المرأة السورية وحقوقها والحرب



بدر الدين شنن
2014 / 2 / 27

تستحق المرأة السورية أن ’تقدم ، في يوم المرأة العالمي ، أنموذجاً للمرأة التي تدافع عن إنسانيتها .. ووجودها .. وأمومتها .. في مواجهة احتياجات الحياة الأساسية المادية والروحية ، وفي مواجهة مظالم المجتمع الذكوري .. عبر عهود تتلوها عهود .. وآخرها لعنة الحرب الظالمة المتواصلة على امتداد ثلاث سنوات وحتى اللحظة ، التي تقتل أبناءها .. وأعزاءها .. وتدمر وطنها ، وتفتك بمقومات حياتها ، وتلغي من حياتها كل ما يحميها من قيم العقلانية ، والحقوق ، والعدالة ، وتضع حقها المقدس في الحياة ، موضع ارتهان ، ومساومة ، ومصادرة ، وتخرجها من نطاق التداول السنوي الدوري ، في شؤون المرأة الحقوقية بعامة في الظروف العادية .

إن كل ما يطرح الآن ، في بلدان أخرى ، من مهام بخصوص انتقاص حقوق المرأة ، في وقائع دستورية وقانونية وغيرها ، ليس بوارد في اهتمام المرأة السورية الآن . فالدستور إن كان كاملاً أو ناقصاً في التعاطي مع حقوقها في وطنها ، قد تجاوزته .. سحقته .. حرب استباحت حقوق الوطن كله .. وحقوق الشعب كله . فعندما تتساقط وتنفجر القنابل .. وتنهمر زخات الرصاص .. تقتل رضيعاً أوفتاة من عائلتها .. وممن هم حولها .. أعزاء .. وأقرباء .. وأصدقاء .. وعندما لايبقى من بيتها الحاضن لعائلتها .. وذكرياتها الحميمية .. وبصماتها .. جدار يحمل سقفاً يأويها .. فهي لاتبحث عن الدستور ونواقصه لتستكمله ليحميها ويأويها .. لأنها تعلم وتعيش كل ساعة .. كل لحظة .. أن لادستور يحكم ظروفها الكارثية سوى " دستور " الغاب والقوة والقتل العبثي الأعمى .. وليس بيدها .. سوى الصبر .. وتضميد الجراح .. وتأمين الرغيف لصغارها .. والتمسك بالرجاء .

لقد أعطاها الدستور السوري ، في إصداراته المتوالية ، في مختلف العهود مابعد الاستقلال ، أعطاها الحق في المساواة مع الرجل ، لكنه ـ عدا دستور الجمهورية العربية المتحدة 1958 / 1961 ـ أخذ منها في تكريسه دين الدولة الإسلام ، والشريعة الإسلامية مصدر التشريع ، أخذ منها حق المساواة في رباط الزوجية ، وأخضعها لعالم تعدد الزوجات العبودي ، وحرمها من نصف حقها في الإرث ، وأبقاها رازحة تحت كابوس الموروث الأخلاقي والقيمي المفوت ، الناتج عن الميز الذكوري الفاقد لاعتباره إنسانياً وحضارياً . لكن الدستور السوري كان يحتوي على قدر مناسب ، للظروف المتاحة ، من حقوق للمرأة ، لاسيما في التعليم والمساواة في العمل والأجر مع الرجل ، وفي فرص تبوأ مستويات وظيفية عليا . أما " دستور الغاب الإمبريالي الإرهابي الهمجي " الذي ينفذ عدوانيته اللصوصية ، تحت عناوين " إنسانية " براقة ، ويمارس في آن ، أرذل وأشرس أنواع الحروب ، والنهب ، واستباحة حياة الإنسان وثرواته ، بمفاعيل شبه بشرية ، ومعدات إبادة جماعية ، فقد جردها من دستورها الناقص ، ومن أية قيم دستورية وقانونية . وآخر ابتكاراته استخدام جماعات تلبس عباءة الدين .. وتقتل وتدمر بكل توحش .

