قاضية بلا محرم؟



إلهام مانع
2014 / 2 / 26

المصيبة أني لم أستغرب!
لكننا نعود إلى الوراء في كل شيء. وما كان طبيعيا قبل اربع عقود أصبح محرماً في العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين.
فعلام الاستغراب إذن؟
كتب لي اليوم أخ صديق، يجمعنا إسم العائلة، وصداقة في الفكر والمبدأ.
قال لي أنه فوجئ اليوم في الفندق الذي يسكن فيه في صنعاء بضجة.
السبب؟
قاضية من عدن تشكو من أن الأمن يستدعيها.
لماذا؟
قالوا: "لأنها تسكن في فندق بدون محرم".
ردت: "أنا قاضية".
صمتوا.
فأصرت: "هل وردت شكوى بارتكابي لسلوك مشين؟".

جاء الرد الآن محرجاً: "لا. لا. لا. فقط القانون والنظام يقول إنه لا يحق لامرأة السكن بفندق بدون محرم".
أي قانون هذا؟
هي لم تقرأه. والدستور اليمني يقول لنا إننا متساوون أمام القانون. ثم يعرج بأننا الشقائق، فأطبق علينا بالمحرم.
فخرجت القاضية لاستخراج تصريح بالسكن في فندقٍ بدون محرم.
آه يا وطن.
هل استغربتِ عزيزتي القارئة؟ هل استغربتَ أيها العزيز القارئ؟
أنا لم أستغرب. لكني ككل مرة غضبت.
قاضية!
قاضية ياهوووو!
نقف لها إجلالا واحتراما، تفصل في نزاعاتنا، تصدر أحكاماً في قضايا تمس حياتنا، ونحن نحولها بقدرة قادرة إلى "قاصر"، "بضاعة متعة"، لا تتُرك وحدها، يجب أن يكون معها رجل، كي يحميها من "الذباب"، والذباب في الواقع ينخر عقولنا ورؤيتنا للمرأة. لا نقبل بها إنساناً مستقلاً كاملاً. لا. ناقصة. حتى وهي قاضية ننظر إليها كناقصة.
----
قلت لكما، عزيزتي القارئة، عزيزي القارئ، أني لم أستغرب.
وعلام الاستغراب؟
ذكرتني القصة بالموظف الذي أصر علي قبل سنوات عديدة أن القانون يطالبني بتغطية شعري في صورة جواز سفري اليمني. طلبت منه نسخة من القانون فأبتلع لسانه.
ذكرني برحلاتي التي اجريتها خلال دراستي الميدانية لكتابي عن المرأة والدولة المستبدة في السنوات بين 2006 و2008. لم أقلق وأنا في سوريا حينها رغم الاستبداد. دخلت الفندق وأنا أدري أن موضوع "المحرم" لن ينفر إلى وجهي فازعاً.
كان ذلك حينها.
وحينها غير اليوم.
في الكويت كان أستاذي الرائع الدكتور أحمد البغدادي هو من تولى الحجز لي، وعندما وصلت قدمتُ جواز سفري السويسري احتياطا.
وفي اليمن، كنت آمنة في صنعاء لدى أبي. كم أفتقدك.
وعندما تحولت إلى عدن فعلت ما فعلته في الكويت. قدمت جواز سفري السويسري.
وكي أكون أمينة معكما، كنت قلقة.
خفت أن اتحول وأنا الأستاذة الجامعية إلى قاصر، يخرج لي "المحرم" من بين الأدراج لأني أحمل الجنسية اليمنية.
وكنت مدركة أن جنسية وطني الثاني، سويسرا، ستحميني. شعري ليس أشقراً. لكن جواز السفر كفى.
اليس هذا محزناً؟
اليس هذا مخزياً؟
أوطاننا طاردة.
تهشنا كالبعوض.
تقول لنا أنتن قصر، غير كاملات، خلقتن من ضلع أعوج.
وتشدنا من شعورنا، تلجمنا بقيود قانونية، تعطي للولي الحق في أن يفعل في "بضاعته" ما يشاء.
واللعنة على من تصر على أنها عاقلة، بالغة، راشدة، مستقلة.
لو فعلت تموتُ حية. كالسيدة السعودية المحبوسة في منزل أخيها، التي تكاتبني هذه الأيام.
وهي تدري أنها حرة.
وهي تدري أنها حرة.
لم يكن الأمر غريباً إذا. أن يجر الأمن في صنعاء قاضية جاءت من عدن.
يقول لها "أين محرمك"؟ وترد عليه "انا قاضية"، فيصر "ولكن المحرم، أين هو؟".
والطامة فعلاً، أني لم أستغرب.