لا ثبات للقوانين الوضعية في مسيرة حياة متغيّرة



إيمان أحمد ونوس
2014 / 4 / 18

خلال تناولي للمواد التمييزية ضدّ المرأة في القوانين السورية تماشياً مع عمل اللجنة المُشكّلة من أجل دراسة تلك المواد والقوانين للنظر في إمكانية تعديلها بما يتوافق والدستور والاتفاقيات الدولية ذات الصلة، عادت بي الذاكرة إلى ندوة أقامتها الجمعية الوطنية للتوعية الاجتماعية تحت عنوان(الرجل والمرأة.. مساواة أم تكامل.؟)، وخلال مناقشة مصطلح الجندر قالت الدكتورة لينا الحمصي:
" ... علينا نحن أن نكون معتدلين لأنه لهذا المصطلح إيجابيات تتمثل في:
تمكين المرأة، دمج المرأة في المجتمع، رفض تهميش المرأة في المناصب المتعددة وباقي الميادين، لأن من حرم المرأة هذه الحقوق في القيم والثقافة الاجتماعية ليس تكوينها الفيزيولوجي، وإنما التمييز الممارس ضدها.
أما السلبيات فتتمثل في:
- إلغاء القوامة في مصطلح الجندر، فما علاقته بالقوامة..؟ إنهم يؤطرون للحرية الجنسية وهي ما أكدت عليه اتفاقية السيداو في الفقرة المتعلقة بـ ( المساواة المطلقة بين الزوجين، والطلاق بيدهما معاً)
علينا أن نمتلك أجندة خاصة بقيمنا العربية، إنهم يريدون تغيير قانون الأحوال الشخصية، لكن القانون قطعي لا يمكن أن يتغير، والثابت باقٍ مع أمور قابلة للتغيير. لا يجوز للمنظمات الأهلية النسوية أن تعمل بمعزل عن المؤسسات الدينية."

وانطلاقاً من هذا، أرى فيما ذهبت إليه الدكتورة الحمصي تناقضاً واضحاً بين ما اعتبرته إيجابياً في مصطلح الجندر، وما اعتبرته سلبياً. فبخصوص السلبيات أعتقد أن حماية أعراض النساء لا تتم بسبب سيادة مبدأ القوامة في التشريع الإسلامي، وإنما هو أمر متعلق بالمرأة من جهة، وبأخلاقيات المجتمع من جهة أخرى، فما لم تحفظ المرأة نفسها وتُحصّن ذاتها لا يمكن لأيّ قيّم عليها أن يحميها ويصون عفتها، وهنا يأتي دور التربية الأسرية وضرورة تعليم المرأة وإعطائها الحق في توكيد ذاتها من خلال منحها الثقة والاحترام بما يؤهلها لأن تكون إنسانة إيجابية في الأسرة والمجتمع.
أما بخصوص اتفاقية السيداو فلا أعتقد أن المادة/16/ من هذه الاتفاقية أشارت أو ألمحت في بنودها كافة إلى الحرية الجنسية، وإنما إلى المساواة التامة بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات فيما يتعلق بالأمور الزوجية والأسرية، إلاّ إذا ارتأت الدكتورة أن مساواة المرأة بالرجل فيما يخص قضايا الزواج والطلاق والحضانة والنفقة قضايا تدعو للإباحية، علماً أن هذه المادة من أهم المواد التي تحفّظت عليها سوريا والتي نعمل جاهدين للعمل على رفع تلك التحفّظات التي أفرغت الاتفاقية من مضمونها الأساسي.
وبالعودة للإيجابيات التي تحدّثت عنها الدكتورة الحمصي كتمكين ودمج المرأة في المجتمع، ورفض تهميشها في الوصول لما تستحقه من مكانة علمية وعملية وفي كافة الميادين، فإن هذا يقتضي بالضرورة تعديل القوانين الموروثة التي تحتوي على تمييز كبير وعميق بحق المرأة وأهمها على الإطلاق قانون الأحوال الشخصية، لاسيما أنها اعترفت أن من حرم المرأة تلك الحقوق هي القيم والثقافة الاجتماعية، وليس تكوينها الفيزيولوجي، واستناداً إلى وجهة نظرها هذه، فإن أحد وجوه تلك القيم والثقافة هو قانون الأحوال الشخصية بتناقضاته وتمييزه ضد النساء، والذي اعتبرته قانوناً قطعياً وثابتاً لا يمكن أن يتغيّر وفق أمور قابلة للتغيير. فكيف استقامت لديها الأمور هنا، عندما منحت قانون الأحوال الشخصية مرتبة القداسة رغم أنه قانون وضعي استقى من الشريعة ما ناسب الفترة الزمنية التي سُنَّ بها اعتماداً على الوضع الاجتماعي والموروث الثقافي والديني السائد في ذاك الزمان، والذي لم يعد يتماشى مع المتغيّرات الحاصلة على وضع المرأة والأسرة والمجتمع في عصرنا الراهن، ولا مع ما تُطالب به هي نفسها من تمكين ودمج المرأة، وفتح السبل أمامها لتبوء مناصب ومكانة تليق بما وصلت إليه.
لذا، فإن جميع القوانين الوضعية التي صاغها مشرّعون بشر قابلة للتغيير والتعديل وحتى الإلغاء تماشياً مع التطور العلمي والثقافي والحضاري للمجتمعات الإنسانية، إذ ليس من المعقول أن يبقى الناس أسرى لقوانين عفا عليها الزمن، ولم تعد متلائمة مع ما وصل إليه إنسان العصر رجلاً كان أم امرأة..
إن وجهة النظر هذه لا تدعم سوى أولئك الرافضين وبشدة تعديل القوانين السورية بما يتوافق وروح الدستور والاتفاقيات الدولية، لاسيما قانوني الأحوال الشخصية والجنسية، متناسين أن تمكين ودمج المرأة في المجتمع لا يتم تحت مظلة هذه القوانين التي تُعطّل كل انطلاقة للمرأة من جهة، وتعمل على تقييد حركة وتطور المجتمع من جهة أخرى، وبالتالي سنبقى ندور في حلقة مُفرغة تُبقينا ما حيينا مجتمعات مشدودة وبقوة إلى أطلال واهية تُسمى خصوصية وقيم مجتمعنا، لأن القيم بمجملها تسعى وفي كل المجتمعات لتطور ورقي عقل وفكر الإنسان الذي يستدعي معه تطور وتغيّر القوانين الناظمة لمعيشته وعلاقته بباقي أفراد المجتمع.