مذكرات بارميطة رقم20



لوتس رحيل
2014 / 3 / 13

وسقطت في دوامة الياس والكابة...كرهت كل شيء...ولم اعد اهتم لشيء...انظر في صمت..اترقب في صمت..ولا ابالي...ولاحظت فدوى ودكرى واحمد مدى حزني وسكوتي..محاولين اخراجي من كآبتي دون جدوى....وكان احد الزبائن حريصا على المجئ صوبي كلما دخل الصالة ليطلب كاسا ويلقي التحية ويتحدث بطلاقة عن افكار جديدة ورؤيا جديدة ومنظور جديد لما يقع في الساحة السياسية..وكنت اعلم جيدا انه يتعمد دلك لان ندى اخبرته عن شهاداتي وسخطي على الوضع مما شجعه على التقرب مني...وما استغربت له اني تغيرت كثيرا فانا لم اعد تلك الفتاة الخجولة والحساسة ولم اعد ابالي بما يقوله الاخرون عني او عن عملي او تضايقني الكلمات النابية او البذيئة...لم يعد اي شيء يؤثر علي...وادكر ايامي الاولى التي كانت يدي ترتجف فيها كلما قمت بصب كاس او وضع ثلج..كما كنت اكسر الكؤوس كلما ارتعدت يدي..واتلعثم كلما طلب مني احدهم شيئا..لكني تعودت الان على هدا المستنقع...وهده الحثالى...وهدا العالم...ولا يهم ان يقول عني احد عاهر او شريفة فانا اعرف نفسي ولم اعد في حاجة الى احكام الاخرين او شهادة تقدير وشرف وليدهبوا جميعا الى الجحيم...فهم فعلا يعيشون في جحيم ....ووجدت نفسي منساقة احاول ان افهم ما يريده مني هدا الغبي الدي لا يتوانى عن القاء محاضراته امامي ..محاضرات عن النظام وعن الفساد الاداري وعن الحقوق ولا يجد مثالا في هضم الحقوق والظلم افضل من حالتي كواحدة من دوي الشهادات العليا التي رمتها الاقدار لتشتغل في بار....انظر اليه في صمت واتابع محاضراته دون تعليق..مما زاد من حماسه مقترحا علي الانضمام الى حركته فهو زعيم حركة تندد باسقاط الحكومة ومحاربة الفساد ومحاربة البطالة والفقر ومجانية التعليم والتطبيب....ولكني سالته :
ومادا في وسعي ان اقوم به انا؟
واجابني وهو يحدق في وجهي:
انت تستطيعين ان تقومي بدور مهم يا زهرة...
وانا حائرة اساله:
وكيف دلك؟اي دور مهم استطيع القيام به يا زياد؟؟؟؟
وسكت مليا ليجيبني في صوت خافت:
المطلوب منك حاليا ان تحافظي على اغراض واشياء مختلفة اتركها لك بين الفينة والاخرى لتقومي بتسليمها الى اشخاص معينة سياتون اليك حسب التعليمات كما يجب عليك ان تحافظي على امانة ثمينة ساسلمها لك في الوقت المناسب..ولم افهم كالمعتاد لكنه شرح لي الامر قائلا:
لدي اقراص مدمجة ومنشورات اريدها ان تصل الى اصحابها دون ان يعرف بدلك احد وانت شخص غير مشكوك فيه وكلما تركت لديك امانة فسياتي احد ما يطلبها منك ويقول لك كلمة السر ثم سلميها له ما رايك؟
وانا ساخطة على الوضع وجدت نفسي اجرب هده المتاهة لعلها تشفي غليلي...ولم لا؟سانتقم لنفسي من هدا المجتمع وهده الحكومة الانانية الغبية التي لم تمنحني شيئا والتي ظلمتني ورمت بي الى مستنقع ينفث في سمومه ومكبوتاته وقادوراته..سانتقم لنفسي وهده الوجوه الزائفة التي تدخل الى هنا دات مراكز ومال وجاه تستمتع بحياة رغدة وغيرها من الفقراء يتضورون جوعا...وجوه تصرف امولا طائلة في تفاهات ورقص وشراء متعة مبتدلة رخيصة...اموال تمكن من توفير وظائف قارة وتساعد في تقلص معدل البطالة والفقر تصرف هكدا في مستنقعات الوحل الجسدي..وحبيبي غائب منفي..من يدري اهو بين جدران ام في صحراء برية....
.انا معك يا زياد سانضم الى حركتك وساساعد في محاربة هدا الفساد الاداري يا زياد سافعل كل ما تطلبه مني ولم لا؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟لن تضيع شهاداتي هباء منثورا ..لن تضيع سنين دراستي لن تضيع عنوستي..ولن يضيع حقك يا فؤاد..سانتقم لك يا فؤاد......
