لتقم حركة نسوية عربية تسقط الوثنية الذكورية



نبيل عودة
2014 / 3 / 7

لتقم حركة نسوية عربية تسقط الوثنية الذكورية
نبيل عودة
تحرير المرأة ومساواتها هو تحرير وحرية للرجل العربي ايضا الذي يتعرض منذ صغره لعملية تشويه اخﻼ-;-قية وجنسية وحقوقية ودينية تجعله اداة منفذة لفكر دونية المرأة
*****
تتواصل في قرننا الحادي والعشرين سيطرة عقليات وقوانين نستهجن وجودها حتى في عصر محاكم التفتيش من القرون الوسطى. ما زالت مجتمعاتنا تعامل المرأة بصفتها ما دون اﻻ-;-نسان .
استمعت قبل مدة الى شريط مسجل لأحد السلفيين يتحدث عن ثﻼ-;-ثة أصناف من النساء ، كأنه يتحدث عن أصناف الخضار وكيف يجب ضرب كل صنف ( من النساء طبعا) بشكل مختلف من أشكال الضرب. بعض هذه اﻷ-;-صناف صرخ : ” اﷲ-;- يكون بمساعدة زوجها ، تحتاج الى ضرب مبرح يوميا ليستقيم حالها” . طبعا لم يرف له جفن وهو يقرر اصناف النساء، كما يقرر اصناف الخراف وطعم لحومها المختلف...وعقله لا يتجاوز امتداد ما بين ساقيه من القيمة الوحيدة لرجولته!!
لا انتقد ما يجري في ظل انظمة دينية مغلقة ولكن ما يجري فيما تسمى "دول علمانية وممانعة للإستعمار ومقاومة للصهيونية” لا يختلف.
مثلا قراءة “الدستور ” السائد في النظام السوري “العلماني؟” يظهر مسائل بالغة الخطورة، المرأة هي ما دون الرجل، ﻻ-;- يحق لها ان تكون رئيسة لسوريا، الرئاسة للرجال “كاملي العقل والدين ”!!
هكذا يفقد العالم العربي عقوله النسائية الراقية المتعلمة التي تبشر بمستقبل. كان حلمنا من الربيع العربي وما زلنا على ثقة ان الربيع لم يغلق صفحاته بعد . ان من بدأ باسقاط انظمة استبدادية لن يقبل بعودة أي من أشكال الاستبداد. ان حرية الرجل لا يمكن ان تحترم وان تنجز على حساب حرية المرأة او بدون حرية المرأة.
ولا بد من سؤال ملح: هل نحن مجتمع مدني؟ هل نعيش المعاصرة التي تفرض نفسها ؟.. هل يمكن ان تبنى دولة تضمن حقوق المواطن وحريته مع استمرار اعتبار المرأة مهيج جنسي فقط؟!
هل من رقي علمي اجتماعي اقتصادي بمجتمع مشلول بنسبة 50% من قواه العاملة وعقوله المبدعة؟
المسؤولية هي مسؤولية نظام وأجهزة تربية وتعليم وبرامج تربوية وتثقيفية وقوانين تكفل حقوق اﻻ-;-نسان اﻷ-;-ولية من رجال ونساء. ان الوهم ان الرجل هو العاقل والمرأة هي بنصف عقل وجعل ذلك قانونا سائدا ، هذا ببساطة انتحار اجتماعي بطيء،تدمير لكل قيم المجتمع المدني الذي لا تنشا حضارة انسانية بدونه ومستوى تطور المجتمع المدني يقرر مستوى الحضارة التي ينجزها او اللا حضارة.
إن اضطهاد المرأة يقود المجتمع الى التفكك والى مزيد من التخلف والى استنزاف عقوله ، النسائية والذكورية، بالهجرة الى دول العالم المتحضرة والمتطورة والتي لا تسمح لمخبول ان يتحدث عن ضرب النساء لتأديبهن من أمثال طويل اللحية وقصير العقل .
