الحقوق الإنسانية للمرأة المغربية: تاريخ من الصراع بين التأويلات الدينية والثغرات القانونية



فاطمة واياو
2014 / 3 / 26

القضية الأولى : قضية أزلية
إذا كان التاريخ يكتب بأقلام المنتصرين، فإن السلطة والقوة هي المحرك الأساسي لتاريخ البشرية عبر العصور.هذا المعطى افرز تاريخا آخر موازيا له ، إنه تاريخ التهميش إن صح التعبير، هذا التهميش الذي طال ليس فقط جماعات بشرية مهمشة وحضارات مبادة بل أيضا مواقف ونضالات مغيبة. فالمرأة كائن مغيب بامتياز، إنها الضحية الأولى لتاريخ كتب من طرف أصحاب السلطة و حاملي راية الانتصار.
لن يقودني هذا الكلام لسرد تاريخ النضال النسائي المغربي منذ الاستقلال إلى اليوم بل سأكتفي بوقفة تأمل في العشر سنوات التي مرت على صدور مدونة الأسرة، خاصة ونحن نحتفل هذه الأيام باليوم العالمي للمرأة الذي يصادف ثامن مارس من كل سنة. هذه الوقفة التي سأتناول فيها بالتحديد ثلاث قضايا رئيسية، لا لأنها القضايا الوحيدة الهامة بل لأن المجال لا يتسع لأكثر مما سأتطرق إليه.

القضية الثانية : عشر سنوات بعد مدونة الأسرة
بداية لا يسعني إلا أن أردد قول الشاعر:
عيد بأي حال عدت يا عيد أبما مضى أم لأمر فيك تجديد
سيظل هذا البيت الشعري للشاعر الكبير أبا الطيب المتنبي تعبيرا صادقا نستلهمه في كل مناسبة تتعاقب علينا سنة بعد أخرى, وحينما يتعلق الأمر باليوم العالمي للمرأة يصبح معنى البيت مطابقا لوضعية النساء بشكل عام ووضعية النساء المغربيات بشكل خاص.
غير أن ما جد في الذكرى السنوية لهذا العام هو مرور عشر سنوات على صدور مدونة الأسرة، وهو ما يفرض جعل احتفالية هذه السنة محطة للتأمل وتقييم الانجازات والإخفاقات التي صاحبت العشر سنوات من تطبيق بنود مدونة الأسرة. خاصة وأن سنة 2011 شهدت صدور الدستور الجديد عقب الاحتجاجات التي رافقت الثورات العربية.
ما هي الإضافات التي جاء بها دستور 2011، فيما يتعلق بالحقوق الإنسانية للمرأة؟
يقر الدستور الجديد في الفصل 19 بما يلي:
"يتمتع الرجل والمرأة على قدم المساواة بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية الواردة في هذا الباب من الدستور وفي مقتضياته الأخرى، وكذا في الاتفاقيات والمواثيق الدولية كما صادق عليها المغرب، وكل ذلك في نطاق أحكام الدستور وثوابت المملكة وقوانينها"
إن المتأمل لما جاء في هذا الفصل، يستنتج أن كثيرا من بنود مدونة الأسرة لا تحقق المساواة الفعلية بين الرجال والنساء كما نص عليها دستور 2011. وهو أمر يفرض بالضرورة الاستجابة لمطلب إعادة النظر في مدونة الأسرة وتغيير بعض فصولها التي ما زالت تكرس التمييز. هذه المراجعة ستمكن المغرب من تحقيق المزيد من العدالة والمساواة، انسجاما مع روح الدستور وأيضا انسجاما مع موقفه من الاتفاقيات الدولية المتعلقة بمناهضة كافة أشكال التمييز ضد النساء خاصة منها اتفاقية cedaw .
