السيدة و الخادمة



طوني سماحة
2014 / 3 / 1

السيدة و الخادمة

لم يكن هذا اليوم كمثله من سائر الأيام. كانت العائلة مجتمعة منذ الصباح و ما أن طرق الباب حتى هرع الجميع ليفتحوه.
كان الزائر المنتظَر فتاة داكنة البشرة و دون العشرين من العمر. عرّف عنها السمسار بأنها الخادمة الجديدة ثم تقاضى أجره و انصرف. تقدّمت منها ربة البيت، السيدة سليمة، ثم تأملتها مليا و عرّفتها بنفسها. سألتها عن اسمها فأجابت بلكنة ثقيلة "سامنثا". و بعد ان تعذّر استكمال الحديث نظرا لعدم معرفة الخادمة باللغة العربية، أشارت إليها سليمة كي تتبعها ثم أدخلتها الى غرفتها.
كانت غرفة سامنتا كناية عن مترين طولا و مترا و نصف عرضا و قد تم استحداثها تحت الدرج المؤدي الى الطابق الاعلى. كانت شديدة الظلام و غير مهيأة تماما للسكن باستثناء سرير صغير و خزانة متواضعة بالإضافة لمرحاض تم استحداثه كيلا تشارك هذه الفتاة أهل البيت بحمّامهم.
ما أن وضعت سامنثا حقيبتها في غرفتها حتى اقتادتها سليمة الى الغرفة الرئيسية و عرفتها على سائر أفراد العائلة: السيد سليمان رب العائلة و العقيد في الأمن العام، و الطفلين وديع و سهام ذوي السبع و الثماني سنوات. قال لها سليمان أهلا و استمر بقراءة جريدته فيما كان في الوقت ذاته يلاحقها بطرف عينيه. أما الطفلين فلبثا في مكانيهما لا يتحركان.
مضى كل شيء على ما يرام خلال الاشهر الاولى. فلقد اعتاد وديع و سهام سريعا على خادمتهم الجديدة التي كانت تتحمل تصرفاتهم الثقيلة أكثر من الكلب الاليف الذي يحيا معهم في البيت. و مع مرور الزمن تحسنت لغة سامنثا العربية كما ازدادت حجم مسؤولياتها في البيت. فكانت تستيقظ يوميا مع بزوغ الفجر، تحضر القهوة لسيدها و سيدتها، ثم توقظ الاطفال ليتحضروا للذهاب الى المدرسة، فتضع لهم الفطور ثم تساعدهم على غسل وجوههم و تنظيف اسنانهم. و بعد ذلك ترافقهم الى الشارع حيث يستقلون الحافلة المدرسية. و ما ان تعود للبيت، حتى تهتم بإفطار سيديها.
ما أن يغادر سليمان و سليمة البيت الى عملهما حتى تتناول سامنثا الفطور الذي تحدده لها سيدتها ثم تأخذ بتنظيف المنزل و جلي الصحون و عند الظهر تبدأ بتحضير الطعام من تقطيع الخضار و اللحوم. عند الساعة الثانية بعد الظهر تعود سليمة الى البيت فتباشر بطهو الطعام فيما تنزل سامنثا الى الشارع لانتظار الاطفال بعد عودتهم من المدرسة. و ما أن يعود العقيد الى البيت حوالي الرابعة بعد الظهر حتى تكون طاولة الطعام جاهزة. يأكل أفراد العائلة فيما سامنثا وقوف حولهم تهتم بتأمين طلباتهم. عندما ينصرف الجميع لطلب بعض الراحة في غرفهم، تجلس الخادمة على الطاولة الصغيرة المخصصة لها و تأكل كمية الطعام المخصصة لها، ثم تقوم لجلي الصحون و ترتيب المطبخ.
بعد فترة الراحة تقتاد سامنثا الطفلين الى الحديقة ليلعبا فيما العقيد يستمع لنشرات الاخبار و المدام تتابع برامجها المفضلة على شاشة التلفاز. و لدى عودتها مع الاطفال الى البيت تأخذ سامنتا ما يقارب ساعة من الراحة، ثم تستعد بعدها لتحضير وجبة عشاء خفيفة. يأكل الجميع ثم تهتم الخادمة بتنظيف المطبخ قبل ان تصطحب الطفلين للنوم. عندها تلبي احتياجات سيديها و ما ان تقارب الساعة العاشرة حتى تخلد للنوم.
