خطاب في مسألة التحرش الجنسي



ابراهيم وها
2018 / 3 / 11

خطاب في مسألة التحرش الجنسي
أنا المتحرش, الإنسان, العاقل, الراغب, الناقد, العاشق, المتمرد, المحكوم عليه بالعطالة ... إذن من أنا ؟
ليست الحاجة إلى تقديم جواب بسيط عن الإشكال المطروح, تلك الغاية التي من أجلها نضطر لإزعاج عقولنا وتعرية واقعنا. بل الهدف من ذلك محاولة تسليط الضوء, على واحد من المواضيع التي كثيرا ما يستخدمها الإعلام, لإثارة زوبعات إيديولوجية داخل الأوساط النسائية, الحقوقية والسياسية من دون طرح الموضوع بصياغة علمية جريئة تبدد كل العراقيل. بل الأكثر من ذلك, الدفع ببعض المشرعين الهواة, إلى التفكير في سن تشريعات فوقية, تجرم وتعاقب الجناة, في غياب مقاربات سوسيولوجية وسيكولوجية شاملة وكفيلة بتشخيص أسباب الظاهرة وتعقبها, ثم كشف أبعادها وامتداداتها, فمن ثمة إيجاد حلول لها. حيث نجد أن السؤال الذي يطرح نفسه باسمرار: هل يمكن للمقاربات الأمنية أو للعقاب أن يضعا حدا للظاهرة أم أنهما سيعيد ا إنتاجها من جديد ؟ لا تتم الإجابة عنه كما ينبغي أو ربما يتم تجاهله عن وعي أو عن غير وعي. فليس ببعيد عن مجال القانون والعقوبات, يكفي أن نلقي نظرة إلى واقع المؤسسات الإصلاحية ونتساءل عن مدى نجاحها أو إخفاقها في معالجة الإجرام وإعادة إدماج الجناة ؟
لا جدال في القول أنني عبارة عن ذلك المركب من الوحدات : الوجودية, البيولوجية, النفسية, الاجتماعية, الثقافية, الأخلاقية, الدينية ... تلك المحكومة بصيرورة تاريخية, تخضع لتغيرات مستمرة في الزمان والمكان. قد أعاني أثار التحولات التي تمس هذه الوحدات لتكون نتيجتها التحرش الجنسي باعتباره أحد أعراض مرض اجتماعي معين أو شكلا من أشكال العنف ضد المرأة بقليل من التحفظ. لكن على خلاف ذلك يمكن اعتبار التحرش الجنسي تعبيرا عن ميول, اتجاهات, احتجاج, جماعة اجتماعية معينة.
" أنا الذي ولدت في شقاء عظيم, حزن عميق, جرح مؤلم وغياب حب,تواصل,إنسانية, ديمقراطية جنسية ... أنا نتاج حاذت واصطدام جنسي ما أو تحرش معين, داخل إطار وصف أنه شرعي مقنن أو غير مقنن. أنا الذي تربيت ونشأت بوسط, يسوده الفقر, الأمية, العنف, التهميش ... أنا الذي حرمت من استكشاف جسدي وسلبت من حرية السؤال والحديث عن الجنس أنا الذي منعت من صداقة قريناتي واللعب معهن بحجة الفحولة, الرجولة...أنا الذي من أجله أقيم حفل الميلاد, الختان, فض البكارة... أنا المدمن الضائع وسط الأحياء والأسواق مترصد ضلال النساء...لكن في مقام أخر أنا مصمم أزياء النساء, منتج الأفلام والإعلانات , سياسي مرتاد الكازينوهات ومدير الليالي السمان, محارب عاشق السبايا, زوج الأربعة وملك اليمين , أنا المشرع للذكر مثل حظ الأنثيين, أنا مربي الأجيال المرأة ناقصة عقل ودين, المرأة جسد وموضوع جنسي, المرأة كلها عورة, المرأة وسيلة إنجاب ..."
إن ما تقدم من إجابات متناثرة هنا وهناك عن السؤال من أنا إذن ؟ لا نبتغي من خلالها سوى استحضار بعض السياقات المختلفة والمتشعبة لماهية المتحرش وحيثيات نشأته ثم آليات تشكيل المخيال الجنسي imaginaire sexuelباعتباره بناءا من القيم والتصورات حول الجنس والمرأة من جهة ومكانة الرجل في العملية الجنسية من جهة أخرى, والتي تعتبر محركا أساسيا للممارسات والسلوكيات الجنسية . هذا فالمخيال الجنسي كما تقدم لابد من تحريره أولا من دائرة الطابو وأسر الموروثات ثم تفكيكه وإعادة بناءه وفقا لتصور علمي تنويري حول الجنس sexialityمبني على أساس الإنسانية, المساواة بين الفاعلين, الديمقراطية الجنسية...على سبيل المثال لا الحصر. وذلك لأجل إعادة النظر في الرؤية الأحادية, الاختزالية حول التحرش الجنسي وبالتالي البحث عن رؤية علمية متكاملة تفهم وتفسر الظاهرة من جوانبها المختلفة والمتعددة بدل تكريس كل الوقت والجهد للسجالات الإيديولوجية والمساومات السياسية التي لا طائل من وراءها.