إن الفصل 19 لم يشذ عن القاعدة التي يعتمدها المشرع والتي تروم استعمال لغة غامضة أو متناقضة خاصة كلما تعلق الأمر بفصل أو قانون يمس الأسرة أو الحقوق الإنسانية بشكل عام. ذلك أن المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والحريات المدنية ممنوحة غير أنها مشروطة بثوابت المملكة وقوانينها، وهو شرط يضع حقوق النساء تحت رحمة ما جاء في مدونة الأسرة.
ولعل مناسبة ثامن مارس كانت محطة أخرى للتركيز على مطالب يجب الاستمرار في النضال من اجل الحصول عليها:
- محاربة قضية العنف بكل أشكاله المادية والمعنوية والنفسية والجنسية.
- قضية زواج القاصرات الذي يساهم في استفحال ظاهرة الهذر المدرسي، الطلاق وغيرها من الأضرار المادية والنفسية التي تهدد بنية المجتمع المغربي.
- قضية التحرش الجنسي وعدم احترام مكانة النساء في الفضاء العمومي الذي ما زال ذكوريا بامتياز مما يحد من المواطنة الحقيقية للنساء المغربيات.
- قضية محاربة التمييز القائم على الجنس بكل أشكاله، والذي يتجلى في ضعف المشاركة السياسية للنساء، في قضية الإرث، في قضية التعدد، في قضية الزواج ، في مسألة تولي المناصب العليا ، وفي ولاية الأمر...
- ملائمة كافة القوانين وبدون استثناء مع المواثيق الدولية انسجاما مع مبادئ دستور 2011 والذي حددها في القاعدة الثامنة ضمن القواعد التي تضمنها تصدير الدستور والتي تنص على ما يلي: " التشبث بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا". و هو أمر يتطلب بالضرورة القطع مع ازدواجية القوانين الوطنية، وإعادة النظر في هذه القوانين التي لا تنسجم مع هذا المبدأ وبالتحديد بعض فصول مدونة الأسرة, وهو أمر ملح ستؤكده القاعدتين السابعة عشر والثامنة عشر من نفس التصدير واللتين جاء فيهما ما يلي:
القاعدة السابعة عشر:" حماية منظومتي حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني والنهوض بهما والإسهام في تطويرهما مع مراعاة الطابع الكوني لتلك الحقوق وعدم قابليتها للتجزيء"
القاعدة الثامنة عشر:"حظر ومكافحة كل أشكال التمييز، بسبب الجنس أو اللون أو المعتقد أو الثقافة أو الانتماء الاجتماعي أو الجهوي أو الإعاقة أو أي وضع شخصي مهما كان."
ومع غياب تحقيق هذه المطالب يظل السؤال عريضا حول ما إذا حققت النساء المغربيات مواطنة كاملة؟

إن صدور دستور 2011 رغم كونه استجابة لمطالب الشارع المغربي في ظرفية اتسمت باندلاع الثورات العربية، إلا أنه لا يمكن غض الطرف عن أن مثل هذا الانجاز رغم بعض الثغرات والغموض الذي يكتنفه، لا يمكن اعتباره سوى مقدمة وخطوة أولى على درب طويل من ورشات من اجل تغيير الترسانة القانونية التي ما زالت تكرس الحيف والتمييز ضد النساء. ولعل مرور عشر سنوات على صدور مدونة الأسرة وتقييم حصيلة تطبيقها على أرض الواقع يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن الكثير من بنود مدونة الأسرة تتطلب تغييرا أو تصحيحا وبعضها الآخر إلغاءا. إنه استنتاج نتلمسه من خلال العديد من التقارير التي أصدرتها منظمات نسائية ومراكز الدراسة بل وحتى الإحصائيات الرسمية الصادرة عن وزارة العدل، هذه التقارير تشير في معظمها إلى أن الانتقائية التي تعامل بها المشرع مع قضايا حساسة مثل سن الزواج والتعدد وتجاهل قضايا أخرى مثل الإرث، كرس المزيد من التمييز و الظلم.