مضى ما يقارب العام على وجود سامنثا في خدمة هذه العائلة. كانت احتياجات العائلة في ازدياد مستمر و معها زادت تطلبات سليمة من خادمتها فيما الراتب استمر على حاله لا يزيد عن ثلاثمائة دولارا. بدأت سامنثا بالتململ و معها ازدادت وتيرة التشنج في البيت. فالخادمة اخذت تشكو من ازدياد المهمات الملقاة على عاتقها فيما ربة البيت اخذت تشكو من اهمال خادمتها المتزايد. ابتدأت الشتائم تنهال من قبل السيدة لتصطدم بوجه الخادمة الساخط و أجوبتها القاسية التي لم تكن لترتقي الى مستوى الشتائم. تطور الخلاف حتى وصل الى حد كيل الصفعات التي كانت تقاوم بعناد و وقاحة.
أصرت سليمة على التخلص من الخادمة الوقحة، لكنها كانت تقابل بموقف ليّن من قبل زوجها الذي كان يحاول تهدأة الأمور. كان سليم يبرر موقفه اللين محاولا إقناع زوجته بأن استبدال الخادمة سوف يكون مكلّفا إذ عليهم المباشرة بمعاملات جديدة. و في الوقت ذاته، كان العقيد يظهر وجها انسانيا يحث من خلاله زوجته بوجوب الشعور مع هذه الفتاة البعيدة عن أهلها و أرضها و التي تعاني من قساوة الغربة. كانت سليمة تستغرب ميول زوجها الانسانية المستحدثة و هو الرجل العسكري القاسي، لكنها و في كل الاحوال كانت تخضع لارادته مرغمة.
مع مرور العام الثاني على استخدام سامنثا، كانت عنجهية سليمة تزداد و معها صارت آثار الكدمات تظهر على وجه هذه الفتاة الداكنة البشرة. و في المقابل كانت وقاحة سامنثا تزداد جرأة و إصرارا. و ذات يوم، و فيما كانت سليمة في عملها، أصيبت بصداع شديد لم تستطع احتماله، فطلبت إجازة من رئيسها و عادت الى بيتها، و هنا كان المفاجأة الكبيرة، فلقد وجدت زوجها نائما على سريرها مع خادمتها. أصيبت سليمة بالجنون، ابتدأت بالصياح و الهيجان. فقدت أعصابها. حملت تمثالا كان على جانب السرير و ضربت به زوجها ثم توجهت الى المطبخ و أتت بسكين حاد و هجمت على خادمتها. حاول سليمان تهدأة الأمر. حاول تطويقها بذراعيه لمنعها من التهور و الحماقة لكنها، و مثل لبوة جريح، أفلتت منه و انقضت على سامنثا، فلم يكن ثمة منفذ أمام تلك الفتاة سوى أن ترمي بنفسها من الشباك لتتفادى طعنة السكين، فسقطت من الطابق الثالث و لفظت أنفاسها.
توقف المارة لدى مشاهدتهم سقوط هذه الفتاة على الارض و ما هي الا لحظات قليلة حتى تجمهر سكان الشارع بعد ان سرى الخبر كالنار في العشب و بالطبع كان الشرطة آخر الواصلين. تم نقل سامنثا بسيارة الاسعاف فيما عزا الجميع سبب الوفاة لاقدام الخادمة على الانتحار. لم يسأل أحد عن أسباب انتحارها عارية، فمنصب العقيد يحتم عدم إلقاء الأسئلة.
ماتت سامنتا، فلم يتأثر الأطفال كثيرا. ففي فهمهم أن الخادمات دون سائر الناس و رحيل واحدة منهن لن يؤثر فيهم أكثر من رحيل كلبهم الأليف. كذلك سيادة العقيد لم يتأثر كثيرا، فاللحظات الحميمة التي كان يمضيها مع خادمته سرا يستطيع ان يعوض عنها بأفلام الإباحة على النت أو ربما إن هو استقدم خادمة أخرى في المستقبل. لكن آثار التأثر بدت واضحة على السيدة سليمة، إذ كانت أحيانا تصاب بحالات من الهستيريا. كان يهيّأ إليها أحيانا أن سامنثا عادت لتنتقم منها، كما كانت أحيانا تحمل السكين و تركض هائجة الى السرير لتطعن به تلك الفتاة الداكنة التي كانت تعود أحيانا لتخاصمها أو لتنام على سريرها و لتسرق زوجها منها.