حقوق المرأة من قبل المهد الى ما بعد اللحد( 5 ) اهمية قانون الاحوال الشخصية



خالص عزمي
2005 / 7 / 20

من مجمل ما عرضناه يصبح من الراجح ان كل اسلوب من التعالي الذكوري
انما يستند في قوته الى التقاليد التي تمنحه سلطة الهيمنة على الجنس الآخر؛
تلك التقاليد التي تضع ذلك النموذج المقيت من السيطرة بحجة الرجولة او
الكرامةا والشرف ؛ و التي هي في واقعها تأكيد على على الرغبة المتأصلة في
جعل الصورة الانثوية في غاية التدني والمهانة امام الصورة الرجوليـــــــة
التي تسعى للاحتفاظ بمكانتها المتعالية ابدا.
يرى الكثيرون في شرقنا ان كفة الرجولة لايمكن لها ان تبقى متفوقـــــة الا
الابهبوط الكفة الانثوية ؛ وتأسيسا على ذلك فأن ازاحة مثل هذا الخلـــــل
سيؤدي الى اعادة ميزان العدل الى المكان الطبيعي على قاعدة مستقيمة مــن
من المساواة وذلك حينما ينحسر ثقل العادات والتقاليد بحيث لايؤثر ابدا
على كفتي التوازن الذي تسعى اليه الانسانية في مسيرتها المعاصرة. و
عندما يصل المجتمع الى هذه الحالة الصحيةالبعيدة عن السطوة والجبروت
والتعسف في استعمال الحق ؛ عندها ستعمل الدولة من خلال المشرعين
علىوضع قانون جديد للاحوال الشخصية يتماشى مع سنة التطور و
حركة المجتمع الناشط في مجال المساوة الحقيقية ما بين الجنسين ؛
وكم ارجو ان يكون واضحا تماما انني حينما اتطرق الىموضوع القانون
يهذا التركيز فانني لا اقصد وطني العراق وحسب وانما اقصد دولا
تحتاج الى مثل هذا القانون ايضا و الذي سيكون مدعاة فخر وتطبيق من
قبلها حينما تهدف الى المساواة العادلة والمتسامحة تجاه المرأة.لاشك ان
هناك خللال يعرفه الجميع وهناك اجحافا يقر به المجتمع ؛ ولكن العلة تكمن
في المبادرة الفاعلة والمؤثرة في التغيير نفسه دونما اية ضغوط متأتية من
التقاليد او العادات او الاعراف او الهيئات المستفيدة من ذلك كله؛ بحيث لا
يتحرج المجتمع الرجالي من الاستجابة لعوامل تلك التغيرات الجذرية ...
ان قانونا للاحوال الشخصية يستقرأ مسيرة التطور الاجتماعي ويستشرف
تجدد العادات المستحدثة لتحل محل البالي منهاو الذي اجتر اكثر مما يجب
؛ انما هو ذلك القانون الذي يتسم بالريادة والجرأة والموضوعية ويدخل
باب التاريخ التشريعي والاجتماعي من اوسع الابواب ليثّبت ركائز المساواة.
كما ارجو ان لايفهم بان قانون الاحوال الشخصية متى ما صدر بهذه الصيغة
سيكون فيه الحل والعقد بالنسبة للمبدأ العام ؛ اذ ان هناك مجموعـــة مـن
القوانين يتوجب تعديلها لتتماشى مع التطور الحديث ؛ كالقانون المدني
وقانون العقوبات وقانون المرافعات المدنية و قانون اصول المحاكمات
الجزائية اضافة الى كثير من الاحكام الورادة هنا او هناك كاحكام الميراث
والوصية والهوية والنفقة ؛ بل هناك قرارات لمحكمة التمييز في مجالي النقض
او الت. صديق ما يشكل سوابق قضائية يمكن الافادة منها او حتىالاستئناس بها
كوقائع تطبيقية يمكن الافادة منها في تثبيت حقوق المرأة على مختلف الاصعدة.
وهنا يستحسن ضرب بعض الامثلة الواقعية مما كان يجري في سوح القضاء:ـ

ــ كان هنالك وزير اسبق من الشخصيات السنية المرموقة والمشهورة بالثروة
والجاه العريق ؛ اراد ان يضمن حقوق بناته الاربع وليس له دونهن ولد ؛
فاسترشد ببعض المحامين ليدلوه على ما يرونه مناسبا للحيلولة دون ضياع
تلك الثروة بين الاقربين ؛ فما كان من بعضهم الا ان زين له فكرة تبديل مذهبه
من الحنفي الى الجعفري ؛ وبهذه الطريقةالوحيدة سيضمن حقوقهن .فحضر
امام القاضي الجعفري وثبت تغيير مذهبه وحصل على قرار بذلك.