القضية الثالثة: مجرد مثال وليس الحصر
يتعلق الأمر بقضيتين أساسيتين واللتان تتطلبان المزيد من الاجتهاد والنضال وعلى الخصوص الكثير من الجرأة والشجاعة، إنهما قضيتا سن الزواج و المساواة في الإرث:
ســــن الزواج:
إن الإحصائيات المتعلقة بزواج القاصرات في العشر سنوات الماضية تشير إلى أنه ارتفع من 18341 زيجة سنة 2004، إلى 39031 زيجة خلال 2011، على ما أظهرت إحصائيات لوزارة العدل والحريات المغربية. وهو ارتفاع يعزوه المتتبعون إلى وجود مسطرة طلب الإذن من القاضي بتزويج الفتاة دون سن الثامن عشرة، بل إن ارتجالية هذا الجزء من الفصل المتعلق بسن الزواج أدى إلى تعمد بعض القضاء الإذن لزواج الفتاة القاصرة دون سن السادسة عشر. كان على المشرع ان يضيف في هذه الفقرة كما تتم المطالبة به الآن السن الأدنى للقاصر. هذا الأمر كانت الجمعيات النسائية قد نبهت إليه حين صدور المدونة، حيث رفضت فتح باب الاستثناء لكي لا يتم استغلاله من طرف القوى الرجعية المحافظة. لقد أصبح الاستثناء إذن قاعدة بل وأتاح فرصة تزويج الفتيات الصغيرات السن، وهو أمر يثير الكثير من التساؤلات حول الأسباب الكامنة وراء هذا الارتفاع.
وقد جاء في تقارير عن زواج القاصرات بأن القضاة تلقوا خلال سنة 2010 ما يزيد عن 44 ألف طلب الإذن بزواج القاصرات، و99 في المائة من هذه الطلبات تتعلق بالفتيات، ووافق القضاة على قبول 92 في المائة من مجموع هذه الطلبات، كما أن إحصائيات تؤكد أن هذه الظاهرة تتزايد بنسبة 10 في المائة سنويا. وتشير الإحصائيات كذلك إلى أن 3257 أخرى حصلن على الإذن بالزواج رغم أن أعمارهن لا تتعدى 14 سنة .
إن نظرة فاحصة للواقع وخصوصا لظروف صدور مدونة الأسرة، يجعلنا نتبين بعض أسباب هذا الارتفاع:
أولا -الجهل وعدم الوعي في المناطق النائية، فكثير من القرى المغربية ظلت ساكنتها بعيدة عن ما استجد في الحواضر، وهو أمر فرضه عدم مواكبة صدور مدونة الأسرة مع حملات التوعية والتحسيس على نطاق واسع. فالحكومة تركت هذا الأمر في السنوات الأولى على عاتق جمعيات المجتمع المدني التي لم تكن لها الإمكانيات الكافية المادية والبشرية لتوسيع الرقعة الجغرافية للتوعية بمضامين مدونة الأسرة. مما جعل سكان القرى النائية حيث يكثر بينهم تزويج الفتيات صغيرات السن، والهذر المدرسي غير مستفيدين من حملات التوعية، ما جعل زواج القاصرات مستمرا وواقعا ملموسا لسنوات بعد صدور المدونة الجديدة.
إن هذا الواقع أبان بأن الحكومة رغم إخراجها لمدونة الأسرة سنة 2004 لحيز الوجود تحت ضغط منظمات المجتمع المدني خاصة الجمعيات النسائية لم تكن جادة في تحمل مسؤولية التوعية بمضامينها والسعي لتطبيق بنودها على أرض الواقع.