أخلاقيات “الحقبة النفطية” وارتباطها باكثر فكر ديني متزمت، أعطت “مشروعية اقتصادية وفكرية” لما يجري، لكنها مشروعية مزورة ومؤقتة وتحمل في داخلها كتﻼ-;- من اﻻ-;-نفجارات اﻻ-;-جتماعية والسياسية كان الربيع العربي من نتائجها ، للأسف تبوأت الصدارة قوى من الاتجاه المعاكس ، لكن الغضب الذي فجر الربيع العربي سيتجدد وربما بعنف أكبر كما هي الحال في سوريا . إن تغطية هذه العقلية بالدين هو اهانة للدين الذي جاء لتحرير العقول ودفعها للعلم والتقدم الحضاري .
التمييز ضد النساء ليس ظاهرة سعودية أو عربية أو اسﻼ-;-مية .. انما ظاهرة تاريخية بدأت تتحرر منها البشرية منذ القرن الثامنعشر ، مع ظهور فجر الفلسفة النسوية في كتاب ماري فولستونكرافط “مصداقية حقوق النساء”، والذي كتبته معارضة للفيلسوف التنويري جان جاك روسو ، الذي رغم رؤيته التنويرية اﻻ-;- انه اقترح مدارس نسائية أدنى مستوى من مدارس الذكور.
اذن دونية المرأة كانت ضاربة عميقا في العقل اﻻ-;-نساني ..اما القفزة الكبرى، فكان في كتاب “الجنس الثاني” للفيلسوفة والكاتبة الفرنسية سيمون دي بوفوار حيث اعلنت ان النسوية هي مجرد قميص مجانين يفرضه الرجال على النساء وأن على النساء ان يتحررن من أجل انتاج صيغة عن ذاتهن: حول ماذا يعني ان تكوني أمرأة؟
الحركة النسوية التي أطلقتها بقوة سيمون دي بوفوار تعلن اليوم انه من الناحية الجنسية كلنا نساء ورجاﻻ-;- نولد متشابهين “مثل اللوح الناعم “، اما تعريف هويتنا فنحصل عليها بوقت متأخر أكثر بعد وﻻ-;-دتنا ، من المجتمع ومن أهلنا .
ان تعليم اﻷ-;-دوار للجنسين، الذكور واﻻ-;-ناث، صار اليوم في عالمنا العربي مهمة أكثر تعقيدا من السابق .
عندما نقارن الفكر النسوي وواقع المرأة اﻷ-;-وروبية، مع واقع المرأة الشرقية والعربية بالتحديد، نجد فجوة تتسع باستمرار وكأننا نتحدث عن سكان كوكبين مختلفين، او عالمين ﻻ-;- يجوز اقامة المقارنة بينهما. اﻷ-;-ول عالم بشري والثاني عالم يخاف حكامه اﻹ-;-لهيين من اﻻ-;-نضواء تحت الصيغة البشرية، لﻸ-;-سف نفي الصيغة البشرية ليس عن النساء فقط، انما عن المواطن الرجل أيضا الذي يتعرض منذ صغره لعملية تشويه اخﻼ-;-قية وجنسية وحقوقية ودينية وبالتالي نراه يصبح منفذا بلا وعي لفكر دونية المرأة.
هل اﻷ-;-دوار المعرفة التقليدية تتعلق فقط بالمبنى اﻻ-;-جتماعي الذي أوجده الرجال ( بصفتهم راس النظام) من أجل الحفاظ على سيطرتهم على النساء شكليا وفي الواقع على الرجال أيضا عبر تشويه اخﻼ-;-قياتهم الجنسية ونشر الوهم ان اﻷ-;-دوار قررت حسب نظام بيولوجي مصدره السماء؟
هذان السؤاﻻ-;-ن يشغﻼ-;-ن حتى اليوم الكثير من الفﻼ-;-سفة وعلماء النفس ، وأعرف انه في الغرب أيضا هناك من يصر على أن التركيبة البيولوجية مقررة في اﻷ-;-دوار ، أي اصرار واضح على دونية المرأة.