ــ من الدعاوى التي ترافعت فيها هذه القضية:ـ كان ( ع . ح ) جعفري المذهب قد
تزوج مجددا من امرأة في الخمسين من العمر حينما كان هو في الستين على اثر
وفاة زوجته الاولى التي لم تنجب له سوى بنتا وحيدة هي ( ل.ع) والتي ذاقت
االامرين بعدئذ من معاملة زوجة ابيها القاسية و السيئة.
وحينما بلغت الفتاة الثانية والعشرين تزوجت من ضابط كان على جانب متين من
الاخلاق الحميدة والثقافة العامة والمعاملة الحسنة مما انساها الايام المرهقة التي مرت بها .
الا ان زوجة الابلم تتركها وشأنها على الرغم من سكناها بدار مستقلة بعيدة عنها......
وحينما بلغ الاب الثمانين من العمر اصيب بمرض عضال اقعده الفراش ثم تفاقم عليه
المرض... أدركت زوجته ان موته اصبح وشيكا مما يتطلب اجراءا يهبط
بحصة ابنته الى ادنى ما تستحق من ميراث ؛ عليه فقد نصحها الاخرون بان تطلب
من زوجها ان يغير مذهبه من الجعفري الى الحنفي.. ففعل ذلك وارادته مسلوبة.
بعد اسابيع توفي الزوج .وانحصر الارث ؛ واحست الفتاة بما نصب اليها من كمين وادركت
ان حقوقها في طريقها الى الضياع؛ فكان ان راجعتني... وبعد شرح مفصل في كل ما جرى
لها مع ابيها وزوجته؛ اتفقنا على اقامة الدعوى بسبب التصرف الكيدي و مرض الموت .
واستمرت الدعوى في المحكمة مدة طويلة جمدت فيها الاموال ومنع فيها التصرف لحين النتيجة
ثم حسمت لصالح البنت بدعوى تخارج . وهكذا ادى تغيير المذهب الى اضاعةالجهد والوقت
والحرمان من التصرف بالميراث لمدة تزيد على السنتين ؛ وما كان الهدف من وراء كل ذلك
الا التعسف وحرمان البنت من حقوقها . ولو كانت ( ل.ع) ولدا لما اضطر الوالد لتغيير مذهبه
ولنال ولده كامل حقوقه من الارث دون كل ذلك الف والدوران.

ــ حدثني نقيب المحامي الاسبق المرحوم حسين جميل قال:ـــ
كان هنالك شاب يعمل في دائرة البريدفي بلدة عينت فيها قاضيا كتب له ان يتزوج من فتاة جميلة
معلمة في ذات المدينة ؛ ولانهما من معدن اصيل فقدتعاونا على العيش بكرامة ومحبة وتنظيم
دقيق لتصرفاتهما المالية و بعد رحلة طويلة من العمل والجهد وصل بهما المطاف الى التقاعد؛
فاختارا السكن في بغداد وفي محلة اعرفها جيدا هي محلة بني سعيد في الرصافة. الا ان اقاربها
لم يحاولا مرة زيارتها او التعرف على احوالهاباعتبار انها تزوجت من دون ان تستأذنهم في حينه ؛
اما الزوج فكان شخصية غير مرغوب فيها قبل ان يتعرفوا على خصاله وسجاياه واخلاقه....
وبعد سنوات من العزلة توفيت الزوجة. وحيث انها لم تنجب اطفالا فقد آن لهم الانتقام منها
باقامة دعوى مطالبة بمالهم من ( حقوق) باعتبارهم ( عصبة) ـ بالفتح ـ في جزء من الميراث
( من الراتب التقاعدي وبيت ا لسكن) وهو الذي كدت العمر كله لكي تشتريه . وقد اصدرت
المحكمة لأولئك الجاحدين الحاقدين بحصصهم من ميراث الزوجة التى ناصبوها العداء كل
حياتها. وهكذا لاحقها التمايز وغمط الحقوق حتى الى ما بعد دفنها في اللحد