وبدا زياد مرتاحا لقبولي عرضه في الانضمام الى حركته وبدل ما في وسعي لانجاحها واستقطاب العديد من الاتباع...ففدوى اخبرتني انهم يتجمعون هنا من اجل مناقشة برنامجهم ومخططاتهم وانها لا تستلطفهم كما انها لاترتاح لزياد هدا كما حدرتني منه...كما حدرني احمد كدلك من الانضمام اليهم مستعرضا بعضا من افكارهم وهو يلقي علي درسه الاحمدي كالعادة:
زهرة ايتها العزيزة الغبية انت الان في مرحلة صعبة تعانين من اكتئاب حاد ومن فراغ كبير بعدما وقع شرخ في علاقتك بمراد..انت الان يائسة يا زهرة وحائرة ولا تعلمين ما يجب ان تفعلي وربما تحاولين ان تشغلي نفسك بشي ما حتى لا تفكري في حياتك...
وسكت مليا ليردف في حزن وهو يربت على كتفي:
اه يا زهرة ندى هي السبب في مشكلتك الجديدة فلولا ان ندى لم تحرض زياد للايقاع بك وهي تخبره عن مؤهلاتك لما وقعت في مصيدته يا زهرة...صحيح انه زعيم حركة وله انصار واتباع...ولكن مطالب هده الحركة ليست مشروعة يا زهرة..يطالبون بالاكل علنا في رمضان...وكأن الاكل في رمضان اصبح موضة ؟ياكلوا او لا ياكلوا هم احرار ولكن استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان اليس كدلك؟وحرية الاديان؟الدين اختيار وليس اجبار اليس كدلك؟لم يريدون التشويش على الحكومة يا زهرة؟وحرية الجنس؟الا يمارسون الان الجنس بحرية؟ويسكرون ويتعاطون المخدرات؟؟؟؟؟اية مطالب ادن؟واية شواهد لديهم؟الا تعلمين يا زهرة ان زعيمهم هدا لم يحصل على شهادة الباكالوريا؟؟؟؟؟كيف ترضين وانت دات شواهد عليا ان يكون زعيمك مستواه الثقافي لايتعدى باكالوريا؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟اي ثقافة يعتمد عليها؟اي قانون يعتمد عليه في المطالبة بالحريات العامة؟؟؟؟؟ايعتبر اللواط والسحاق واللهو والمجون مطالب مشروعة ؟اهده المطالب هي من سيحقق العدل ويقضي على الفساد يا زهرة؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟افيقي يا زهرة...
كنت استرق النظر واصغي اليه في ذهول..........واقترب مني احمد ليهمس في ادني:
زهرة الا تتساءلين من اين له هدا؟؟؟هدا الزعيم العاطل عن العمل واتباعه الدين يتوافدون بانتظام الى المستنقع وينفقون مالا وفيرا كل ليلة في السهر وشرب الخمر والرقص والفجور....الا تتساءلين من اين يحصلون على هدا المال؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
وضحكت دكرى وهي تصفق بحرارة قائلة :
هنيئا لنا بحكومة يرأسها هدا الزعيم تنشر الوحل في كل مكان..وتلغي الادان والصلاة وتلغي رمضان وتحلل زواج المثليين وتمنع الشاي وتضع بدله النبيد ..
ولم اتمالك نفسي انا الاخرى فاغرقت في الضحك....لكن المدير ارسل في طلبي لامر مهم....وتبادلنا النظرات احمد ودكرى وانا في حيرة فالمدير لايطلبني الا نادرا كما اني اقوم بزيارته احيانا في مكتبه لالقاء التحية فما هو الامر المهم يا ترى؟؟؟؟؟؟؟
ايتعلق الامر بمراد؟؟؟؟؟
اكيد لا فالمدير لادخل له في علاقتي بمراد كما انه لايعلم شيئا عن مرضه؟؟؟؟؟
**************************************
والقيت التحية في هدوء وهو يامرني بالجلوس...بجانبه شخصان صافحاني باحترام..ليجلسا بدورهما...ونظر الي المدير نظرة طويلة ليقول لي بعدها:
زهرة هدان الشخصان يريدان الحديث معك في موضوع مهم للغاية ولا داعي للخوف ..
وصوبت نظري الى هدين الشخصين في قلق لكن احدهما قال لي بسرعة:
لا تقلقي زهرة ولا تخافي....
وطلب مني الجلوس وجلست دون ان انبس ببنت شفة..وخرج المدير ليترك لنا الفرصة للحديث...شخصان لم ارهما من قبل..احدها طويل اسمر ودو شارب خفيف ولباس رياضي ويبدو مرحا خفيف الظل والثاني يرتدي بذلة رمادية ويبدو انيقا وصارما ورزينا دو بشرة بيضاء وساعته الدهبية التي ينظر اليها بين الفينة والاخرى....وايقظني الطويل الاسمر من هواجسي قائلا:
زهرة ايتها البطلة ما جديد نضالاتك؟
واحسست بمدى حاجتي الى وجود احمد بجانبي ليسخر مني ثانية وينعتني بالغبية لاني لم افهم شيئا كعادتي...عن اي نضالات وعن اي كفاح وعن اي بطولة يتحدث هدا؟؟؟؟؟؟ولم يترك لي الفرصة للرد بل اردف قائلا:
زياد...