القصد في الفكر الغربي مختلف عما هو سائد في شرقنا العربي وهو انساني بمضمونه، بفهمه ان طبيعة المرأة أكثر انسانية من طبيعة الرجل وهذا يعطيها دورا اجتماعيا وسياسيا مختلفا وﻻ-;- يمكن ان يستبدل بدور الرجل . مثﻼ-;- ﻻ-;-عب كرة قدم لو واجه اشكالية بين ان ينقذ طفﻼ-;- او يمنع تسجيل هدف في مرمى فريقه يختار منع تسجيل الهدف .. المرأة بنفس الحالة تختار انقاذ الطفل .
ربما هذا ما قصده فرويد عندما قال ان ما يقرر باﻷ-;-دوار هو مبنى الجسم النسوي بقوله ان “اﻷ-;-نطوميا هي المصير”( اﻻ-;-نطوميا – علم التشريح ) موضحا ان مبنى جسم المرأة يحدد دورها في المجتمع ولكنه لم يشرح فكرته بتوسع .
يجب التمييز بين رؤية فرويد والرؤية القروسطية السائدة في الفكر الشرقي. فرويد لم يشرح قصده ، ولكن من نظرة الى مجتمعه ، نفهم انه كان يقصد ان هناك وظائف مﻼ-;-ئمة للمرأة أكثر مما هي مﻼ-;-ئمة للرجل والعكس صحيح. ومع كل رفض الحركة النسوية لهذه العقلية التمييزية ، يمكن الوصول الى حقوق انسانية متساوية ويبقى الخيار من حق المرأة فقط.

انتقد الفيلسوف اﻷ-;-مريكي توماس كاتكرت ، نظرية فرويد بقوله: هل يعني ذلك ان دور الرجال يحدد أيضا بيولوجيا؟ مثﻼ-;- ، هل مبنى أجسام الرجال يقرر لهم سلفا ان يستعملوا مقاييس بدائية في خيارهم للزوجة ؟
وروى الفيلسوف اﻷ-;-مريكي كاتكرت هذه القصة ليشرح بوضوح أكثر موقفه : ظهر اﷲ-;- ﻵ-;-دم وحواء في الجنة، وقال لهما انه توجد لديه هديتان ، هدية لكل واحد منهما وطلب منهما ان يقررا من يحصل على كل هدية، قال الهدية اﻷ-;-ولى هي القدرة على التبول بالوقوف. آدم صرخ أوﻻ-;- دون تفكير:التبول وانا واقف ، عظيم ، هذا مغري جدا ، انا اريد هذه الهدية. قال له الرب : حسنا هذه لك يا آدم ، اما انت يا حواء فتحصلين على الهدية الثانية، القدرة على الوصول الى المتعة الجنسية مرات كثيرة .
بيولوجيا من الرابح ؟
ان النتائج الملموسة لنضال الحركات النسوية اجتماعيا وسياسيا وقانونيا كثيرة، ليس فقط في حق التصويت وقوانين العمل التي تعطي المراة شروطا أفضل بحالة الحمل مثﻼ-;- ، والقوانين التي تتعامل مع اﻻ-;-عتداءات الجنسية وجرائم القتل بحجة الشرف.. انما وهذا اﻷ-;-هم ، جعل المرأة تحمل مسؤولية مجتمعها ليس أقل من الرجل وصارت قادرة على الوصول ﻷ-;-ي منصب في مجتمعها..
السؤال الذي يطرح نفسه بقوة: متى نشهد حركة نسوية عربية وﻻ-;- بد ان تكون علمانية ، تحطم أصنام الوثنية الفكرية في العالم العربي ؟

[email protected]