الدعايات الانتخابية انعكاس لعبثية واقعنا السياسي



صابرين فالح
2014 / 4 / 15

مع بدء العد التنازلي للانتخابات البرلمانية، التي ستجري يوم الثلاثين من نيسان المقبل، بدأ المرشحون سباقهم المحموم لكسب دعم وتأييد اصوات الناخبين، وانتشرت في عموم شوارع بغداد والمدن العراقية، ملصقات لمرشحين يتنافسون على 328 مقعد في مجلس النواب، ومن المتعارف عليه أن الحملات الانتخابية تنطلق عادة قبل فترة من أجراء الانتخابات، وتتسم معظم الحملات، في إطار معين من الشعارات التي تدعو لتحقيق مصالح المواطنين، لذلك يعتبر اختيار الخطاب والمواقف السياسية، مسألة جوهرية في كسب ود الناخبين وتحفيزهم على انتخاب كيانه الذي يرى أنه يلائم ما يصبو إليه من حياة كريمة في وطن آمن.
الحملات الدعائية لها أثر كبير، في تغيير رؤية الناخب تجاه الكيان أو المرشح، حتى أن البعض يرى بأن الدعايات الانتخابية قد تغير مسار الاستحقاق للكيان أو الحزب المرشح. وفي الدول المتقدمة تعتبر الدعاية الانتخابية، الركيزة الأساسية لكسب ود الناخبين ودعم الحزب أو الشخص المرشح، كما يحدث في أمريكا من تنافس يصل إلى مناظرات تلفزيونية بين الشخصين المرشحين للرئاسة، وهكذا الحال في الدول الأوربية وبعض دول الشرق الأوسط.
أما في العراق، فقد اختلفت أساليب الدعاية الانتخابية بشكل كبير ومدهش، لدرجة السخرية عما يحدث في البلدان المتقدمة، حيث ينتشر عدد هائل من الملصقات الدعائية المتشابهة إلى حد كبير، والتي تعيد أنتاج وجوه قديمة بشعارات مكررة وأخرى جديدة وغريبة في محاولة لمواكبة التطورات السياسية والاجتماعية.
فقد تميزت الحملة الانتخابية التي بدأت مع بداية هذا الشهر، بظاهرة ترويج الأزواج لزوجاتهم وبالعكس، بينما ظهرت ملصقات أخرى لمرشحات وهن يدعون لانتخابهن، بوصفهن زوجات (فلان الفلاني) مكتفيات بصورة الزوج، من دون صورتهن الشخصية، التي ظهرت باهتة في خلفية الملصق، من دون ظهور ملامحها واضحة. وفي ظاهرة غريبة أيضا، توجه بعض المرشحين إلى عشائرهم، فأعلنوا أنهم مرشحي العشيرة المعينة، غير آبهين بالناخبين الذين ينتمون إلى عشائر أخرى. وهناك من استخدم الدين ليروج لنفسه في حملته الانتخابية، فقد ذكر احد المرشحين انه رشح نفسه على اثر رؤيته للرسول يطلب منه أن يقوم بترشيح نفسه.
كما لوحظ استخدام بعض آليات المؤسسات الحكومية، للدعاية لمرشحين بعينهم، هم في حقيقتهم مدراء في هذه المؤسسات مستغلين مناصبهم للترويج لأنفسهم، وحث الموظفين والمراجعين على انتخابهم في ممارسة يحظرها قانون المفوضية العليا للانتخابات العراقية ويفرض عليها عقوبات مالية وإدارية.
لكن هناك من تجاوز كل هذه الحدود، في الدعاية لنفسه أو لحزبه بما لا يقبله عقل أو منطق، فما معنى أن يوزع بعض المرشحين أكياس من مادة (الهيل) أو(الدجاج) المطبوخ للترويج لحملته الدعائية، أهو استخفاف واضح لعقلية المواطن العراقي، أم جهل وقلة تقدير لمن سيتولى زمام أمورنا كأنه يريد أن يقنعنا من خلال بطوننا بأحقيته في أن نمنحه أصواتنا وثقتنا وكلا الحالتين مصيبة من المصائب التي ابتلي فيها الشعب العراقي، الذي كُتب عليه أن يرى العجائب والغرائب منذ أن أصبح معقل للديمقراطية الجديدة.
لكن لنستكمل كوميديا الدعايات الانتخابية التي أراد المرشحون أن يرونها لنا من غير أن يشعروا، من الذين سنمنحهم أصواتنا والحق في تقرير مصيرنا للسنوات المقبلة، فهناك من لجأ إلى صفحات التواصل الاجتماعي للترويج لحملته الانتخابية، بالطلب من أحد الناشطين على موقع التواصل الاجتماعي ( الفيسبوك) الذي رأى أن صفحته ناشطة ويزورها الكثيرون من أعضاء هذا الموقع بتأجير صفحته مقابل مبلغ نقدي عرضه على صاحب هذه الصفحة لكي يقبل بهذا العرض وهذا غيض من فيض.
