فضاء الثوب ..فضاء المرأة



فرات إسبر
2005 / 7 / 18

أن ما يدهش اليوم من مقالات وتحليلات وتنظريات حول حجاب المرأة ، أن المرأة المعنية بالموضوع والتي يعود لها وحدها حق الرفض أو القبول لما يثار عنها وحولها ، لم يٌترك لها الفرصة للتعبير عن رأيها في من يقرر وينهي عنها ويدعوها إلى التحجب كي لا تسقط في فخ الفتنه ،وأن كل امرأة لا ترتدي حجابا هي الأكثر قربا واقترابا من الخطأ بكل معانيه .
كثير من الكّتاب الذكور يطرحون آرائهم ورؤاهم الفكرية حول المرأة وفي كل القضايا التي تتعلق بها سواء أكانت سلباً أم إيجاباً لمصالحها وللمدافعين عن حقوقها لتبقي مصانة ومحصنة من كل أثم وسوء وكأن حجابها هو بيتها والنعيم الذي يغرقها الزوج به ويهيئها إلى جنات النعيم حيث الحوريات الموعود بهن للرجال الصالحين في الأعالي .
لطالما تشغل المرأة الرجل وتحمِّله بالإضافة إلى أعباء البيت والعمل في الداخل والخارج أعبائها الخاصة من مساحيق وأدوات تجميل حسب قول أحد الكتّاب ، وها هو اليوم يلوح لها بأهمية الحجاب وقيمته الأدبية والثقافية والحضارية ، بالإضافة إلى كونه منصوصا عليه و يجب على كل مسلمة أن ترتديه .
من الصعب على أي رجل في العالم أن يقرأ نفسية المرأة ومهما كان قريبا منها سواء أكان صديقا أو زوجا أو صاحب سلطه دينيه أو مالية أو سياسية عليها .
وباعتقادي أن كل سلطة ورقابة لا تكون نابعة من ذات الشخص سواء أكان رجلا أو امرأة لا يعول عليها وبقدر ما يٌضغط على المرأة وٌيملى عليها خارج أرادتها ،تكون النتائج غير مضمونة العواقب إلا في حالات نادرة قد يكون منها عامل الخوف التي تعيشه المرأة بشكل عام.
في الحقيقة أن ما أكتبه لا يعني أنني ضد الحجاب أو ضد المرأة التي ترتدي الحجاب وكنت وما زلت معجبة أشد الإعجاب بسيدات محجبات يقمن بكثير من الأعمال المهمة ولهن دور كبير في المجتمع وذوات مناصب إدارية وثقافية وسياسة يتقاسمنها مع الرجال وخير مثال يذكر مذيعات قناة المنار الفضائية ،وسيدات داخل البرلمانات العربية .
ولكن ما يدفعني إلى الكتابة هو تبجح بعض الكتّاب والمنظّرين حول أهمية الحجاب والتحجب متناسين التعريف اللغوي لهذه الكلمة .
فالحِجَاب جمع حُجٌب وهو ما حال بين شيئين ، حجاب المرأة يمنع عنها الضوء والشمس وبذلك تكون المرأة قد حجبت عن الحياة ، كون الضوء والشمس أهم عناصر الحياة ، سواء للنبات والحيوان ، فما بالنا بالإنسان بالإضافة إلى الكثير من الآثار التي تنجم عن ابتعاد المرأة التي هي نصف المجتمع عن الحياة بكل أبعادها .
