المرأة والحرية



صليبا جبرا طويل
2014 / 3 / 2

هل الحرية حق طبيعي؟ أم هي حق مكتسب؟
وهل الحرية نعمة يتمتع به أبناء البشرية عامة، أم هي تقتصر على فئة دون أخرى؟ أو بعبارة أخرى، هل هي احتكار الرجل وحده لا غير؟
ما هي الجنحة التي ترتكبها المرأة عندما تحاول إثبات مكانتها وإبراز شخصيتها والمطالبة بحريتها؟
وما العيب في مناداتها بالمساواة مع الرجل...؟
أطرح هذه الأسئلة في مستهل مقالتي هذه راجيا أن أوفق في إيجاد ردود صريحة، وشافية عليها، وان أحظى من القارئ العزيز بتحليل غير منحاز يتسم بالصدق والأمانة والموضوعية.

ليس من شك، أن المرأة تشكل نصف المجتمع أو يزيد على ذلك من الناحية الإحصائية، ولكن من الناحية الاجتماعية فهي تدور في دوامة مجتمع يطالبها بإلحاح، وبوعيد، وبتهديد، خاصة في عالمنا العربي، بأن تحافظ على نفسها وعلى شرف العائلة وتقاليدها ومكانتها... بمنطق أخر هي تعيش في غابة الرجال السياسيين، والدينين، والاجتماعين والاقتصاديين...الذين يحللون ويضعون الشرائع... بأسلوبهم الذكوري الخاص الذي يكسبهم القوة والسلطة فيحرمون المرأة منها ويبسطون سيطرتهم عليها. بصريح العبارة، هم يستمدون ذلك من التربية الاجتماعية، والدينية الخاطئة، والأسلوب البالي في هذه البيئة الاجتماعية التي ما زالت عالقة وسجينة في زمن بعيد عن هذا العصر ومتطلباته. كما وـن الثقافة التي حصل عليها الرجال، وما زالوا يحصلون عليها ما زالت ناقصة منقوصة كجسد بترت احد أعضاءه وأصبح مريضا مقعدا .

إننا نضرب هذه الحقيقة، والكثير مثلها عرض الحائط، لهذا نجعل من الفتاة في مجتمعنا كبش فداء لعيوبنا، ونقصنا، وفشلنا، وضحية لزلات لساننا، وطيش عقولنا، والتهاب مشاعرنا، وتعصبنا الأعمى. ليس بغرابة من مكان، أننا وفي بعض الأحيان نلجأ للتلويح بالسكين ليس حفاظا على عرضنا، وإنما انطلاقا من خوفنا على رجولتنا، وتسلطنا، مستغلين الشعار الزائف أن المرأة عقلها صغير.

ورغم كل هذا الاستغلال، والاعتقاد الخاطئ المرفوض طبيعيا، فقد نجحت أعداد لا بأس بها من النساء بالوصول إلى مراتب عليا، تدعو إلى التقدير والفخر في مجتمعنا العربي، هذه الظاهرة يجب أن تتحول إلى مثل يقتدي به، وشعار ترفعه كل امرأة، بأن من واجبها أن تكافح، وتناضل لكي تكتسب حقها الطبيعي... حقها في المساواة، والحرية. على المرأة أن تدرك أن الحرية لا تعطي، ولا تستجدى، بل تكتسب. فالحرية التي تعطى تكون ناقصة، ومزيفة يمكن خلعها، أما الحرية التي تكتسب حقيقة قائمة لا تزول. لأنها تفرز الإنسان الواقعي، وتطلعه واندفاعه نحو الأفضل والاسمى، وتؤكد كيانه ومكانته حاضرا ومستقبلا.

