في الثامن من آذار: نحمي قيمنا الثورية ونمنع ابتذال النضال



عايدة توما سليمان
2014 / 3 / 8

الثامن من آذار يوم نضالي تخرج فيه المرأة معاناتها والتمييز ضدها في الحيز الخاص والعام الى النور وتواجه فيه آلة القمع الذكورية بجميع اشكالها المجتمعية، الشعبية والرسمية، واشكال التمييز العرقي والطبقي والجنسي لتحدث التغيير وتبني مجتمعا يصون العدالة الاجتماعية


يأتي الثامن من آذار ومعه تأتي في كل عام مقولات ممجوجة وتصريحات رنانة حول مكانة المرأة في المجتمع وكأن هذا اليوم النضالي وجد ليغسل خلاله المجتمع الذكوري ضميره من خطاياه تجاه النساء على مدار العام، وكأنه "يوم الغفران" وصيامه يمحو كل ما ارتكب من جرائم وانتهاك لانسانية المرأة على مدار العام ..
أطلقوا التصريحات في هذا اليوم وزعوا التعابير الجميلة واحتفوا بالمرأة بباقات ورد للمراضاة وبعروض مسرحية هزلية تقزم القضية، واستريحوا بعدها عاما كاملا من ضريبة الشفاه بل وعودوا الى ممارساتكم اليومية الصغيرة والكبيرة منها ولا تأبهوا بالصرخات المكتومة من آلاف النساء المعنفات خلف الابواب الموصدة، بحجة الامور الشخصية واحترام حرمات البيوت.. واعلنوا اشمئزازكم من دماء النساء المسفوكة قرابين على مذبح الرجولة الزائفة والتقاليد والعادات البائسة، واشيحوا بوجوهكم متناسين ان مع كل اشاعة تطلق ومع كل تصريح بأن النساء تجاوزن الحدود الاخلاقية وأن هذا الجيل فاسق وأن فلان لم ينجح في تربية ابنته، مع كل هذا يتعزز الفكر القامع وتزداد النزعة للبحث عن الضحية القادمة. استريحوا عاما كاملا من عناء التفكير والاجابة عن سؤال جوهري: لماذا يستمر الالاف من ابناء شعبنا باستغلال النساء العاملات في مصالحهم ولماذا تتداخل دوائر التمييز القومي العنصري وتتشابك مع التمييز الذكوري لافقار النساء؟ فليسترح مجتمعنا كله حين يصرخ قيادي فيه خلال العام بأن النساء لا يملكن القدرات الكافية لقيادة الجماهير، ليسترح المجتمع وليكفرّ عن ذلك في الثامن من آذار، فكل شيء مسموح، في هذا اليوم حتى أن يقوم من يصمت على جريمة القتل ومن يدعم قاتل المرأة ويقف الى جانبه، بالاحتفاء بالثامن من آذار فيصبح هذا اليوم منتهكا ومباحا لكل شوفيني وذكوري، امرأة كان أم رجلا..
عندما انطلقت العاملات في نيويورك قبل أكثر من مئة عام في مظاهرة للدفاع عن لقمة عيشهن ومن أجل تحسين شروط عملهن التي شابهت العبودية، لم تكن تلك بدايات الحراك النسوي تاريخيا، اذ سبقتها نضالات للكثير من النساء في العالم من أجل الاحتجاج على واقع يمارس القمع والتمييز ضدهن لكونهن نساء في شتى مجالات الحياة، ولكنها شكلت انعطافة هامة في النضال النسوي لسببين مركزيين: انه أخرج النضال من الملكية الفردية الى التنظم الجماهيري الفعال، والخروج الى الحيز العام مناضلات مستعدات لدفع الثمن كما فعلت العاملات يومها حين دفعت ثمن نضالها من دمائها. هذه هي قيم الثامن من آذار يوم نضالي تخرج فيه المرأة معاناتها والتمييز ضدها في الحيز الخاص والعام الى النور وتواجه فيه آلة القمع الذكورية بجميع اشكالها المجتمعية، الشعبية والرسمية، واشكال التمييز العرقي والطبقي والجنسي لتحدث التغيير وتبني مجتمعا يصون العدالة الاجتماعية.
