نساء رهن البيع ...



بشرى ناصر
2005 / 7 / 21

كدت أتوجه للكتابة في شأن مختلف ؛ لولا صفحة الراية (القطرية) الأخيرة العدد (8467) والتي حملت أفضل رد نيابة عني لكل أصدقائي القراء المطالبين لي بعدم (التنولن والتسعدن) تلك الوصمة العار التي صارت تلتصق بأية امرأة تشتغل في قضية النساء أسوة بالدكتورة نوال السعداوي؛ إذ حفلت الصفحة الأخيرة للراية والتي استوقفتني بشكل غير مسبوق بثلاثة أحداث مجتمعة تقود للتأكيد على مسألة واحدة : أن واقعنا نحن النساء لا يزال فعلاً يرفل بالتخلف وأن الخيارات أمامنا ضيقة وقليلة؛ تلوح لي بمزيد من كتابة للمرأة؛ فنحن أمام ازدواجية عنيفة تتوضح في : الدعوة إلى المشاركة السياسية وحق توريط النساء في البرلمانات والتوزير وكل تلك الضجة والصخب بينما الواقع يختلف كل الاختلاف؛ وبقدر يدعو للذعر فالنساء اليوميات يعايشن واقعاً آخر لا علاقة له بكل تلك الحمى لا من قريب ولا بعيد....والا فما معنى أن : تموت امرأة عجوزوتلفظ أنفاسها الأخيرة في مستشفى الملك فيصل بالطائف بعد تعرضها لضرب مبرح على يد رجل يزعم أنه (شيخ رقية للعلاج) توجهت إليه برجليها لينقذها من متاعب جسدية وأمراضاً أو عوارض صحية ؟
وما معنى أن تداهم شعبة التحريات والبحث الجنائي بالعاصمة المقدسة (مكة)عمارة سكنية لتلقي القبض على شبكة دعارة مكونة من تسع نساء أندونيسيات ؛ قد لا أبالغ لو قلت أن خبراً كهذا يبدو اعتيادياً لا إثارة فيه حتى بالنظر للمكان المفترض أنه أطهر بقاع الدنيا طالما الدعارة مهنة آخذة بالازدهار رغم كل الدعوات لتحرير النساء فهناك 9 ملايين امرأة على الأقل تعمل بالدعارة ؛ وهناك أيضاً تقديرات بوصول العدد الى 40 مليون امرأة تعمل بتلك المهنة؛ حيث تجني شركات تجارة الجنس ما يقدر ب : 52 مليار دولار سنوياً إذ يتم سنوياً بيع وشراء ملايين النساء من قبل القوادين أو تجارالرقيق ؛ وأن 70 مليون امرأة وقعت ضحية لشبكات التهريب العاملة في تجارة الجنس خلال عشر سنوات في منطقة جنوب شرق آسيا .... لكن جسد المرأة المذل والمطروح للبيع والعرض بغرض توفير المتعة والترفيه للرجال يأخذ ضروباً شتى وأشكالاً متعددة لا تتوقف عند(الرقيق)والدعارة بل تكاد تلامس ما يأخذ صفة شرعية؛ ويحمل صفة الزواج وهو ربما أشدها وجعاً وأسى كما قرأنا في نفس الصفحة أيضاً من الراية ؛ والمتمثل بإقدام والد الطفلة (ملاك) على تزويجها للمرة الثانية بعد زيجة فاشلة من رجل خمسيني متزوج من ثلاثة نساء ولديه أبناء ربما أكبر من ملاك بكثير.... ولا أود هنا كتابة القصة التي أظن أن كثيرين منا قرأوها وجاء في خاتمتها أن الطفلة التي لم تبلغ من العمرعشر سنوات أصبحت تحمل بيدها عقد طلاق بدلاً من الدمى والحلوى والأحلام الوردية .... وإذا كانت تلك القصة قد وصلت إلينا فكم من قصص مشابهة لم نقرأ عنها ولم نسمع بها ؟ فهل حملات وحفلات المطالبة بحق النساء في البرلمانات قادرة فعلاً على تغييرالثقافة والإرث المعرفي الداعي لاستغلال حتى القانون نفسه والتلاعب به لخدمة جشع أولياء الأموربمقادير بناتهم ؟ ذلك القانون (الأحوال الشخصية) في بلالدنا العربية قاطبة الذي يحتاج لتعديل كبير وتغييرات تحفظ للنساء حقوقهن فعلاً ؛ وبشكل لا يدعو امرأة مثل والدة الطفلة ملاك لحرمانها من طفلتها وبالتالي للحول دون ضياع وتشريد الاف الأطفال من أحلامهم الوردية لا لشيء الا لأن أبغض الحلال الى الله قد وقع؛ ولأن القانون في صف الرجل ومعه ؛ ثم نعود لنجتر في كل مرة أن قوانين الأحوال الشخصية في بلادنا العربية مستمدة من روح الشريعة الإسلامية ؛ فهل اقتران الزواج تلك (المؤسسة الرائعة ) بالشكل المنحط الذي وصلنا إليه الآن يعد من الشريعة الإسلامية ؟ أقصد أن تباع النساء بعقد أو صفقة يدفع فيها الرجل ليستمتع بجسد الأنثى الطرية الصغيرة ؛ وهل تفريغ سورة (النساء) من محتواها المثالي وصبغتها المقدسة (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع ؛ أو ما ملكت أيمانكم ؛ فإن خفتم الا تعدلوا فواحدة؛ ولن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم ) يحقق الغرض الذي نزلت الآية الكريمة من أجله؟ فقد تسلح السلفيون بتلك الآية واعتبروها واجباً وفرضاً ؛ وتجاوزوا المفهوم المنطوق في النص القرآني وبنيته ؛ وتخلوا عن ظروف التنزيل وملابساته التاريخية ؛ كما تجاوزوا متغيرات الواقع الاجتماعي ؛ حتى صار كل رجل مسلم على سطح الأرض يعتقد أن من حقه الزواج بأربع ؛ مع أن الآية الكريمة قد طرحت (ولن تعدلوا) كشرط تعجيزي وبالتالي كنوع من المنع أو التبغيض خاصة في مجتمع كانت عادة الزواج المتكرر شائعة قبل ظهور الإسلام ؛ ونزول الآية جاء ضرورة للواقع نفسه وكأن ولن تعدلوا تحل محل الكره أو التشديد.
وبعد .......... أريد التأكيد عبر ما أكتب على أن واقعنا نحن النساء واقع متخلف يحتاج الكثير من الاشتغال به؛ وتزويج الصغيرات أحد أهم القضايا لما تحمل من انتهاك لحقوقهن حيث حرمانهن من التعليم ذلك الحق الرئيسي ؛ وتعريض الصغيرات لمتاعب وآلام نفسية وجسدية وما يمكن أن ينجم عنه الزواج من مخاطرالحمل المبكر والإنجاب ؛ ناهيك طبعاً عن ما يمكن أن يجلبه الزواج المبكر من مشكلات نفسية واجتماعية طالما الرجل يتبنى فكرة :(صغيرة أربيها على يدي) التي تضعنا أمام دونية النساء وفوقية الذكور باعتباره الوحيدالذي يعرف مصلحتها؛ وبالتالي الإقرار ضمنياً بقدان أهليتها النفسية والعقلية والاجتماعية فماذا نطلق على هذا النوع من الزواج غير (اغتصاب) بمعنى الكلمة ؟
فنحن الشرقيون المهوسون بالجنس والجسد أفلحنا قليلاً في حجب بعض المظاهر لكن الظواهر مستمرة وقائمة وزواج الفتيات قبل العشرين أحد تلك الظواهر والتي لا أستطيع تسميتها بغير مغامرة غير محسوبة المخاطروهي أولاً وأخيراً تهميش للنساء وسلب لحقوقهن التي يستلزم الدفاع عنها .