نساء قائدات



فريدة النقاش
2014 / 5 / 14

“نساء قائدات اليوم وغدا” هو موضوع المؤتمر المصرى – الألمانى المشترك الذى نظمته جمعية النهوض بالمشاركة المجتمعية فى مصر بالاشتراك مع رابطة المحامين الألمان، وعقد المؤتمر دورتين، واحدة فى القاهرة قبل أسبوعين والثانية فى برلين الأسبوع الماضي، وتكاملت فى الدورتين الرؤية الشاملة لقضايا النساء وأوضاعهن وفرصهن فيما يتعلق بالوصول إلى المواقع القيادية فى المؤسسات التى يعملن بها حكومية أو خاصة، ومدى توفر فرص تأهيلهن للوصول إلى هذه المواقع.

ومرة أخرى – ولن تكون الأخيرة – ستصبح المعوقات التى تحول بين النساء والوصول إلى هذه المواقع موضوعا للنقاش، والجديد هذه المرة هو إمكانية المقارنة بين الوضع فى بلد متقدم صناعيا وديمقراطيا وبلد نام لاتزال الصناعة فيه ناشئة مثلها مثل الديمقراطية، والإشارة إلى الصناعة هنا ضرورية لأنها تفتح الباب أمام تشكل قاعدة كبيرة من النساء العاملات اللاتى ينتظمن فى النقابات والأحزاب وتخرج من بين صفوفهن نساء قائدات فلا يقتصر الأمر على نساء الطبقة الوسطى أو الميسورات، وتضمن مثل هذه القاعدة الاجتماعية المتطورة مددا متصلا من النساء القادرات على النهوض بمسئوليات القيادة فى مستوياتها المختلفة.

ورغم كل التقدم الذى أحرزته البشرية على طريق تحقيق المساواة بين البشر وبخاصة بين الرجال والنساء فلا تزال الثقافة الذكورية الطبقية تمارس التأثير الأقوى على وعى المجتمع فى كل مكان وإن تفاوتت نسبة هذا التأثير ومدى انتشاره من بلد لآخر طبقا لمستوى التطور العام فى هذا البلد أو ذاك.

ولاتزال مؤسسات إعلامية قوية هنا وهناك ترى أن شغل امرأة لمنصب قيادى هو تجربة فاشلة، وفى هذا السياق تعيد إنتاج كل الحجج والمقولات البالية المعادية للنساء والتى تراكمت على مر العصور تعبيرا عن التحيزات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ضد النساء، ولايزال أمام النساء مع كل القوى الديمقراطية مشوار طويل لمحو كل هذه الحجج والمقولات من الوعى البشرى وذلك عبر التغيير الجذرى للأوضاع الواقعية التى تنتجها.

وكما كافحت النساء المصريات لربع قرن من أجل تغيير قانون الجنسية ليعطى جنسيتها لأبنائها من زوج أجنبى أسوة بالرجال، كافحت النساء الألمانيات طويلا لإلغاء مادة فى القانون كانت تنص على أن المرأة لكى تعمل لابد من موافقة خطية من زوجها، وجرى إلغاء هذا النص فى السبعينيات التى كانت عصرا ذهبيا بالنسبة لكل قضايا التحرر الإنسانى ومن ضمنها حرية النساء.

ومع ذلك فلايزال توزيع المهن عامة ما بين الجنسين توزيعا نمطيا يتم أحيانا بصورة تلقائية فيبدو كأنه أمر طبيعى حجب بعض الأعمال عن النساء ومن ثم إغلاق الباب من المنبع أمام تطورهن أو الوصول إلى المواقع القيادية.

ولايزال النضال من أجل أجر متساو للعمل المتساوى على أشده فى كل مكان باعتبار ذلك هو أحد معايير المساواة الحقة، مع ملاحظة أن واجبات الأمومة ومهام إنجاب الأطفال ورعايتهم قبل سن الحضانة والمدرسة مازالت فى الغالب واجبات نسائية رغم أن بلدانا متزايدة تعطى قوانينها هذا الحق للرجال للحصول على إجازة الأمومة.

كان الدفاع عن الكوتة “الحصة” عنصرا مشتركا فى نقاشات “القاهرة” و”برلين” بعد أن بينت تجارب النضال من أجل المساواة فى العالم كله أنه لو ترك الناس الأمور للتطور الطبيعى دون تدخلات حاسمة من الدولة لاستخدام ما أسمته الأمم المتحدة بالتمييز الإيجابى كتدبير مؤقت فإن إقرار المساواة الحقة فى الفرص والموارد والنتائج بين الرجال والنساء سوف يستغرق قرنا ونصف القرن طبقا لحساب ألماني.

وتتضمن التدابير المؤقتة إضافة إلى نظام الحصة فى كل المجالات والمؤسسات وليس فى المجال السياسى البرلمانى والمحلى فقط، نظاما مؤسسيا لإعادة تأهيل النساء وتدريبهن عبر آليات مرنة أثناء إجازة الأمومة حتى لا يفقدن فرص الترقى وصولا إلى المواقع القيادية، حيث تتراجع قدرات النساء المهنية فى ظل الانخراط فى الإنجاب ورعاية الأطفال مما يتسبب فى آلام نفسية كثيرة للنساء الطموحات فتتعرضن للإحباط والاكتئاب.

وتتفاقم مثل هذه الظواهر المرضية فى البلدان التى لا تملك بنية تحتية كافية وذات كفاءة لرعاية الأطفال، ويصبح هؤلاء الأطفال عبذا على الأم وحدها فى ظل انتشار الثقافة الذكورية التى تضرب بجذور عميقة فى وعى المجتمع كله وفى وعى النساء أيضا.

أثبتت العولمة أن القضايا المحلية جدا تتراجع بشدة فى كل البلدان أمام ما هو إنسانى مشترك وهو ما يعمق أسس تعلم الشعوب من بعضها البعض وإدراك ما فاتها خاصة الشعوب التى تعرضت لمراحل طويلة من القهر الاستعماري، وهو الجانب الإيجابى فى العولمة الرأسمالية وتجلياتها الوحشية الأخري، فرغم كل التحديات والعقبات الكأداء التى تقف فى طريق تحرر النساء خاصة فى البلدان النامية ينفتح أفق جديد للتعاون والتعليم المشترك وعبر هذا الأفق تصل النساء إلى النجوم.. إلى القيادة بجدارة وهو الوصول الحتمى المرهون أخيرا بإسقاط كل أشكال الاستغلال.