حقوق النساء بين الموروث والنص الديني والسيطرة الذكورية



جمعية البحرين النسائية للتنمية الإنسانية
2014 / 3 / 11

اين اصبحت حقوق النساء ما بين الموروث من العادات البالية وتفسير النص الديني والسلطة الحاكمة المدافعة عن السيطرة الذكورية؟

حقوق النساء بين الموروث والنص الديني والسيطرة الذكورية

إن التراجع في حقوق النساء بشكل عام في العالم ما هو إلا نتاج تزييف لجوهر المفاهيم والقيم الإنسانية العليا التي جاءت بها كافة الأديان السماوية من قيم العدالة والمساواة وحرية الاختيار، والتي أكدت في مجملها على اتخاذ" الهوية الإنسانية " معياراً لتحقيق العدالة الاجتماعية والقضاء على كافة أشكال التمييز.

ونتيجة لهذا الزيف والتحريف في مفاهيم تعتبر أساسية وجذرية في بنية المجتمعات الإنسانية، أصبحت هناك فجوة كبيرة بين حقوق النساء وتفسيرات النص الديني من جهة، وبين حقوق النساء والقناعات والموروثات من العادات البالية من جهة أخرى، وفي هذا الإطار نشير إلى جملة من الأمور التي نعتقد بأهميتها في تجسير الفجوة ما بين حقوق النساء والموروث من العادات البالية وتفسير النص الديني:

• فصل أقوال المجتهدين والمفسرين عن معنى النص الديني، فأقوال المفسرين واجتهاداتهم تُعبّر عن آرائهم التي توصلوا لها من خلال خلفيتهم المعرفية واجتهاداتهم الشخصية في هذا المجال، وليس بالضرورة أن تكون هي المعنى الحقيقي أو الوحيد للنص القرآني. فالأصول والمقاصد التي تضمنتها آيات القرآن الكريم تعتبر أبدية خالدة ولا تتغير من زمن إلى زمن، في حين تتفاوت آراء المفسرين بحسب الخلفية الثقافية للمفسر والمصادر والطرق المتبعة للوصول إلى هذه النتائج، فكلام الله سبحانه وتعالى له الحاكمية على كلام المفسرين، وما تناولته بعض التفسيرات من نقص المرأة ووضعها في سلم أدنى من الرجل تناقض صراحة قوله تعالى: (لقدْ خلقْنا الإنسانَ في أحسنِ تقويم) (التين: 4)، وقوله تعالى: (الذي خلقك فسواك فعدلك. في أي صورة ما شاء ركبك) (الانفطار: 7، 8). فالله خلق الإنسان في أحسن تقويم، وخلقه وسواه فعدّله، والإنسان هنا يشمل الذكر والأنثى، كما نرى أن تلك التفاسير تناقض بوضوح دور الاستخلاف للمرأة على قدم المساواة مع الرجل.
• الكثير من الموروثات من المفاهيم الخاطئة والسائدة حول المرأة وأدوارها تعتبر قناعات تم الوصول إليها بناء على آراء شخصية أو تجارب خاضها مجتمع ما في سياق محدد، في حين تم تقديس تلك الآراء وتعميمها في أحوال وسياقات أخرى، فتحولت إلى مسلّمات فكرية وعقائد راسخة في وعي المجتمع بحيث أصبح من الصعب تغييرها ، فمفهوم ( القسمة والنصيب ) في قضية الزواج مثلا يعتبر قناعة راسخة في ثقافة بعض المجتمعات، واستخدم بامتياز لتقليل مساحة الخيارات الممنوحة للمرأة في ممارسة حقها في اختيار شريك حياتها بناءً على أسس ومعايير موضوعية ، في حين أن حق الاختيار حق إنساني أصيل في كل الأديان ولا يجوز مصادرته عن أي إنسان تحت أي مبرر أو قناعة يؤمن بها المجتمع، فالمطلوب الآن هو غربلة تلك القناعات والآراء ومحاكمتها وتمحيصها لإزالة الزائف منها، لأنها أصبحت كعصا تُستخدم ضد المرأة ولسلب قدرتها على الاختيار وتحديد الأولويات، كما نحتاج إلى تحليل جذور تلك القناعات والمفاهيم الخاطئة ليتسنى لنا علاجها علاجاً جذرياً.
• تسليط الضوء على بعض العادات أو الممارسات اليومية والتي أثرّت بشكل كبير على النظرة المجتمعية النمطية القاصرة للمرأة وتراجع حقوقها الإنسانية، فالإتكالية عند المرأة مثالاً لإحدى تلك الممارسات الحياتية التي تعتبر سبباً في تآكل شخصيتها الاعتبارية، فمهما حققت المرأة من نجاح ووعي نوعي وسيادة مهنية، فلن يترتب عليه نتيجة ذات أهمية إلا بعد أن تتبّع طرائق معينة في المعيشة بحيث تعمل على تأصيل استقلاليتها وقدرتها على إدارة شئونها دون خدمات وصائية، وهذا يتطلب تغييرا في ممارساتها الحياتية الراهنة على الوجه الذي يحقق ذلك، فالعلم والوعي لا يمكن أن ينعكس إيجابياً على الواقع إذا ظلت المرأة بغير ممارسة عملية.
• الحاجة الماسة إلى فتح باب الاجتهاد في المسائل والقضايا ذات العلاقة بحقوق المرأة والتي تتضمن إشكاليات عميقه في الفقه الإسلامي، مما يتطلب دراستها والبحث في حيثياتها مع الأخذ في الاعتبار خصائص ومتطلبات الواقع الحالي، ومنها على سبيل المثال شهادة المرأة ومفهوم النشوز والقوامة و قضية ( الإرث ) وتبعات تطبيقها اليوم على واقع المرأة مع اختلاف البنية الاجتماعية، وبعض القضايا التي تتطلب رأياً إسلامياً جريئاً كقضايا عدّة المرأة (أو الأرملة) وغيرها من القضايا الشائكة المسكوت عنها.