ثانيا - إصرار القوى المناهضة لرفع سن الزواج على تشجيع زواج القاصرات، وهو أمر سيضع المشرع أمام أمر واقع مما ستصبح المطالبة بتخفيض سن الزواج. وقد لاحظنا مؤخرا ارتفاع أصوات منادية بإعادة النظر في السن القانونية للزواج، لتخفيضه إلى سن 16 سنة، وهو مطلب صريح جاء على لسان حزب العدالة والتنمية الحاكم، وهذا يعني أن ما لوحظ من ارتفاع عدد الزيجات لفتيات قاصرات كان بإيعاز وتشجيع من المكلفين بإعطاء الإذن
إن ما يتناساه الداعون لتشجيع زواج القاصرات هو أنهم يمتلكون نظرة أحادية وضيقة لمفهوم تشكيل الأسرة، فمؤسسة الزواج هي اللبنة لتكوين اسر ومواطني المستقبل، فكيف لأطفال لم يصلوا للنضج الكافي أن يتحملوا مثل هذه المهمة. هذا من جانب ومن جانب آخر يجب التذكير أن غالبية الفتيات وأيضا الفتيان البالغين 18 سنة ينقصهم التأهيل الكافي لتحمل تشكيل أسرة ناجحة وعلى أسس متينة ليس فقط من الناحية المادية ولكن أيضا من الناحية النفسية والفكرية. فمعلوم أن التربية التي تتلقها الفتاة في أسرنا وخاصة منها الأسر البسيطة والمشكلة للسواد الأعظم من المواطنين ببلادنا، تجعل منها فتاة ناقصة التكوين والمؤهلات ناهيك عن محدودية آفاق اهتماماتها.
كيف إذن يمكن لفتاة مازالت تعيش مراهقة في سن 18 سنة أن تنجح في الزواج والإنجاب وتحمل أعباء التربية؟ هل يعي من يطالبون إذن بتخفيض سن الزواج إلى 16 سنة ما يدعون له؟ ألا يكفيهم أعداد الجيوش من الفتيات ضحايا الهذر المدرسي؟ ليجعلوهن ضحايا الطلاق والتشرد ويجعلوا من أبنائهم مشاريع أطفال الشوارع؟ على من ينادون لمثل هذه الدعوات ان يكفوا عن النظر لمؤسسة الزواج باعتبارها ذات وظيفة واحدة ووحيدة وهي تصريف الرغبات الجنسية، مؤسسة الزواج تلزمها القدرة النفسية، الجسدية، العقلية، والمادية بالإضافة للتوافق الفكري والنفسي لتكون بحق نواة لخلية الأسرة التي بدورها ستكون لبنة صحيحة ونقية لمجتمع أكثر استقرارا وسلاما.
الإرث
هناك مناطق في المغرب يتم فيها تطبيق أحكام عرفية نابعة من تقاليد هذه المناطق والتي تحرم المرأة كليا أو جزئيا من حقها في الميراث، فلماذا لم يفرض المشرع تطبيق ما جاء في الشريعة من حقوق المرأة في الإرث؟ ولماذا لم يقم العلماء والفقهاء باستنكار مثل هذه التقاليد المجحفة في حق المرأة، وأين أصوات هؤلاء التي ارتفعت عاليا بعد دعوة لشكر وقبله حركات نسائية للمساواة في الإرث؟ هل لأن مثل هذه الأعراف معترف بها في الشريعة حتى وإن اغتصبت حقوقا ممنوحة من الإسلام للمرأة، والمناداة بالمساواة كما هي متعارف عليها في الحقوق الإنسانية العالمية والاتفاقات الدولية التي صادق عليها المغرب تعد خروجا عن الدين ودعوة للكفر بالقرآن؟
لماذا يقبل الاجتهاد في بعض القضايا رغم وجود النص ويرفض في قضايا أخرى؟ فالقانون الجنائي لا يعاقب السارق بقطع اليد وهذا نابع من اجتهاد بدأ منذ عهد الخليفة عمر، الذي يعتبر أول من خالف النص مراعيا الظروف المستجدة. هكذا تعاقبت القوانين الجنائية في الكثير من الدول الإسلامية مستلهمة القوانين الوضعية دونما حاجة للنظر في النص الديني.
