمتٍ أو نهره علي مغالاته في تلك المرأة التي يتشرط لها صفاتٍ لتقاسمه حياته القادمة! ومع ذلك الصراع الذي تعانيه المرأة منذ نعومة أظافرها فلا تري مفراً أمام الهروب من تلك الثقافة؛ ولا تستطيع التمرد علي ذاك الوضع؛ لأنها كائن ضعيفٍ كما يقولون! المرأة دائماً في حاجة إلي أسقف شقة تأويها إلي جانب ظل رجل!

ومع هذا الاختلاف في نظرة كل جنس إلي الجنس الآخر أي الزوج والزوجة، نري أن الزوج بالنسبة للمرأة هو كل شئ في حياتها؛ فتُجْبَر علي الغضب لغضبه حتي ولو كان لديها ما يفرحها، وتقر نفسها لفرحه، حتي ولو شعرت بضيقٍ وكمدٍ وحزنٍ لشئ ما. أليست زوجته؟! فتصبح ما تقوم به من أفعال ومهام داخل المنزل فقط لإرضاءه، ومن أجل كلماتٍ قلائل يظهر بها عن امتنانه لها أمام آباءه عندما يأتون لزيارتهم! أما الرجل فحياته ما هي إلا تتابعٌ مستمر لما تربي عليه واعتاد عليه، فلا يوجد رجل في مجتمعنا حياته كلها قائمة ومتوقفة علي زوجته؛ فالعمل بالنسبة إليه متنفسٌ يبتعد به عن ضجيج وروتين المنزل، فهي فرصة لمقابلة وجوه جددية بالإضافة إلي الوجوه التي اعتاد وجودها كل يومٍ ويبث إليها شكواه وحديثه والرجل لا ينتهي من العمل إلا وتراه يجلس بالساعات مع أصدقائه علي المقاهي يتجاذبون أطراف الحديث ويتسامرون ويضحكون دون أي تفكير فيمن ينتظرهم في المنزل يعاني وحدةً وبؤساً وشقاءاً، ومن هنا يحدث صداماً دائماً بين الزوج والزوجة بسبب طبيعتهما المهترأة التي جُبِلوا عليها نتيجة قيودٍ مجتمعية وأعراف لا تعترف إلا بسلطة وقوة ونفوذ وهيبة الرجل!

ونجد أن الرجل الذي لا يريد أن يمسك بالخيط والإبرة ليخِط قميصه هو أفضل الترزية في السوق الذي يعمل به! وتراه أفضل الطهاه والطباخين في المطعم الذي يعمل به ولكنه لا يزور مطبخ المنزل إلا في المناسبات! ولذا فنري أن معظم الترزية والخياطين رجال، ومحلات الكوافير يديرها الرجال، والمطاعم والكافيهات التي تقدم المأكولات والمشروبات يديرها رجال ومعظم عمالها أيضاً من الرجال، وهو ما يثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن الرجل قد يقوم بالمهام التي يظن –حسب ثقافة مجتمعه التي تربي عليها- أنها تُناط فقط بالمرأة!

فالمرأة في بيت أهلها مكبوتة ومُهانة وفي بيت زوجها خادمة وذليلة، وإن قد حدث ومات زوجها لا يرتضي لها المجتمع والعائلة المعيشة بمفردها كالرجال الذين ماتت زوجاتهم أو يصارعون العزوبية؛ فالمرأة في نظرهم طيرٌ جريح بلا أجنحة، فلابد وأن تستظل وقتها بظل الأخوة ورجال العائلة لتقاسي مرة أخرة ما كانت تعانيه وتشكو منه، فالمرأة لا تُترَك لا تعمل ولا تواجه الحياة بمفردها؛ ولذا فالمرأة هذه التي لا تعمل ولم تنل قسطاً مناسباً من التعليم لا تستطيع إتخاذ قراراتها المصيرية والتي تتعلق بحياتها الشخصية، فالآخرون لهم هذه السلطة ومُخَوَلٌ لهم باسم أعراف المجتمع ذاك الحق!

ونجد أن الفهم الخاطئ للأديان السماوية -ولحقيقة واضحة مفادها أن المصلحة قائمة علي أن يتغير فهم وتأويل النصوص حسب دوران عجلة المجتمع والحياة- قد أورثت الإنسان خيطاً ناظماً لعلاقته بالمرأة الأجنبية –حسب تعبير رسل ومنظرو تلك الأديان- فتري اليهودية أن المرأة "حواء" أكلت من الشجرة المحرمة "شجرة المعرفة" فعرفت أنها عارية، ورأت عورتها وعورة زوجها آدم فأوقعت ورائها كل أبنائها وبناتها؛ فآدم هو صاحب الفضيلة والمرأة هي التي تتصف بالجهل وهي سبب معاناة البشر! وجاء في الإنجيل أن من نظر إلي المرأة فهو زان! وفي الإسلام يقول الرسول "ص" النظرة الأولي لك والثانية عليك! ورغم تطور فكرة الإنسانية بعد قرونٍ من نزول هذه الأديان إلا أن أفكار خطيئة المرأة وخفة عقل النساء وعدم استطاعتهم إحداث التوازن دائماً بين عقولهم وعواطفهم إلا بمساعدة الرجل لا تزال عالقة في الرؤوس ومستقرة في وجدان الرجال! فالخطأ في نظر تلك المجتمعات لابد وأن يكون وراءه امرأة ومن هنا، تضيع قيم المساواة وتكافؤ الفرص بين الجنسين! وقد تتحول المرأة لدينا إلي مرتبة المرأة الثانية أو الثالثة ليس فقط عندما تحصل علي كافة حقوقها وتتغير نظرة المجتمع إليها وإنما عندما يشاركها الرجل في معركتها الدائمة ضد ذلك النظام الرجولي الأبوي العبودي!