لم استطع ان اكبح زمام الرغبة في الضحك لسماع هدا الاسم ونعتي بالبطلة والمناضلة....ولم اشعر بالخوف بل لم اعر اي اهتمام او مبالات لما يقول هدا الاسمر الطويل الدي نظر الي نظرة قاسية وهو يقترب مني قائلا:
لم تضحكين يا زهرة؟؟؟ان الامر مهم افيقي واسمعيني جيدا..نحن نعلم كل شيء اجل..
.وقاطعته بحدة:
من انتم؟ومادا تعلمون؟؟؟؟وباي حق تحضروني الى هنا؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
وعند دلك وقف دو البدلة الرمادية ليقول لي في برود:
انت هنا للاجابة عن اسئلتنا
لكني اجبته بكل وقاحة:
لست مجبرة على الاجابة ولست متهمة في شيء ولا حق لك او لغيرك في التحقيق معي دون دنب ارتكبته....
وحاول الاسمر تهدئتي وهو يربت على كتفي:
زهرة الموضوع غاية في الاهمية..زياد رئيس عصابة يا زهرة وقد حاول استدراجك ونحن نعلم انك بريئة ولا دخل لك في ما يقوم به انه ارهابي يا زهرة...
.واحسست بصداع مفاجئ ..فناولني كوب ماء اشربه حتى اهدئ واستوعب كلامه واردف قائلا:
زهرة ..زياد ارهابي يا زهرة وعضو في تنظيم سري...هدفه التشويش على الامن يا زهرة زياد يريد استخدامك فاحكي لنا بالتفصيل الممل ما دار بينك وبينه..
.ووجدت نفسي احكي له الحكاية كاملة واخرج من حقيبته صورا وطلب مني ان اخبره عن اصحابها ادا كنت اعرفهم...اجل انهم اتباع زياد شبان وفتيات ياتون الى المستنقع...اجل هده وجوه مالوفة....اخبرني دو البدلة ان اغلبهم متورطون في قضايا مخلة بالاداب او بالمعنى الاصح يمارسون الجنس جماعات ويتناولون المخدرات كما ان لهم طقوسا خاصة قبل ممارسة الجنس....وسكت قليلا ليقول لي في سخرية:
اانت من انصار زياد يا زهرة؟اهده هي مطالبكم المشروعة؟الجنس الجماعي؟؟؟
واحمرت وجنتاي خجلا وانا اجيبه بغضب:
لا دخل لي في الامر سيدي ولا داعي للسخرية مني..فقاطعني :
اسمعي زهرة, زياد يخطط لنسف الفندق واماكن اخرى وهناك جهات عليا تدعمه وانت بالنسبة له صيدا ثمينا يريد ان يستخدمك دون ان تعرفي دلك...اتعلمين ما كان ينوي القيام به؟؟؟؟؟فالامانة التي كان يريد ان يتركها لديك قنبلة ..
.لم اصدق ما يقول لكنه اكد لي ذلك كما اخبرني انه ينتمي الى تنظيم ارهابي يهدف الى تفجير اماكن محددة ومن بينها هدا المستنقع...ولم اجد شيئا اقوله لكن الطويل الاسمر قال لي:
زهرة اتحبين الوطن يا زهرة؟؟؟؟؟يجب ان تبرهني حبك للوطن الان يا زهرة فالوطن في حاجة اليك؟؟؟؟؟
وضحكت بمرارة:
عن اي وطن تتحدث؟؟؟وهل يحبني هدا الوطن؟ولم احبه؟مادا فعل من اجلي وطنك هدا؟؟؟اليس هو السبب في ما يحدث لي الان؟؟؟؟؟اين كان وطنك وانا اتنقل بين الشركات والمكاتب واجري المباريات دون جدوى؟؟؟اين كان وطنك وحبيبي مفقود ابحث عنه دون جدوى؟؟اين كان وطنك وحبيبي بين الحياة والموت بسبب اهمال وطنك له؟؟اين كان وطنك وانا احاول انقاده وهو مرمي في مستشفى بعد تعديبه وهو في حاجة الى الدواء وانا اجري هنا وهناك علني اتدبر المال لاشتري له الدواء؟؟؟؟؟اين كان وطنك وانا اجر اديال الخيبة ؟؟؟اين كان وطنك وانا المتفوقة التي حرمت من تحقيق احلامي ومن الحصول ولو على ابسط حقوقي؟؟مادا فعل وطنك لاجلي ولاجل امثالي؟؟؟ولم احب هدا الوطن؟؟ومادا افعل بحبه الان حتى وان فكر في توظيفي فقد تجاوزت سن الوظيف؟؟؟؟؟؟
وانخرطت في البكاء...فرق قلبه لحالي وهو يحاول ان يمسح دموعي وتهدئتي:
زهرة اهدئي زهرة كل شيء سيكون بخير...ربما ظلمتك الحياة وظلمك النظام والقانون والحظ ايضا...لكن الوطن يبقى دوما وطنك امك الثانية..فهو في حاجة اليك الان...فحتى لو تخلى عنك لاتتخلي عنه يا زهرة...افعلي شيئا من اجل وطنك فلو اسديت له خدمة فداك سيمنع مجزرة وموت ارواح بريئة..لاتكوني قاسية يا زهرة...