الحكاية ببساطة سهلة ،وحرية التعبير خارج جدران الرقابة اسهل ما تكون وعلى الجنس الآخر أن يخفف من حميته تجاه حجاب المرأة وأن يهدأ من روعه كل من رأى امرأة ترتدي حجابا أن يتوقف ويسأل هذه المرأة ما الذي دفعها إلى ارتداء الحجاب أهو الإيمان بالإسلام وتعاليمه أم الخوف من زوجها أن لا يرمي عليها يمين الطلاق أو لتحقيق رغبة الأب أو الأخ ؟
أنني ما زلت أذكر مادلين أولبرايت وزيرة الخارجية الأمريكية حيث كانت السيدة التي يقف لها الزعماء العرب ويرحبون بها عناقاً ومصافحة في أكثر الدول الإسلامية تشددا تجاه المرأة وتجاه الحجاب ،حيث كانت مواقفهم ومازالت من كل امرأة تدخل حدود البلاد عليها أن ترتدي العباءة وإن لا تظهر عورتها!!! وهذا ما حدث لصديقتي التي عينت أٍستاذة في إحدى الجامعات إذ فرض عليها ارتداء العباءة كشرط لدخولها للبلاد.
بينما مادلين أولبرايت تحمل أجمل الذكريات والهدايا من رجال شرعوا الحجاب لنسائهم .
ولم تكن كونديرا رايس أقل حظاً من سابقتها وها هي اليوم تلعب نفس الدور لتقدم نموذجا لنساء الغرب ،إذ عندنا الأجدر والاهم منها بكثير ولكنها لا تعامل كما تعامل هذه الأخيرة و لولا الحياء لتؤخذ بالأحضان في كل جولاتها في المنطقة العربية التي تحتجب نسائها تحت شعار العفة والفضيلة لتقوم هذه المرأة _ الحاكمة _بأهم الأدوار في تاريخ هذه المرحلة بالنسبة لأمريكا .
أن الرجال اللذين يفضلون المرأة المحجبة-ولا أعني أمهاتنا وجداتنا كبيرات السن ، فلكل عمر حقه وزيه - لا يعترفون بأن هناك أسباب ونوازع تربوية تلقوها بالوراثة ولكنهم ينسبوها إلى النص القرآني متناسين أو غاضين الطرف بأن القرآن الكريم يلائم روح العصر ومتطلباته وهو علم الماضي والحاضر والمستقبل.
يوجد في المجتمعات العربية وحتى الغربية نماذج للحجاب ليست مقبولة بأي شكل من الأشكال ومهما كانت ردود الأفعال على كلامي هذا ،إذ ليس من المنطق ولا من العقل ولا من الدين الإسلامي بشيء أن ترتدي طفلة في السادسة او السابعة من عمرها حجابا ،ترتديه بين أقرانها في المدرسة او الشارع أو أي مكان ما من الأرض.
أي فتنه أو أغراء سيظهر من هذه الطفلة ؟؟
وهل على كل الفتيات الصغيرات حتى يكن مسلمات حقيقيات أن يرتدين الحجاب ؟
تخيلوا هذه الطفولة المحجبة المحجوبة!!!!!!
أن الأطفال هم ملائكة الله على الأرض ، ولكن هل هم الذكور والإناث معاً؟
أم أن المقصود بهم الملائكة من الذكور فقط ؟؟
أنني هنا لا أتطرق إلى موضوع الحجاب من جانب شخصي وكنت وما زلت أحترم الحريات الشخصية التي تقررها المرأة لذاتها سواء أكانت محجبة أم لا ، ولكن الموضوع الذي أطرحه ليس جانبيا أو بعيدا عن المرأة المحجبة ،وهنا أطرح رأيها بصدق وموقفها من ذاتها ومنمن فرض عليها عنوة هذا الحجاب الذي يقيدها عقلا قبل أن يقيدها جسدا.
