المراة عندهم ، والمرأة عندنا !!



حميد طولست
2014 / 5 / 27


لقد وعت المرأة الغربية نسبيًّا - بعد طول تاريخ مؤامرات تعريتها من قِبَل الرجل - بأن مفاتنها الجسدية لم تعد مفاتن ، وأن جسدها ليس بمغر في ذاته ما لم يُعرَض ليكون كذلك ، وعرفت بأن الفتنة والإغواء والابتذال ليست في كشفها لجسدها ، بل في كيفيَّة ذلك الكشف ، وفي السياقات التي يأتي فيها ؛ وتيقنت أن لباسها ليس مقياسا لأخلاقها ، وليس معيارا لشرفها وحسبها ونسبها ، ولا يدل على شرف المكانة أو عهرها و دعهرها ؛ فكم من سافرةٍ جميلةٍ جليلةٍ ، مهيبة ، لأن ما في رأسها شيء آخر غير الإغواء والفتنة والتبرج ، وكم من محجَّبة أو منقبة ، لا ترى شَعرة من جسدها ، مهينة الكرامة ، تحوم حولها الحشرات البشريّة ، لأن ما في يملأ رأسها شيء آخر غير التحجب والاحتشام ، وأن بعض التحجُّب هو أكثر فتنةً وأشدّ إغراءً وإغواءً ، وأن بعض التكشُّف لا يبعث إلّا على البساطة والوضوح -كالموسيقى الموحية التي لا يمكن فصلها عن المعنى المراد توصيله - والتي لا يصح إلا مع المرأة السويّة ذات المواقف المبدئية التي لا تتزحزح قيد انملة امام ما يتعارض مع ضميرها اليقظ ومشاعرها السامية وأحاسيسها الإنسانية الراقية ، والتي لم تتحجَّب ، ولم تتنقَّب ، ولم تستر جسدها خضوعا لتدين طقوسي شكلاني ، أو استسلاما لتسلط رجالي ، أو تآمره ذكوري لاإنساني ضيق ، السلوك النمطي الذي تجاوزته المرأة الغربية بانتفاضتها على كل المتخلفين المتحجرين الجهلة الذين اعتبروها مجرد جسد بلا روح أو ضمير ، بعد أن اكتشفت أنها حقا المخلوق الأكثر ظلما في المجتمع ، وأنها دائما الفريسة ، والضحيّة ، والمستسلمة عبر والتاريخ . بينما ما زالت المرأة الشرقيَّة تستميت على تكريس كل ذلك عبر السلوكيّات التي كانت عليها أُمّها وجَدّتها من تخلّف ورجعيّة وانغلاق وزهد في نظام الحياة ومتعها ، لا غاية لها سوى إرضاء غرور الذكر ؛ الهدف النسوي القاصر لمعنى الحُريّة والعصرنة والتقدمية ، في العصر الحديث ، والذي كثيرًا ما يتضخم لدى مَن تحمل مركَّب نقصٍ نفسيٍّ أو اجتماعيٍّ أو جمالي - رغم ان ذلك صحيح ، خاصة في الشرق ، لكننا لا نعترف به.. ونخفيه ونعتبر التصريح به عيبا وكأنه رجس من عمل الشيطان- الذي يدفع بها للإسهام في ابتذال نفسها بنفسها ، بل وربما إهانتها وتحويل ذاتها إلى دُمية في معارض عامة لفُرجة النظّار -من الجنس الآخَر طبعا - الذين تلهث وراء إرضائهم وابتزازهم ، أكثر فأكثر ، بكلّ الطرق وكل الصور وكل اللغات ، بما فيها لغة المؤخرات المتلاطمة إقبالاً وإدباراً ووراء السراويل الضيقة ، والأرداف المكورة المرتعشة خلف العبايات المشفة ، مقابل انتزاع ما يرضي نزوعها نحو إطراء الجَمال فيها ، من غَزَل أو ثناء أو نظرات اعجاب ، حتى لو كانت كاذبة ، أو كانت من رجلٍ أعمى ، كتلك التي قالها "الأعشى" في وصف ملكة جمال:
رُعبوبَةٌ فُنُقٌ خُمصانَةٌ رَدَحٌ ** قَد أُشرِبَت مِثلَ ماءِ الدُرِّ إِشرابا.
ما يثبت صحة فكرة البيت الشعري الشهيرة : "والغواني يغرّهن الثناء !"..
مدار هذا الأمر كلِّه يعود إلى الوعي بما تريده المرأة وما يُراد بها ، من احترام لهُويَّتها ، وشخصيَّتها ، واستقلالها ، وتحرُّرها الحقيقي من أهوائها وأهواء الآخرين ، وتطلعها لكي تكون إنسانًا كاملة الأهليّة ، والثقة ، والإرادة ، والمعنى ، والاستقلال ، والعزوف عن تسليع نفسها ، بنفسها أو برغبة المتاجرين ، وعرضها في أبهى الصور التي تشهق لها الغرائز ، في أسواق النخاسة ، لا فرق بينها في ذلك وبين جواري العصر العباسي اللاواتي لم يكن لهن من هم غير ارضاء مالكيهن من الذكور.
وهنا لا شك أنه يحقّ لنا أن نتساءل بكل براءة وموضوعيّة : تُرى لماذا تفعل المرأة الشرقية ذلك بنفسها ؟ وماذا تريد من وراء ذلك ، وما دوافعها وأهدافها ؟ وهي تعلم أن أقصى يبتغيه الرجل من خطاباته الذُّكورية بكل ما تحمل من شِعارات الكرامة والحُريَّة والنسويَّة والعَصريَّة والتحضُّر ، التي يشحن به نفس المرأة ، ويحشو به رأسها ، هو تدجينها بعقليته الفجة ، ومسخ طبيعتها، وقتل ودفن كل جميل فيها ، لاسترقاقها واستعبادها وتحويلها إلى جسد للمتعـة في مخادع شهوانية ، و جارية وخادمة وحاضنة أطفال في بيت الزوجية ، وعورة هامشية معزولة عن المعرفة والوعي في الحياة العامة ، لا تتكلم إلا بإذن ومن وراء حجاب سميك فرضه الظلاميون عليها بكلّ باسم الدين -وهو من ذالك بريء - ضِدّا على كل ما يقتضيه العقل والتحرُّر والتحضُّر ، وتنص عليه كل الشرائع السماوية ، والقوانين الإنسانية الوضعية ، حتى لا يكون لها دورا أو مكانة تذكر في مجتمعها ، مع أنها هي الهبـة الإلهيـة الربانيـة المكونة لنصف المجتمعات البشرية.
حميد طولست [email protected]