لقد غابت البرامج الانتخابية للكيانات السياسية في مخاطبة الناخبين، تماما عن مشهد الدعاية الانتخابية، وهذا ليس ذنب المرشحين فقط ، بل أن جزء كبير من المسؤولية يقع على عاتق الناخب العراقي،ً فأكثر من أربع عمليات انتخابية جرت في العراق، للمجالس المحلية والنيابية، ولازال الناخب العراقي أسير الحزبية، والطائفية، والعشائرية. فلم يطلب الناخب من احد المرشحين برنامجه الانتخابي، أو تطلعاته المستقبلية، أو خططه حال فوزه بالانتخابات، حيث يجب أن تكون هناك آلية للحملات الانتخابية، ليست في الصور فقط ، وإنما من خلال الندوات والمؤتمرات واللقاءات الشعبية والبطولات الرياضية. لكن النواب والمسؤولون الحاليين في الحكومة، لجأوا إلى شاشات التلفاز والصحافة لفضح الخصوم السياسيين، والكشف عن ملفات فسادهم، بدلا من ان يتكلمون عما قدموه أثناء عملهم في الحكومة، ربما لأنهم لا يملكون أية انجازات ولم يقدموا شيئا في الأساس. أن هذا الكم الكبير من الكذب والنفاق والخداع , يثير السخرية المريرة على أولئك السياسيين الذين مارسوا العهر السياسي خلال فترتهم السابقة, ولذا وصل العراق إلى الحالة التي هو فيها اليوم.
الدعاية الانتخابية أو إدارة الحملة الانتخابية، هي نوع من أنواع الفنون، التي تحتاج إلى خبرة ودراية بقانون الانتخابات، والحملات الانتخابية، ومراعاة الشروط التي نص عليها قانون الانتخابات الذي صدر في 14 تشرين الثاني 2014، ومنها عدم استخدام دور العبادة بأنواعها، ودوائر الدولة، لعرض آراء وتصورات وبرامج المرشح الانتخابية، والترويج لها، وقد منع قانون الانتخابات استخدام الرموز الدينية في العملية الانتخابية برمتها، إضافة إلى منع وعدم استخدام وسائل التحريض على العنف والطائفية في كافة مراحل الدعاية الانتخابية. كما منعت وحرمت اللجوء إلى استخدام الأموال والهدايا العينية، من قبل المرشحين لتوزيعها على الناخبين، لغرض التأثير على قناعاتهم الانتخابية.
هذا بالإضافة إلى ما يتعلق بالمال العام، وقانون الانتخابات الذي نص على عدم جواز استخدام المال العام لصالح الدعاية الانتخابية. وفي الوقت الذي يعتبر العراق من أكثر دول العالم فسادا بحسب منظمات دولية معنية بهذا الشأن. ويحصل البلد على عشرات مليارات الدولارات سنويا من بيع النفط إلا أن البلد يشكو شح الخدمات وبطء مشاريع إعادة الأعمار نتيجة تفشي الفساد وتردي الأمن. يضاف لها المبالغ المهولة المصروفة على الدعايات الانتخابية.
كما ذكرت في مقالة سابقة، العملية الانتخابية هي عملية ديمقراطية حضارية، لو طبقت بالشكل الصحيح ووفق الأسس العلمية التي وضعت لها، لكنها تحتاج إلى وعي سياسي وحضاري، للناخبين والمرشحين معاً، مازلنا نفتقدها حتى يومنا هذا للأسف الشديد. أن بقاء نفس الوجوه التي تتصدر الحملات الدعائية هذه الأيام، تعني جريمة بحق أبناء الشعب العراقي، لأنهم اثبتوا فشلهم في المراحل السابقة، ولم يكونوا سوى مصدر للأزمات والخلافات، ولم يكن لديهم أي مشروع وطني، علينا ان لا نعيد انتخابهم من جديد مهما روجوا لأنفسهم بدعايات أقل ما يقال عنها بأنها بائسة، لكنها في النهاية تعكس حقيقتهم التي لن يستطيعوا إخفائها بعد اليوم، فقد آن الأوان لوضع حد لمأساتنا ولتخلفنا كي نصرخ بوجه دعاة الطائفية والعنصرية والعشائرية لن تخدعونا بعد الان فنحن عراقيون أولا ولن نختار الا العراقي.