لن أدخل في التنظيرات كغيري من الكتّاب الذين لا يرون الا الجانب الخارجي الذي يرغبون به ابتغاءً لمتطلباتهم الاجتماعية وعقلياتهم باسم الدين دون التفكير بهذه المرأة التي يخلقون لها ومن حولها قصة الثواب والعقاب والالتزام وكأن كل امرأة سافرة شيطان أخرس مصيره النار وستصل أصوات عظامهن المشوية إلى أخواتهن في الجنة المقابلة ،ولكن هل وقف كل واحد من هولاء وسأل نفسه يا ترى ما هو موقف المرأة المحجبة مما أكتبه وأنظّره عنها ؟
هل هي راضية ومقتنعة بما أكتب ؟
هل هي مؤمنة بأنها غير جديرة بأن تواكب روح العصر ، وأن قدمها في أضعف زاوية للهبوط في مهاوي الفتنة فيما إذا ألقت بكل ما يقف في طريقها ويجعل منها تابعة قولا وفعلا ؟
حبذا لو وقف كل منظّر ومشرّع أمام هذه الأسئلة ووضع نفسه مكان هذه المرأة التي يدور حولها ومن حولها كل شئ وهي لا علم لها به ولا رأي ولا قناعة ولا حجة ولا حول ولا قوة ،ومن يسن القوانين لها هو بالمقابل سيّافها.
لا أكتب بعيدا عن رأي المرأة المحجبة، بمعنى أنني لا أرتدي حجابا فهذا يمنعني أن أكتب عنها ، لأنني بذلك أتجاوز حريتي لأتعدى على حرية غيري كما يفعل الرجال ، ولكن عندما يكون الأمر يتعلق بالمرأة المحجبة التي ترغب في الحديث عن ذاتها وحجابها أمام امرأة مثلها فأن ذلك من الحق أن نسمع ونفهم إذ لا يحق لأحد إقحام نفسه في أمر لا علاقة له به، إلا إذا دخل من باب الوصاية والقوامة المشكوك بها في هذه الزمن الذي أستبدل الجمل بالصاروخ
_فضاء المرأة المحجبة ….. لسانها
حرية التعبير حق من حقوق أي أنسان له لسان سواء أكان ذكر أم أنثى بغض النظر عن حقوق الإنسان المتعارف عليها شكلاََ لا فعلاََ .
سيدة قدمت إلى نيوزلندة بغطاء الرأس ولكنها اليوم تشعر به كثقل الجبال على رأسها على حد تعبيرها ..
قالت لي :
"صدقيني لا أطيق نفسي وأشعر أنني مرغمة على ارتدائه وأنا لست مقتنعة به ولكن زوجي يريد هذا ويقول لي يجب أن ترتديه هنا لأن هذه بلاد الكفار ، وتابعت حديثها إذ قالت المشكلة بالنسبة لي ليست مهمة بقدر ماهي مشكلة بالنسبة لأبنتي التي ترتديه والتي لا تستطيع الانسجام مع بنات جيلها، والبنت لم تعد ترغب في المدرسة لأنها لا ترى أحدا مثلها في هذا الزي .. فقررت بالاتفاق مع أبنتي على نزعه بمجرد الدخول إلى باب المدرسة وارتداءه أثناء الخروج كي لا يراها والدها سافرة الرأس .
هذه حالة من الحالات في بلد غربي ، ولكن مثل هذا يحدث الكثير في البلاد العربية حيث تغافل الزوجة زوجها أو الأخت أخاها أو الابنة أباها وترفع الحجاب وترميه جانباً في حالة غياب من فرض عليها حجابا لا تريده، وهذا ما كان يحدث مع صديقات لي في الجامعة إذ كانت الواحدة منهن تدخل الجامعة بغطاء الرأس ولكن بمجرد العبور من الباب الأمامي إلى استراحة الجامعة حتى ترى كل ما فيها تغير وتقول هذه طالبة أخرى أصبحت عارضة أزياء وكأن ورشة من عمال مساحيق التجميل كانت تعمل معها ؟؟؟؟!!!!
قد يقول قائل هذه مجرد استثناءات من بين النساء ، ولكن وللحقيقة لو أجريت إحصائيات جريئة وسليمة لتبين أن نسبة الرافضات للحجاب تساوي مائة بالمائة كما هي نتائج انتخاب الحكام العرب ولكن باختلاف بسيط ومهم هو زيف الحالة الثانية وغباءها أما الحالة الأولى فالوقائع المحجوبة عن الواقع تدلل على صدقها وجديتها .