هذا الاستنتاج يجرنا لملاحظة بالغة الدقة وهي مسألة الوصية: لماذا لم تفعل بشكل واضح الآية المتعلقة بالوصية : (كتب عليكم اذا حضر احدكم الموت أن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقاً على المتقين،) 180 البقرة وهو أمر كان سيحمي عددا كبيرا من الأقربين المعوزين ويضمن حقوقهم خاصة منهم النساء والأطفال، بحيث تصبح الوصية قانونا ملزما، مثل ما هو معمول به في الدول المتقدمة في مجال حقوق الإنسان، بدل بعض التأويلات المغرضة التي تتغاضى عن هذه الآية وتعتبر الوصية بدعة. إن المتأمل في آية الإرث وآية الوصية يجدهما آيتان حديتان ملزمتان لا فرق بينهما:
فالآية الأولى نصت على: (وللذكر مثل حظ الانثيين......بعد وصية يوصي بها،) سورة النساء آية 11).والثانية نصت على الإلزام بكتابة الوصية قبل الموت: (كتب عليكم اذا حضر أحدكم الموت أن ترك خيرا الوصية للوالدين والمقربين بالمعروف حقاً على المتقين)،سورة البقرة، آية 180.
إن من اغرب ما يلاحظ حين التطرق لقضية الإرث في الإسلام عند المفسرين القدامى و المحدثين، هو أننا اليوم نلاحظ أن المفسرين يحاولون لي عنق آية الإرث ليثبتوا أن ما جاء فيها لا يعد تمييزا أو تفضيلا للرجال على النساء. في حين نرى أن الفقهاء القدامى كالرازي اثبتوا أن الآية تروم تفضيل الرجال عن النساء، وهو أمر غير محرج في مجتمع نشأ على إهدار حقوق النساء في الإرث. إضافة إلى ذلك نلاحظ أن المؤيدين لعدم المساواة بين النساء والرجال في الإرث، ينطلقون من أن الرجال هم أكثر احتياجا للمال لأنهم هم المنفقون على النساء، أما وبنتا وزوجة وأختا، وهو أمر مردود عليه بالتأكيد على أنه لو كان الأمر كذلك لما خص القرآن النساء بنصيب من الإرث، فهن لسن بحاجة للمال ما دمن مكفولات من طرف الوارثين الذكور؟ إضافة إلى أن الواقع اليوم في كل بلاد المسلمين وفي المغرب على الخصوص يثبت أن المرأة هي المعيل للأسرة إما مشاركة الرجل في بعض الحالات أو هي المعيل الوحيد في حالات كثيرة.
ما يلاحظ أيضا أن مدونة الأسرة وإن لم تنص صراحة على إلزام الزوجة بالإنفاق إلا أنها جعلت المسؤولية داخل الأسرة مشتركة تحقيقا للمساواة بين الزوجين وهو أمر ينسجم مع واقع المجتمع المعاصر، غير أن السؤال لماذا سكتت نفس المدونة عن المساواة في الإرث؟
القضية الأخيرة: التربية والتوعية كقضية أساسية
إن التركيز على التشريعات لا يعني أنها الوحيدة الكفيلة بتحسين وضعية المرأة في المجتمع ذلك أن العبء الأكبر يقع على المربيين وبرامج التوعية.
كيف يمكن أن نبني مجتمعا متقدما فقط بالتشريعات والقوانين، خاصة إذا كانت مليئة بالثغرات والتجاوزات؟ إن ما يعيشه المجتمع المغربي من آفات كالعنف، والتمييز ضد النساء والجريمة المنظمة وانتشار المخدرات وتزايد أعداد أطفال الشوارع وغيرها تنبع من أن أي مجتمع يفقد بوصلاته ابتداء من الأسرة وانتهاء بالمجال العام مرورا بالمدرسة وتأثير الإعلام لن يكون مصيره غير ما هو عليه اليوم.