أتساءل هنا، كيف يمكن لمجتمع يعيش في القرن الحادي والعشرون أن يستمر بالمحافظة والتمسك بهذا النمط الحياتي...اقتبس قول ينتقده هشام شرابي، جاء فيه "تنتمي البنت إلى فئة مختلفة عن تلك التي ينتمي إليها الذكور. والواقع أن الأنثى يجري تميزها عن الذكر بصورة أساسية والذكر كسب للعائلة...هي عبء عليها. البنت منذ نعومة أظفارها تدفعها العائلة إلى الشعور بأنها غير ضرورية وغير مرغوب فيها، وتعلمها على قبول وضعها كأنثى...وهذا صحيحا في العائلات المحافظة أكثر من غيرها"... اعتقادا كهذا يعود بنا إلى جاهلية العرب، في حين أننا نعيش في القرن الحادي والعشرون ، نعيش في عصر يفرض علينا أن نتأقلم مع واقع ملموس بعيدا عن التعصب لقوانين ونظم بالية تدخلنا في دوامة يصطدم فيها الواقع المنطقي مع التصرف الغير مسؤول.

ليس المطلوب فيما أقول أن يتنازل الرجل عما يرتبط برجولته أو يقلل منه، وإنما أن يشارك ويساهم في تفعيل دوره لنهضة المرأة الاجتماعي في كافة مجالات الحياة شئنا أو أبينا، فان بصمة المرأة على مختلف مراحل الحياة حقيقة ساطعة لا غبار عليها، فهي الأم، والصديقة، والزوج، والابنة، أنها نصف الرجل المكمل له، وليس التابع له. لكنها في وضعها الحالي تعيش في زحمة من الأفكار، والصراعات، وأنانية الرجل، المطلوب منها شيء، وما تريده كي تنطلق شيئا أخر.

يحتم علينا الواجب أن نسعى بحزم، وإخلاص للمساواة بين الرجل والمرأة على حد سواء، إن مجتمعنا العربي في وضعه الراهن نصفه مشلول، والجزء الأكبر من نصفه المتبقي مشلول فكريا. الاعتبارات والقيم الإنسانية لا يمكن أن تقوم على الرجل منفردا، وإنما بالمشاركة الوجدانية للمرأة أيضا. فان أي محاولة لنا للنهوض بالمجتمع وبناء جيل المستقبل يجب أن يقوم على كاهل الرجل والمرأة، على أساس من التفاهم، والمساواة، والتعاون المتبادل.

وإذا تساءلنا، ما هي الجريمة التي ترتكبها المرأة إذا حاولت أن تبرز شخصيتها، وتثبت مكانتها؟ وما الخطأ في مناداتها بالحرية، والمساواة؟...الجواب: لا جنحة، ولا جريمة في ذلك. إنما ما تفعله هو
انتزاع حقها العادل ومطلبها الإنساني الذي لا جدال فيه...هي من لحم ودم، وعقل وفكر وإبداع وعطاء، أسوة بالرجل، وفي بعض المواقع، لا يتمكن حتى بعض فحول مجتمعنا من مجاراتها. ليس من العار أن تمارس الفتاة استقلاليتها، العار يقع على المجتمع المتخلف، الرجعي الذي تحكمه، وتقيده أفكار منبتها الجاهلية. على المجتمع فتح جميع الميادين السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، والدينية، والمهنية أمامها. بل من واجبنا كرجال أن نساعدها في تحقيق ذلك، لأن من العار فعلا أن يبقى مجتمعنا غير ناضج فكريا.

المناداة بمساواة المرأة بالرجل سيقوي من شخصيتها، ويعزز كرامتها الذاتية، ولن يعرض رجولة وأبوة ادم للذوبان والتلاشي. الرجل العاقل لا يمكن أن يفقد احترامه للمرأة، أو يكبح عواطفه نحوها استنادا إلى مجرد استقلالها أو مناداتها بالمساواة والحرية. بيد أن اندفاع المرأة لإبراز مواهبها، وقدراتها يجب أن لا يقترن بكبرياء أو تعالي أو طموح يتميز بالإسراف.