ونود الإشارة في هذا الصدد بأننا في جمعية البحرين النسائية ومن خلال مشروع ( حقوق المرأة من منظور تجديدي) نسلط الضوء على الكثير من القضايا الجدلية والإشكاليات ذات العلاقة بحقوق المرأة في الفقه الإسلامي، ومنها على سبيل المثال قضايا القوامة، النشوز، ضرب المرأة، الولاية، تعدد الزوجات. يركز هذا المشروع على تقديم حلول ومعالجات مستنيرة لإشكاليات تمس واقع المرأة بشكل أساسي، كما يعمل على إعادة تقييم ومحاكمة الكثير من المفاهيم السائدة والقناعات المتأصلة التي تكرّس التمييز وتتناقض مع جوهر الأديان، فيعمل على تصحيحها واستبدالها بمفاهيم صحيحة وفق أدلة منطقية وعلمية تعيد للمرأة مكانتها الأصلية ودورها الأساسي في الحياة ، مستنداً على القيم والمفاهيم الإنسانية المشتركة بين كل الأديان، بالإضافة إلى دراسة بعض القضايا الجوهرية بالنسبة للرجل والمرأة كمواضيع الزواج والطلاق، فيسهم في تقديم رؤية جديدة لأسس الزواج وفق مبدأ الشراكة وقيم السلام.

ونختم مقالنا هذا بالتأكيد على أن أي سلطة دينية أو اجتماعية (عُرفية) أو رسمية، مهما كان تحيزها ودفاعها عن السلطة الذكورية، فإنه لا يمكن لها أن تحدث تأثيراً سلبياً على تطور حقوق النساء إلا في مجتمع تسود فيه المفاهيم الخاطئة والموروثات التي تكرّس ثقافة التمييز ودونية المرأة، وعليه فإن تصحيح المفاهيم الخاطئة ومراجعة القناعات والموروثات تبقى هي الحلقة الأهم في تحقيق أي تطور لحقوق النساء.