في نفي دونية المرأة – التكاثر الجنسي كخيار الطبيعة



نضال الربضي
2014 / 2 / 22

يجلس نوعنا البشري Homo Sapiens على أعلى هرم الكائنات الحية الموجودة على كوكب الأرض، و نتشارك مع كل الكائنات التي تنتمي إلى المجال Domain المعروف باسم يوكاريا (حقيقات النوى( Eukarya، في سلف ٍ مشترك كان عبارة ً عن "خلية واحدة" تحتوي بداخلها على نواة فيها مادتها الورائية محمية ً بغشاء، و على مكونات أخرى، يُغلفهم كلهم جدار خلية.

تقدم الآراء العلمية تواريخ مختلفة لظهور خلية اليوكاريا لكننا نعلم يقينا ً أنها كانت موجودة قبل مليار و مئتي مليون عام و لا خلاف على ذلك، فقد حفظ لنا السجل الأُحفوري أدلة ً أنه في ذلك الزمان بدأت خلية اليوكاريا بعملية التكاثر الجنسي، و هو التكاثر الذي فيه نحصل على كائن ٍ جديد من اتحاد المادة الوراثية لكائنين من نفس النوع متميزين إلى ذكر و أنثى. ينبغي أن نوضح أن مفهوم الذكر و الأنثى هنا لا يعبر عن رجل و أمرأة أو حيوان ذكر و حيوان أنثى، فقبل مليار و مئتي مليون عام لم يكن هناك كائنات معقدة بعد. ظهرت الكائنات البسيطة قبل ستمئة مليون عام فقط، و لذلك فنحن نتحدث عن خلية أنثى و خلية ذكر و ولادة خلية جديدة.

قبل التكاثر الجنسي كانت الطبيعة تعتمد على التكائر اللاجنسي، و الذي هو عبارة عن كائن – نتكلم هنا أيضا ً عن خلية – ينسخ نفسه، فينتج كائن جديد بنفس المواصفات تماما ً، و يضمن هذا مرور الصفات الجيدة إلى الكائن الجديد، مثلما يعني بالضبط وراثة الصفات غير الجيدة و الطفرات الجينية السلبية. كما و يتميز التكاثر اللاجنسي بخاصية مهمه جدا ً و هي إنتاج كائنات بأعداد كبيرة بطريقة الضرب المتكرر (أو الرفع أو القوة أو الأُس) Exponential Multiplication، فكل كائن يُنتج كائنا ً مثله، و بهذا إذا بدأنا بخلية تكاثرت لا جنسيا ً فإن الجيل الثاني سيحتوي على خليتين، و الجيل الثالث على أربع، و الجيل الرابع على ثمان، و الجيل الخامس على ست عشرة، و هكذا، و لك أيها القارئ الكريم أن تحسب لوحدك على برنامج Excel لو شئت كم خلية ً سيكون لدينا في الجيل المئة، و حتى أسهل عليك التخيل فهو رقم يتكون من ثلاثين خانة ً.

يقودنا السابق إلى سؤال ٍ حتمي: إذا كان التكاثر اللاجنسي يضمن بقاء الكائن و استمراره و تزايد أعداده، و هو الهدف الأسمى لأي كائن، فلم التحوُّل إلى التكاثر الجنسي؟

للإجابة على هذا السؤال ينبغي أن ندرس الآلية التي يعمل بواسطتها التكاثر الجنسي، و هي وجود كائن لا يستطيع إعادة إنتاج نفسه و التكاثر إلا بوجود كائن من نفس نوعه يحمل مادة ً وراثية ً أخرى، فيقوم كل منهما بتقديم نصف عدد كروموسومات نوعهما للآخر، لتندمج مع بعضها، فينتج كائن جديد.

يبدو عند تحليل هذه العملية أنها عملية معقدة بالقياس إلى التكاثر اللاجنسي الأسهل و الذي ينسخ الكائن فيه نفسه بكل بساطة، و هذا صحيح. كما و يبدو أيضا ً أن التكاثر الجنسي سوف يقلل من عدد الأفراد الجُدد الناتجين عن التكاثر، و هذا أيضا ً صحيح. و يبدو أن هذا التكاثر الجنسي هو ضد قوانين الانتخاب الطبيعي الذي يهتم بالضرورة ببقاء الكائن، و هذا عزيزي القاري هو لب ُّ مقالنا المُبسَّط، حيث أن هذا الذي يبدو ضدا ً للانتخاب الطبيعي حسب التفكير البدئي هو في حقيقته عند التعمق فيه في صُلب تدعيم آلية الانتخاب الطبيعي و حفظ النوع.

حتى نفهم هذا الأمر فلنعد إلى التكاثر اللاجنسي، حيث يرث الجديد صفات القديم، و يكون هذا الأمر كارثيا ً عندما يكون القديم ُ مَعيبا ً لخلل ما في الجينات، خصوصا ً أن لا قدرة َ للتكاثر اللاجنسي على معرفة الخلل الجيني و إصلاحه، فتصبح المصيبة مصيبتين في الجيل الثاني، و المصيبات أربعا ً في الجيل الثالث، و الأربع ثمان ٍ في الجيل الرابع، و يتكرر الخطأ إلى أن يتغير بطفرة جينية أخرى ربما تُصلح و ربما تأتي بأسوأ، و لا سبيل إلى التوقف.