ان محاولات سلب هذا اليوم مفاهيمه وتحويله الى مشاهد مبتذلة من الاحتفالات الخالية من المضمون ومن القيم الثورية اساءة الى النضالات العنيدة التي خاضتها نساء العالم الحر والنساء الفلسطينيات تحديدا. ان يصبح بامكان من ناصر قاتل امرأة ودعمه وآزره، وسكت سنوات على العنف الذي مارسه أمام أعينه ان يعتلي منصة يوم المرأة وان يخطب في النساء عن حقوقهن وعن مساهماتهن في المجتمع مهزلة بائسة. وان يتاجر البعض بالمقولات التي تدعي ان في الثامن من آذار حط من قيمة المرأة وتحويلها الى ضلع فيه خلل يجب حمايته، ومن ناحية أخرى يعتبر البعض أن يوم المرأة ويوم الام سيان وكلاهما يحتفل به ضمن تبجيل لدورها الاسري والانجابي، فهي الام وهي التي ربت وهي التي سهرت الليالي وو.. على الحالتين هناك حالة اما من الاستغباء أو من المعاداة لكل ما يحمله هذا اليوم من معان نضالية فهو يوم يكشف ان في المجتمع وليس المرأة خلل، حين تبنى قيمه وممارساته وموازين القوى فيه على التمييز والقمع والتهميش لنصفه وحين لا يتم استثمار نصف طاقاته ومقدراته البشرية من أجل رفعته وتطوره. وهو يوم يتحدى الفكر النمطي التقليدي الذي يرى في المرأة رحما ينجب الاطفال فقط ورحمة تعمل على رعايتهم وخدمة احتياجاتهم، ليس في ذلك تقليل من دور الام الذي نقوم به بكثير من الحب والعطاء، الا أن تحويل هذا الدور الى قيد يمنع وأسر يحدد من قدرات النساء وعبء مفروض عليهن وحدهن فيما يحرر الاباء من هذه المسؤولية ففي ذلك تلون بل وأكثر، بنية اجتماعية قاهرة تستنزف الطاقات وتجدول الاولويات وفقا لرؤية محدودة.
في الثامن من آذار بعيدا عن مهازل الاحتفالات والايام الترفيهية، تخوض النساء في العالم العربي معركة شرسة من اجل تثبيت حقوقها وتضمينها في الدساتير والقوانين، في وقت تعاني فيه معاناة مضاعفة بسبب النزاعات المسلحة الدائرة في بلدانهم وفقدان الامن والامان ومآسي اللجوء والجوع والحصار والقصف والانفجارات، فيلتحم الوطني بالخاص وبقضايا النوع الاجتماعي بحيث لا يمكن الفصم بينهما أو التغاضي عن أحدهما من أجل الآخر. وفي خضم كل ذلك تقود المرأة الفلسطينية في شتى مواقعها ايام نضال مستمرة على مدار العام ضد الاحتلال والاستيطان والهدم والتهجير والخطر بضياع القضية، وضد الجوع في المخيم، وضد القتل بيد الزوج أو الاخ ، وفي معادلة من هذا النوع لا مجال ولا متنفس للاحتفاء بالانجازات مهما صغرت أو كبرت، وتبقى مؤجلة ليوم الفرح الاكبر. وهنا في هذه الرقعة الصغيرة من الوطن نناضل ضد جميع اشكال التمييز العنصري وضد سياسة هدم البيوت ومخططات التهجير والاستغلال الطبقي والذكوري، ضد الاصوات التي تحاول تهميشنا وتحجيمنا وتحد من انطلاقتنا نحو غد افضل وقيم أرقى وأكثر انسانية، ولا حياد ولا تلون في الموقف في طل هذه الطروف فاما أن تكون شريك/ة كامل/ة واما نتحول الى جزء من المنظومة القامعة ، والامر ليس نزهة ففيه مواجهة اولا مع الذات ، ومن ثم مع المحيط الضيق والواسع من الافكار المسبقة والممارسات التمييزية.
فتحية لجميع المناضلات اللواتي قررن التحدي وقرع جدار الخزان واحداث التغيير، تحية لمن يحولن الثامن من آذار الى يوم نضالي اضافي في اجنداتهن، تحية لمن يتحدين الحصار، أي حصار فكري كان ام مجتمعي، عسكري أو طبقي، من ذوي القربى او من الاعداء والخصوم وكل آذار والمناضلات والمناضلين بالف خير الى يوم نحتفل فيه بالمساواة والعدالة.