_ حيرة ……وخوف
صديقتي القاضية والتي تترأس عملها في محاكم دمشق ولا أدري إذ مازالت على رأس عملها أم لا؟
قبل أن تتزوج كانت غير محجبة وعندما تزوجت فرض عليها الزوج "المحامي" ارتداء الحجاب وكان الحجاب شرطا لأكمال هذا الزواج وبعد معارضة الأهل لهذه الفكرة الزوج لم يقتنع ،مع الإشارة إلى أن العائلة من مدينة" حماة "ولكن الله في خلقه شئون وعقول .
ارتدت القاضية الحجاب ليتم الزواج وُيبارك ، ولكن الموضوع لم ينتهِ هنا وما كان أمامها من وسيلة إلا ما كان يحدث في استراحة الجامعة.
_حكايات .. تستحق ا لحكي
حينما تعرفت إليها كانت ترتدي غطاء الرأس وبعد مضي أكثر من شهر على ارتداءها الحجاب رأت أنه يجعلها أكبر في السن وتبدو كعجوز . وبمباركة من الصديقات وحماتها ارتدته ولكن يا للهول اكتشفت أنه أخذ من جمالها الكثير وهي اليوم حائرة لا تدري ماذا تفعل فهي لا تجروء على نزعه خوفا من حماتها مع أن زوجها لا يمانع ولكن هو أيضا يخاف من أمه .
_ رأي الطبيب
كانت الأكثر جرأة ولو بطريق الكذب كي تخرج من حيرة الأسئلة التي قد تتعرض لها .
تعرفت إليها وهي محجبة وبعد فترة زارتني حاسرة الرأس لم أعرفها وضحكنا ……وقلت لها بصراحة :
صرت أجمل ……
ولكنها لم تجد طريقا للتهرب من قول الحقيقة سوى ادعائها بأن الطبيب أنذرها إذا لم تخلع الحجاب سوف تتعرض لمرض خطير في رأسها لأنه يثقل على أعصاب الرأس
ضحكت .. ومرت الكذبة بسلام .. هذه حريتها ولها الحق أن تجد الوسيلة التي تبرر بها ما فعلته .
كثير من القصص التي لم تسرد وكثير من الحكايات التي نعرفها داخل الجلباب وخارجه .
ثمة امرأة يتحدث الجميع عنها دون أن تُسأل
ما أحوجنا اليوم إلى نساء يحتذي بهن وخير مثال يذكر ما فعلته "قرة العين " إذ كانت أول امرأة تخلع الحجاب وتجتمع بالرجال وتخالفهم الرأي في الفقه والشريعة حتى أن بعض مخالفيها الرأي لم يتحملوا فكرة أن تخالفهم امرأة الرأي ولم يمتنعوا أن ينعتوها بابشع الألفاظ .. ولكن التاريخ لم ينساها إذ كانت من أسماء الأعلام التي وردت في "محيط المحيط "وتحدث عنها علي الوردي في كتابه تاريخ العراق إذ ربط الحديث عنها بالتحولات التاريخية التي حدثت في تلك المرحلة التي عاشتها و أكد علي الوردي بأنه حتى نقرأ التاريخ جيدا في تلك المرحلة علينا أن لا نتجاهل "قرة العين" وما قامت به خلال مراحل حياتها .
و قرة العين هي امرأة قزوينية ، هاجرت إلى العراق وعاشت فيها فترة من الزمن ، أتقنت اللغة العربية والحديث والقرآن حوكمت وأعدمت .
أن " قرة العين " حسب رأي علي الوردي امرأة لا تخلو من عبقرية وهي ظهرت في غير زمانها أو هي سبقت زماننا بمائة سنة على الأقل ،فهي لو نشأت في عصرنا هذا لكان لها شأن أخر وربما كانت أعظم امرأة في القرن العشرين .
وأنا أيضا أقول ما أحوجنا إلى نساء كثيرات مثل قرة العين في كل البلاد الإسلامية لنقف ونقول لا لكل قوّام ونصير .. الذي يرانا بعين القصر .. التي تحتاج إلى مدٍ يناسب العقل والعصر .