وهكذا و لوضع حد للتصرفات الكيدية وغمط حقوق المرأة على مختلف المستويات التي شرحنا
بعضا منها ونثرنا بينها كما ضئيلا من النماذج الواقعيةالتطبيقية التي جرى تفعيلها بحســــب
الموقف والظروف والحب والكره والتسلط والى ما غير ذلك فقد صدر قانون امتطور للاحوال
الشخصية رقم 188 لسنة 1959 نتيجة جهد استثنائي بذله فقهاء وقضاة ومحامون بارزون من خلال
لجنة قانونية خاصة كانت مهمتها صعبة لولا تلك الشجاعة والعلم الغزير والاقدام على اصداره مثل
بذرة غرست في تربة صالحة ورعتها تلك الايادي الامينة الوطنية التي لم تعترف بالطائفية او العرقية
جدارا عازلا للحقوق والواجبات المفروضة على المرأة والرجل من دون تمايز اوغمط او تقافز بين هذا
المذهب او ذاك لغرض ابعاد حق او جر مغنم .
لقد وضع هذا القانون في بعض مبادئه الاساسية حدا اوليا للتخلخل الاسري فيما يتعلق بالهوية والنسب
والحضانة وكذلك في حالات تعدد الزوجات والتفريق والطلاق والنشوز والنفقة؛ كما ثبت قواعد لاتقبل
التأويل اوالاجتهاد في مجال الميراث حيث ساوى مابين البنت والولد في الحصةاو في الحجب رافعا
عن كاهل المرأة ذلك العبء الثقيل في عدم المساواة.
ولعل ابرز ركن في هذا القانون هو ان لاولاء الا للوطن وان المحاكم هي لكل المواطنين وعلى قدم
المساواة وامام ذات النصوص ومن دون اي تفريق بين هذا المذهب او ذاك... لقد حاول الاحتلال تمرير
القرار 137 سيء الصيت من خلال مجلس الحكم لكي يعيد العراقيين الى تلك العهود الباليةالتي كانت
فيها الافكار المنقرضةهي السائدة والطائفية هي التى تفرض املاءاتها واجتهاداتها امام محاكم شرعية
لهذا المذهب او ذاك ؛ الا ان الشعب العراقي بقيادة طبقته المتنورة المثقفةاجهزت على تلك المحاولة
اليائسة الهادفة الى التفرق والتباعد والشحناء والبغضاء . .
ان الطبقة الواعية من الشعب العراقي مصرة و متمسكة بحقوق المساواة المستندة على نصوص
وثيقة الاعلان العالمي لحقوق الانسان وما يرتبط منها بالمعاهدات الدولية التي تنص على الحقوق
السياسية والاجتماعية......الخ وكذلك على اتفاقية القضاء على جميع اشكال التمييز ضد المرأة ؛
والاعلانالعالمي حول العنف ضد المرأ ة... ان الدساتير حينما تضع ضمن ركائزها الاساسية مبدأ
المساواة بغض النظر عن العرق ا والجنس ا والدين ا واللون ..... الخ لاتضعها لمجردالتحلية والتحسين
اوالتشبه بالاخرين ؛ او لتكون مجرد صورة جميلة على حائط ا لوطن ؛ بل ان جلها يعني كل
حرف يشير الى معنى الانصياع والاحترام والتنفيذ الفعلي لمفهوم المساواة الواردة بالتص
الدستوري الجليل...؛ وعليه فما دام الجنسان البشريان متساويين في تلك الحقوق والواجبات فلا
اجتهاد في موضع النص كما تقول القاعدة الكليةالقانوني...وحينما يرى المجتمع المدني وطليعته
ولكل هذا وذاك وحينما يرى المجتمع المدني وطبقته الواعية المثقفة؛ ان مبدأ المساواة في
الحقوق والواجبات ما بين المواطنين كافة قد عمت كل مناحي الحياة الاسرية والسياسيةوالاجتماعية
والتربوية ...الخ فأنه سيتفرغ الى التوهج الابداعي على شتى الاصعدة..........
وعندها سيزدهر الوطن بكل ما هو نافع وجدير باحترام الشعوب والدول المتحضرة
المؤمنة بالتحرر الحقيقي من الاحتلال البغيض من جهة ودعاة تقاليد الكهوف المظلمة من جهة اخرى


× باحث وقانوني عراقي مقيم في النمسا