هنا بودي أن الفت الانتباه إلى أمر حساس فأقول: " أن فاقد الشيء لا يعطيه".... هذا ينطبق على قطاع واسع من شبابنا العربي الذي ما زال خاضعا لسلطة الأب، نراه يعاني من الإحباط، ويتعثر في تحقيق تطلعاته وأماله وطموحاته. ويشكل هذا لديه عقدة نفسية تزداد قوة مع مرور الزمن، وتزيد في نفسه مرارة الإحباط، فيجد في المرأة كبش فداء وهدفا سهلا ليطبق عليها الكبت والتسلط الذي عانى منهما. تجاهل الآباء لقدسية الحرية الفكرية لأبنائهم، آفة خطيرة يعاني منها مجتمعنا العربي، كما وتعد أسلوب أخر من أساليب العبودية المنبوذة، المستمرة من جيل إلى جيل.

في مجتمعنا، رأي يقول: " أن المرأة الصالحة هي التي تكرس نفسها لمطبخ زوجها، وأولادها فقط، وليس التي تكرس نفسها لعملها أيضا". في الشطر الأول من هذا القول تتجلى فكرة العبودية المطلقة، تدخل فيها الفتاة في قفص الزوجية مسلوبة الإرادة، ومشلولة القدرة، حيث أن الهدف الأول والأخير في هذه الحالة هو سعادة الزوج والعمل على راحته وإمتاعه لتكون بالتالي تابعة له، وجارية... أما الشطر الثاني منه فان الفتاة تدخل الحياة الزوجية بإرادتها المطلقة بقناعة صادقة وحرية تامة بدون أي إكراه أو تردد لتعيش مع، وفي أسرتها بسعادة وتفاهم، وتقدم للمجتمع جيلا أفضل لان: " ألام مدرسة...".

هناك فرق كبير بين الأصوات المتزايدة بمنح المرأة الحرية والمساواة، وبين تقدير هذه المطالب والتعامل معها بشكل صحيح. يتوجب على الفتاة أن تعي واجباتها وحقوقها كي لا تفوت الفرصة على كل محاولة لوضع العراقيل أمام وصولها إلى هدفها. لأن سماع صوت الرعد شيء، وسقوط المطر شيء أخر. ومتى اكتسبت الفتاة حريتها، من أولى واجباتها إلا تقف عاجزة عن التقدم، وإلا سقطت ضحية التردد، والحيرة، والإحباط.

إن مفهوم حرية، واستقلالية المرأة لا يعني، ولا يمكن تفسيره بحرية جنسية حسب ما يتخيله البعض، ويردده، ويسوقه لغاية في نفسه. قول كهذا يقطع الطريق أمام تقدمها، وكرامتها، وسمعتها، وإرادتها، وقدرتها، على العطاء. إن كانت فكرة اعتكاف المرأة، وانعزالها تقليدا، يترتب عليها رفضه بصورة قاطعة. فالعمل بالفكرة الموروثة بعودة المرأة إلى دور الحريم معضلة لا تشكل ولا يمكن أن تشكل أسلوبا للإصلاح الاجتماعي، أو العائلي بل تعطيل مقصود لكل محاولة إصلاح.

مطلب الفتاة بالحصول على حريتها، ثورة في حد ذاته على الجذور المتعفنة، والأفكار السمجة البالية، انه خطوة إصلاحية يشكل تكامل اجتماعيا يدل على تطور المجتمع فيه ما يكفل وضع حد للأنانية والتسلط وحالة الجمود والشلل في مجتمعنا، التي تستنزف قوانا الفكرية، وقيمنا الأخلاقية وتزيد الخطأ خطأ.

لا بد من الاعتراف إن الطريق لتحقيق الفتاة هدفها، ما زالت طويلة وشائكة، وما زالت هناك حاجة ماسة، وعملية شاقة لإقناع الرجل في مجتمعنا العربي، " أن لا حياة، ولا تغير ألا بواسطة الاحترام المتبادل بين الرجل والمرأة، واقتسام الحقوق والواجبات،لكي يتسنى مواكبة العصر وتطوره، والسير قدما بعجلة سريعة نحو المستقبل.

"ولد الناس جميعا أحرار متساويين في الكرامة والحقوق، وقد وهبوا عقلا، وضميرا، وعليهم أن يعامل بعضهم بعضا بروح الإخاء". هذا ما نص عليه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في بنده الأول.