قضايا المرأة والاستحقاقات القادمة



إيمان أحمد ونوس
2014 / 5 / 30

يُفترض أن تكون قضايا المرأة من القضايا الهامة والأساسية في أجندات أيّ من المرشحين سواء لمنصب رئاسة الجمهورية أو البرلمان أو سواها من مناصب تعمل على تطوير المجتمع والنهوض به من مستنقع الأزمات والتخلّف، على اعتبار أن المرأة وكما هو معلوم تشكّل نصف المجتمع وتعمل على تربية جميع أبنائه الذين ما إن يكبر الذكور منهم حتى يتنصلوا من كامل واجباتهم ومسؤولياتهم تجاهها، بل ويعملون على تعميق اضطهادها من خلال تعزيز النظرة الدونية لها وتبعيتها للرجل اجتماعياً وقانونياً، ولا يمكن لأحد كان أن يتجاهل أو يتغافل عن تحمّل المرأة السورية في الداخل والخارج لجميع أعباء الأزمة التي عصفت وما زالت تعصف بالبلد والمجتمع، ومن هنا يجب أن تكون قضاياها من أولويات التغيير في السياسات الحكومية المقبلة.
صحيح أنه في السنوات القليلة الماضية تمّ العمل على تعديل بعض المواد القانونية الجائرة بحق المرأة في قانون العقوبات السوري كما المادة/548/ والتي عُدّلت بالمرسوم التشريعي رقم /1 لعام2011/ والتي سبق تعديلها بالمرسوم رقم/37 لعام 2009/ وتمّ استبدالها بمادة أخرى تنص على ألاّ تقل عقوبة القتل بذريعة الشرف عن الحبس مدة خمس سنوات.
وكذلك الأمر مع المادة/508/ والتي عُدّلت في الفقرة/1/ بالمرسوم التشريعي رقم/1 لعام 2011/ إذ أصبحت عقوبة المجرم الحبس مدة سنتين على الأقل حتى وإن تزوج من ضحيته زواجاً صحيحاً.
كما تمّ رفع سن الحضانة في العام 2003 إلى الخامسة عشرة للفتاة والثالثة عشر للذكر. ‏إضافة إلى بعض التعاميم المؤقتة التي تناولت بعض الإشكاليات الصعبة في حياة المرأة كتعميم وزارة التعليم العالي لعام/2009/ والذي سمح لأبناء المواطنات السوريات المقيمات في الجمهورية العربية السورية، المتزوجات من غير السوريين أو من في حكمهم، الحاصلين على الشهادة الثانوية العامة السورية عام/2009/ التسجيل مباشرة في الجامعات والمعاهد للعام الدراسي 2009/ 2010، ومعاملتهم من حيث الرسوم معاملة الطلاب السوريين في المفاضلة العامة.
وكذلك تعميم وزير العدل رقم/62/ الذي سمح بموجبه للمرأة الحاضنة بفتح حساب مصرفي باسم المحضون ونقله من روضة أو مدرسة إلى أخرى دون أخذ الأذن من ولي المحضون.
إضافة إلى المرسوم رقم/7/ للعام /2011/ الذي جاء مصدقاً للمرسوم رقم/76/ لعام/2010/ حول مسائل الإرث والوصية الخاص بالطوائف الأرثوذكسية، حيث اعتُبر أول مرسوم يعتمد/DNA/ في تحديد النسب واكتسابه الدرجة القطعية في حال الشك بنسب المولود، إضافة إلى المساواة بين المرأة والرجل في قضايا أخرى كالميراث وسواها حيث جعل البنت قاطعة للميراث كما الصبي في المادة-11/3- لكنه للأسف انحصر بالطوائف الأرثوذكسية دون الآخرين، وهذا ما يُعدُّ تمييزاً على أساس الدين بين المواطنين الذي قال الدستور بمساواتهم جميعاً في الحقوق والواجبات، وبالتالي يجب أن يشمل هذا المرسوم جميع مواطني سوريا بلا استثناء.
لكن النقلة التي كانت نوعية حينها، والتي استبشرنا بها خيراً هي إصدار القانون رقم /42/ لعام/2003/ القاضي بإحداث الهيئة السورية لشؤون الأسرة، حيث تهدف المادة/2/ منه إلى تسريع عملية النهوض بواقع الأسرة السورية، ‏وتمكينها بشكل أفضل، من خلال اقتراح تعديل التشريعات المتعلقة بشؤون الأسرة، وفعلاً قامت الهيئة بتقديم مشروع قانون للطفل الذي مازال حبيس الأدراج الصدئة حتى اليوم في مجلس الشعب. إضافة إلى قيامها ببعض البحوث والدراسات المتعلقة بالمرأة والشباب، لكنها لم تلقَ الصدى المطلوب على أرض الواقع، فبقيت مجرد حبر على ورق في مكتبات الهيئة وبعض المهتمين.