في هذا الجحيم المتوحش ، تحولت المرأة السورية وأطفالها .. إلى دروع بشرية في المواقع المختطفة والمحاصرة الأكثر تهديداً بالموت .. وتحولت إلى سبية .. عبدة .. مستباحة لمن يضع يده عليها أولاً من " المجاهدين " .. و’خدعت كثيرات بفتاوى وهمية في منتهى النفاق والتخلف .. لتمارس الدعارة باسم " جهاد النكاح " .. حيث يعقد مجاهد على" جهادية نكاحية " مساء ويطلقها صباحاً .. ليأت مجاهد آخرليارس ما قام به من سبقه .. ثم آخر .. وآخر ..
وفي هذا الجحيم المتوحش .. حرمت عشرات آلاف النساء السوريات من أزواجن .. لاأحد يذكر عدد الأرامل .. وعدد الأيتام في سوريا .

وفي هذا الجحيم المتوحش .. حرم مئات الآلاف من أبناء المرأة السورية من التعليم .. بتدمير واحتلال مدارسهم .. وتهجيرهم . وفقدوا مشاعر وأمنيات الطفولة البريئة .

وفي هذا الجحيم المتوحش .. ’وضعت المرأة السورية أمام احتمالات فظيعة .. بشعة .. موزعة بين الموت .. والدمار .. والاغتصاب .. وإن ساعدتها الصدفة وتمكنت من اختراق هذه الاحتمالات .. تلملم أولادها وصرر زادها ومتاعها الهزيل .. وترحل إلى خيمة خارج الحدود .. أو إلى غرفة مشتركة مع أمثالها المشردين .. في مكان ما خارج مدينتها .. أو قريتها .. وتفرش حضنها .. وجناحيها .. لتدفيء صغارها .. ولتدفع عنهم ذل التشرد وخوف المجهول .. ولتذرع في وعيهم الطفولي المهزوز حق الحياة .. والتمسك بالحياة .. واعدة إياهم .. من خلال حنوها .. وصبرها .. وإصراها .. بغد آمن ليس فيه وحوش ولصوص وقتلة .

وفي يوم المرأة العالمي ، تستدعي حالة المرأة السورية المأساوية الراهنة ، أن تتوجه جهود المرأة العربية والدولية النبيلة ، الداعمة بصدق لحقوق المرأة ، لإنقاذ المرأة السورية وأطفالها ووطنها من أتون الحرب الإرهابية الإمبريالية القذرة .. ولمساعدتها في التحرر من غزو الوحوش المسلحة بالخرافة والبطش والتطرف ، وجنون السلطة الدموية المتعصبة .

إن المرأة السورية تصارع الآن ، لتسترد حق وجودها الإنساني على أرض وطنها .. في مدينتها ,,وقريتها .. وبيتها . وتصارع لحفظ كرامتها .. وحق الحياة لأبنائها .. وأعزائها .. وشعبها .

إن أعظم .. وأنبل .. موقف في يوم المرأة العالمي هو، أن تقول نساء البلدان العربية والعالم .. لا للحرب القذرة في سوريا .. لا للمزيد من القتل والدمار في عالم المرأة السورية .

أيتها الأم .. والأخت .. والزوجة .. والابنة .. والحبيبة .. العاملة .. والفلاحة .. والموظفة .. والطالبة .. أيتها المرأة السورية الصامدة البطلة .. أمامك ننحني احتراماً لصبرك .. وشجاعتك .. واحتضانك الطفولة والوطن في أسوأ وأصعب المحن .. ولاحتفاظك بمفاتيح الثقة ببقاء سوريا .. شعباً واحداً .. ووطناً واحدا.. وبغد تنعم فيه كل ربوعها .. وكل شعبها .. بالأمان .. والاستقرار .. والحرية .


6