القضاء السوداني ، وشبهات إقامة الحد .



حامد حمودي عباس
2014 / 5 / 19

مرة أخرى ، يطل القضاء السوداني الموغل في التخلف ، على العالم المتمدن ، معلناً قراره بقتل طبيبة مسيحية شنقاً كونها تزوجت بواحد من دينها رغم اصرارها امام المحكمة بكونها لم تكن مسلمة أصلاً .. حيث لم تنفع جميع الاحتجاجات الشعبية المنطلقة امام بناية محكمة جنيات ( الحاج يوسف ) في السودان صاحبة الاختصاص في القضية ، ولا مرافعات هيئة الدفاع عن المتهمة ، بأن يعدل القاضي المكلف بالنظر في الدعوى عن قراره المجحف ، وغير المستند لأي أساس قانوني مقبول .
مريم يحيى ابراهيم ، ابنة لرجل مسلم ، توفي أبوها وهي لا زالت صغيرة ، لا تملك مقومات الإقرار بدين ، وليست لديها القدرة على تبني أية فكرة عن محيطها الدنيوي غير ان لها أم مسيحية من أصل اثيوبي .. وقد ترعرعت تحت رعاية والدتها لتسير على نهجها التربوي ، وتتبنى عقيدتها الحاضرة معها على الدوام وهي المسيحية ، ولم تكن أية عقيدة اخرى تتواصل مع أواصر تفكيرها غير ما تدين به الأم المربية والقريبة منها قرب الأمهات .
نشأت مريم مسيحية ، واثقة من مسيحيتها ، كثقتها حين أجابت القاضي وبكل هدوء يوم المحاكمة .. ( أنا مسيحية ولم أرتد على الاطلاق ) .. وكان جوابها الثابت هذا قد قالته لرجل الدين الذي تحدث معها وهي في قفص الاتهام محاولاً اقناعها بالعودة عن ( ردتها ) للنظر باحتمالات الصفح عنها من قبل المحكمة .. انها مسيحية ولم تكن مسلمة في يوم من الايام .. وبذلك فان ( ما ذكرته مريم بأنها نشأت على دين أمها ، شبهة تدرأ الحد ) كما قال الصادق المهدي رئيس حزب الامة القومي بالسودان .. وقد طالب المهدي في بيانه حول هذه القضية ، بأن يصار الى تجميد المادة ( 126 ) من القانون الجنائي السوداني ولحين ( الاتفاق بين المسلمين حول الاجتهاد الصائب الذي يحقق مقاصد الشريعة ) .
الولايات المتحدة الامريكية ، وعن طريق ماري هارف مساعدة المتحدثة باسم وزارة الخارجية أبدت انزعاجها الشديد من طبيعة المحاكمة ، في حين قال مارك سيموند وزير شؤون افريقيا في الحكومة البريطانية (نحن مرتاعون بسبب هذا الحكم البربري ، والذي يسلط الضوء على الاختلاف الكبير بين ممارسات المحاكم السودانية ، والتزامات السودان باتفاقات حقوق الانسان الدولية ) .
منظمة العفو الدولية ( أمنيستي ) هي الاخرى هبت مذعورة من قرار الحكم ضد مريم يحيى ابراهيم ، وأبدت انزعاجها الشديد من هذا القرار اللاإنساني .
الملفت للنظر ، هو ذلك الصمت المزعج لجميع المنظمات العربية المعنية بحقوق المرأة واخفاقها في مساندة الضحية السودانية مريم ، واقتصار الأمر على الجماهير النسوية السودانية لوحدها ، حيث قامت وبمشاركة مبهرة من قبل الرجال المؤمنين بمباديء التقدم والمدنية ، بالتظاهر العلني والمطالبة باطلاق سراح الطبيبة المجني عليها فوراً ودون قيد أو شرط .
ان كافة المنظمات العربية والعالمية المعنية بحقوق الانسان ، والمرأة على وجه الخصوص ، عليها ان تقف رافعة صوتها عالياً ، لايقاف تنفيذ ابشع جريمة يشهدها العصر الحديث .. إذ أن ايقاف التنفيذ حالياً تم بذريعة كون مريم يحيى حامل في شهرها الثامن ، ولابد من الانتظار حتى تضع وليدها ، لكي يتم قتلها بعد ذلك وبدم بارد .
لترتفع اصوات الجميع ، من خلال حملات ضاغطة على النظام السوداني ، وارغامه على التراجع عن قراراته الظالمة بحق المرأة السودانية ، وحمايتها من عقوبات الجلد والسجن والرجم وبذرائع واهية ، ومن أجل اطلاق سراح الطبيبة المسيحية مريم يحيى ابراهيم فوراً ، وتعويضها عن الاضرار الحاصلة لها بسبب فترة الحجز الغير قانونية .