هذا المعطى يقودنا إلى تحديد المسؤوليات وإعادة النظر في تركيبة البنى الأساسية للمجتمع وبالتحديد الأسرة والمدرسة والشارع. إن المتأمل فيما تعانيه النساء من إقصاء من المجال العام عبر التحرش والعنف الممارس عليهن دون تمييز بينهن، يطرح مرة أخرى النوايا الحقيقية والجادة للمسئولين عن السياسات العمومية في تحقيق المساواة وإدماج المرأة في المجال العام.
فاستفادة النساء من المجال العام وهو حق إنساني لن يتحقق سوى بتغيير العقلية الذكورية المتوارثة منذ عقود والتي تجعل من المجال العام فضاء ذكوريا بامتياز. وحدهم الرجال ( الذكور هنا بشكل عام فالطفل أيضا يمنح هذا الامتياز فلا يتحرج من التحرش بامرأة في سن أمه بل وحتى في سن جدته) لهم الحق في السيادة وتأطير والتحكم في المجال العام، والنساء اللواتي يتجرأن على المشاركة الفعلية في هذا المجال غالبا ما ينظر لهن على أنهن خارجات عن الآداب العامة. بهذا المعنى تصبح كل النساء في الشارع العمومي خاصة اللواتي لا يرافقهن ذكور عاهرات حتى يثبت العكس.
لقد أصبحت النظرة للمرأة مختزلة في جسد ورغبات جنسية، فهي أما أنها كلها عورة علينا سترها أو هي سلعة يجب تعريتها، وفي كلتا الحالتين ساهم توقف مسيرة الاصلاح الديني الذي بدأ مع مصلحي عصر النهضة من أمثال : : جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده، وعلي عبدالرازق، ورفاعه الطهطاوي وقاسم أمين. بل غن تنامي الفكر الوهابي المتزمت مع نشأة دولة آل سعود وتأسيس جماعة الإخوان المسلمين في مصر سنة 1928 ساهم في تراجع قضية المرأة.
إن تغيير مكانة المرأة من مواطنة من الدرجة الثانية لا يمكن ان يتحقق إلا بتحقيق مواطنة كاملة وحقيقية للرجال والنساء على حد سواء، فلا يكفي تحقيق نسبة هامة من النساء المنتخبات خاصة عبر نظام الكوطا وهو ما تحقق خلال انتخابات 2002 . لأن الديمقراطية الحقيقية تقوم على المساواة والكفاءة خاصة وان مثل هذه الحلول لا يلبث أن تتراجع بفعل الجمود الذي يلف الفكر التحرري سواء لدى النساء أو الرجال.
إن مثل هذا المبتغى يتطلب إعادة النظر في القيم التي يتربى عليها اجيالنا، فلا يمكن ان نربي اجيال المستقبل على قيم القرن السابع الميلادي وبمواصفات بيئة بدوية جلفة تحكمها القساواة والغلظة. فمنظومتنا التعليمية في حاجة لإصلاح شامل يتخذ من المدرسة ورشة دائمة لتعلم قيم المواطنة الحقيقية والمدنية الحديثة والديمقراطية المنصفة.
لقد أشادت الجمعيات النسائية سنة 2004 بمدونة الأسرة واعتبرتها ثورة لصالح النساء، غير أن العشر سنوات التي مرت على تطبيق بنود المدونة أكدت أن هذه المدونة ما زالت في حاجة لتعديلات جديدة بل ويجب سد كل الثغرات التي تجعل ما يمنح بيد يسحب باليد الأخرى. إن النضال اليوم أصبح له عنوان عريض : منح كل الحقوق المدنية للنساء والرجال دون تمييز أو انتقائية والكف عن استغلال النصوص الدينية بهدف فرض دونية النساء باسم الإسلام