أيضاً، قرار رئاسة الوزراء في عام/2011/ والذي قضى بدراسة تعديل المادة/3/ من قانون الجنسية السورية، غير أن مجلس الشعب رفض مناقشة هذا التعديل، وبدل أن تقف النساء النائبات في البرلمان إلى جانب قضايا المرأة لاسيما تلك المسألة الشائكة والمعقدة في حياة ألوف السوريات وأبنائهن اتخذن الصمت خياراً قاتلاً لأولئك النسوة اللواتي مازلن يعشن وأبناهن شتى أنواع القلق والعذاب.
بعد ذلك قامت وزارة العدل في عام/2012/ بتشكيل لجنة من كافة المختصين من أجل تعديل القوانين التمييزية ضد المرأة، وقد أنهت هذه اللجنة عملها بعد عام من تشكيلها وما زلنا ننتظر النتائج المرجوة.
بعد كل ما استعرضناه، نرى ضرورة ووجوب تناول هذه الإشكاليلت من قبل المسؤولين أو المرشحين للرئاسة أو البرلمان، والعمل على إدراج قضايا المرأة العالقة في سلم أولوياتهم وأهمها:
- الإسراع باستصدار نتائج عمل لجنة تعديل المواد التمييزية ضد المرأة في القوانين السورية كافة- وأهمها قانون الأحوال الشخصية- بما يجعل المرأة على قدم المساواة مع الرجل في تلك القوانين عملاً بالمساواة التي نادى بها الدستور.
- ضرورة إصدار صحيفة مدنية للمرأة السورية بدل تبعيتها المطلقة لذكور القبيلة لاسيما في حالات الطلاق أو عدم الزواج، وذلك من أجل الوصول إلى بعض الحقوق التي تفرض وجود البطاقة العائلية كمرتكز أساسي، مما يحرم الكثيرات من هذه الحقوق.
- رفع التحفظات السورية على بنود اتفاقية إلغاء كافة أشكال التمييز ضدّ المرأة- سيداو- والتي صادقت عليها بالمرسوم رقم/330/ تاريخ 25/9/2002 بما ينسجم وهذه الاتفاقية وروح الدستور من أجل الحفاظ على حقوق المرأة، وضرورة مساواتها مع الرجل لاسيما في القوانين والتشريعات التي تعجُّ بتمييز واضح وفاضح، لأن هذه التحفّظات قد أُفرغت الاتفاقية من هدفها الأساسي، فاعتُبرت شكلاً آخر من أشكال التمييز ضدّ المرأة لأنها تعمّق وتُكرّس التمييز القائم أصلاً.
- إدراج الاغتصاب الزوجي ضمن المادتين/489- 490/ من قانون العقوبات، كي نرتقي بالعلاقة الزوجية إلى مستويات أكثر إنسانية خاصة بالنسبة للمرأة.
- تشريع قانون أسرة يواكب جميع المتغيرات التي طالت جميع الأفراد بما فيهم الرجل من أجل الوصول بالأسرة إلى مساواة ومكانة تليق بجميع أفرادها في المجتمع.
- الإسراع بسن قانون للطفل يحمي حقوقه استناداً إلى اتفاقية حقوق الطفل التي صادقت عليها سوريا، وإلى مشروع القانون الذي تقدّمت به الهيئة السورية لشؤون الأسرة بدل بعض المواد المتعلقة بالطفل والمتناثرة في جميع القوانين السورية.
وفي إطار مطالبتنا بتعديل وإصدار قوانين وتشريعات تتوافق والاتفاقيات الدولية والدستور وروح العصر، يحضرني حديث الدكتور محمود عكام مفتي حلب وأستاذ قانون الأحوال الشخصية في جامعة حلب في لقاء تلفزيوني معه بتاريخ 26/7/2011 حيث قال:
" نحن مسكونون بالخوف من كل تغيير وتعديل، وكأنه سيصيب قلب الإسلام... إن تعديل القانون يجب أن يتم وفق ثلاث مبادئ أساسية: العدل، الرحمة، والاستجابة لمتطلبات الإنسان والعصر." وأضاف- وهذا مكمن الحكمة- لا تخافوا على الإسلام من تعديل قانون الأحوال الشخصية، لأن الإسلام يريد للإنسان الرحمة والأمان، ولأن الإسلام يتحرك وفق بوصلة الإنسان."
من هنا، نُطالب نحن السوريات بإدراج قضايانا وإشكالياتنا العالقة ضمن أجندات وبيانات جميع المرشحين سواء لمنصب رئاسة الجمهورية أو للبرلمان وسواه من أجل رفع سوية جميع النساء وكفاءاتهن، لأنه وبدون تغيير وضع النساء في المجتمع لا توجد ديمقراطية حقيقية في البلاد.