استجابت الطبيعة لحاجة الكائن إلى ضبط جودة الكائن الجديد، فكان تخصُّص النوع هو الحل، الذكر و الأنثى، كل ٌّ منهما ضابط ٌ للآخر، مُستفيد ٌ منه، فائد ٌ له، يتساويان في النوع الواحد، و إلَّا لاستحال الإندماج و لفشل التكاثر، و يقدمان لبعضهما المادة الوراثية، و يتم إصلاح الكثير من عيوب المادة الوراثية DNA أثناء عمليات انقسام الخلايا، و يُعطي كل منهما صفاته للآخر، و طفراته الوراثية للآخر، فإن كانت جيدة أخذها الكائن الجديد و نتج كائن ٌ أفضل يجمع صفتين حميدتين، و إن كانت سيئة من أحدهما خف أثرها حينما اختطلت بالحميدة من الآخر، و إن كانتا صفتين غير جيدتين نتج كائن ٌ غير قابل للاستمرار و نقل صفاته فينقرض.

وجدت الطبيعة طريقها نحو حفظ النوع بثنائية الذكر و الأنثى، الشريك و شريكته، الواحد و الواحدة، لينتج عن اتحادهما واحد ٌ جديد أو واحدة ٌ جديدة، و برز الخيار الجنسي في الذكر ليختار الأنثى، و في الأنثى لتختارالذكر، لخلق كائنات جديدة بحسب تنوع صفات الشريكين، لضمان بقاء النوع و إغنائه بذلك التنوع الذي يأتي من الذكر و الأنثى على حدٍّ سواء.

ترفض الطبيعة دونية الجندر بطبعها، فهذه الدونية لا تتناسب مع حقائق البيولوجيا و لا آلية اتحاد المادة الجينية و انقسامات الخلايا، و هي تتعارض بالأخص مع حاجة الإنسان الفطرية للاتحاد مع قرين ندِّي يملك نفس الطبيعة و يختار بنديه و تساوي أن يقبل هذا الاتحاد و يمضي به و يُنفذه و يقبل تبعاته و يبني عليها.

استطاعت المجتمعات الغربية في ثوراتها الفكرية أن تنسجم مع طبيعة نوعنا البشري و تدرك الخصائص المتميزة لكل جندر و تعترف له بها دون أن يعني تميز خصائص إي منهما و اختلافها عن الآخر أفضلية ً و دونية، لأن طبيعة العلاقة كما تحددها الطبيعة هي علاقة تكاملية قائمة على الشراكة البيولوجية و الاختيار الأخلاقي، بحسب مبدأي الرغبة و القبول.

تُساهم الأدلجة الدينية في تشويه ٍ إدراكي لطبيعتنا كما تكشفها علوم البيولوجيا و الأحافير و الأنثروبولجيا، إذا تقدم قناعات غير مستمدة من نتائج الدراسات على نوعنا لكن من عالم ٍ غيبي غير قابل للاختبار أو المعاينة أو القياس أو إعادة الإنتاج، ناهيك عن تعارضه السافر مع و المُتحدي للعقل و المنطق و الكشوفات.

أعتقد أن نوعنا يمر في هذا القرن الواحد و العشرين بمرحلة تحولية من الأدلجة الدينية نحو الأدلجة العلمية، حيث أن الاختراعات الحديثة و الكشوفات العلمية و التطور المُدهش في العلوم، جميعُها قد تم خلال المئة عام الأخيرة في شكله الذي نعرفه الآن، أي أن النزعات العلمية التي بدأت باكتساح كثير من المناطق التي سيطر عليها التفسير الديني قديما ً هي حديثة نسبيا ً لحداثة ظهور القوة العلمية و التي تتقدم بُسرعة شديدة تخبرنا بما لا يدع مجالا ً للشك أن مئات السنين القادمة – إن لم يدمر نوعنا نفسه بأسلحته- ستشهد انحسار الدين لصالح العلم بقسوة ٍ شديدة على الأول، لكن لمصلحة النوع و استجابة ً لطبيعته.

و من الآن و حتى يحصل هذا الأمر لا بد لنا من أن نؤمن بمساواة البشر جميعا ً في الجوهر الإنساني و الكرامة البشرية، و نرفض دون مساومة أي مبادئ تحط ُّ من شأن المرأة و امتلاكها لقرارها و حرية خيارها اقتناعا ً و ممارسة ً، و أن نرفع الوصاية عن الأنثى بعد أن نقبل َ صادقين مع أنفسنا أنها ليست أقل و لم تكن، و أننا نحن من رسمنا لها الإطار، و أنشأناها على قبول الوصاية و صُغنا ردود أفعالها و حددنا لها سقف الطموح و ألية الوصول إليه، و لم نسمح لها يوما ً أن تكون الأنثى بكمالها لأننا نخاف منها و من إمكانياتها و من تمردها على رغبتنا بامتلاكها و الاستمتاع بها.