منظومة الفشل .. عن الزواج أتحدث!!



محمد هشام فؤاد
2014 / 6 / 2

يقول المتصوف الهندي أوشو – 1931: 1990- "منظومة الزواج الحالية هي ليست بأكثر من زنزانة يقضي فيها المرء علي آخر طموحاته الريادية تدريجياً، أو هي في أحسن أحوالها سجن محدود المساحة مهما بدا فسيحاً". فيري أوشو كما نري فشل منظومة الزواج الحالية؛ تلك المنظومة العبودية الطبقية الأبوية الرأسمالية التي تتاجر بالعلاقات الاجتماعية والمشاعر الإنسانية طبقاً للحالة الاقتصادية للزوجين وأسرة الزوجين.

ومن هُنا لم ير الرجل زوجته إلا كائناً مُسَخَرٌ لخدمته ولراحته، وقد رسخت الحضارة الإغريقية الأبوية تلك النظرة العبودية للمرأة فيري سقراط ان المرأة رجل غير كامل و قد تركتها الطبيعة في الدرك الأسفل من سلم الخليقة، ويري أيضاً أن المرأة للرجل كالعبد للسيد و كالعامل للعالم و كالبربري لليوناني، وقام أرسطو بفصل الروح والعقل عن الجسد، فأصبح الرجل رمزاً للعقل والروح والمرأة هي الجسد، وقام أعلام هذه الحضارة بالإضافة إلي من خلفهم –كهيجل ولوك ومونتسيكو وأوجست كونت وديكارت- بالتأكيد علي دونية المرأة؛ فالأنوثة في نظرهم نقصٌ وتشوه، فهم يرون المرأة كائناً ناقصاً لا يكتمل إلا بوجود الرجل العنصر الأرقي والأكمل.

وطبقاً لذلك الإرث التاريخي العَفِن قد ورث الرجل نظرته الحالية للمرأة؛ فالأب لم يعطِ ابنته فرصة تعليم متوازنة بالمقارنة لما يحصل عليه الولد؛ فالمرأة التي لا تتعلم لن تعمل ولا تستطيع الانفاق علي نفسها؛ ولذا فتفقد المرأة سلطة إصدار قراراتها الحياتية الخاصة بها ومصيرها الذي يتحكم فيه الأب والاخ والزوج.

وقد فرض المجتمع الفارق السِني بين الرجل والمرأة عند الزواج لمحاولة الإبقاء علي سلطة ذلك النظام العبودي الذكوري القامع للمرأة؛ فكلما ازداد فارق العمر بين الرجل والمرأة عند الزواج كلما ازدادت سلطة الرجل وقمعه وترويضه للمرأة؛ لأنه في تلك الحالة يحل محل أبيها ويكون سيدها، فما هي إلا أَمَة ترضخ لطلباته وتُذعِن لسلطانه وتطيع أوامره، أما إذا كان المعيار الذي يُفَرِق بين الرجل والمرأة هو التعليم والدرجة العلمية والثقافة والذكاء وما إلي ذلك ربما لا يستطيع كثير من الرجال مواجهة المرأة فما بالك بالزواج منها؟!

وعندما نتحدث عن تلك الموروثات التي حطت من شأن المرأة كزوجة فنحن في حاجة لاستدعاء نظرة الأديان وموقفها من الزوجة؛ فنري الإسلام قد أباح للزوج حق تعدد الزوجات الذي استغله الزوج بعد ذلك لإشباع نزواته ورغباته التي لا تنتهي وفي نفس الوقت قد حُرِمَت الزوجة من هذا الحق تحت ذريعة عدم اختلاط الأنساب وفُرِض عليها الحجاب والنقاب وكل ما يؤدي إلي تغطيتها وتغليفها كالسلعة التي يزداد ثمنها كلما احتفظت بصلاحيتها داخل تلك الأغطية، وبالطبع لم تختلف مواقف الأديان الأخري عن نظرة الإسلام إلي الزوجة؛ ففي المسيحية يقول بولس: "الرجل سُلطان المرأة"، وفي الشريعة اليهودية لا ميراث مُطلقاً للمرأة سواء كانت أماً أو زوجةً ما دام للميت ذكور!!

ومن هُنا نري الزوجة دورها منحصر في أسرتها في الضرورتين: الاجتماعية والبيولوجية؛ أي مهام المنزل وأعمال الغسيل والطبخ والتنظيف ورعاية الزوج ومشاهدة التليفزيون من جهة، ومعاشرة الرجل الجنسية وإمتاعه حتي يصل إلي درجة الأورجازم في الفراش وإنجاب الأبناء من جهة أخري. ألا يقولون أن الأديان قد كرمت المرأة ورفعت من شأنها ومنزلتها لأنها تخدم زوجها وسيدها وشريك فراشها؟!

ولا تختلف نظرة المجتمع إلي المرأة بالطبع عن نظرة الدين والأسرة فالمرأة الغير محجبة سافرة وزوجها ديوث، في وقتٍ يُترَك للرجل حرية ارتداء ما يروق له من هندام حتي وإن مشي في الشارع بسرواله أليس رجلاً؟! والزوجة التي تعددت علاقاتها قبل الزواج هي مرأة لعوب ولا تعرف شيئاً عن العفة والشرف، أما الرجل الذي تعددت علاقاته وزيجاته وتجاربه العاطفية فهو أكثر خبرة وتجربةٍ وأكثرهم حِنكة، ولذا تري كثيرٌ من الرجل يشترط في زوجته المستقبلية أن تكون بلا ماضٍ أو تجارب وهو ما يرجع إلي الأساليب المُتبعة في المجتمع عند اتخاذ قرار الزواج فالحرية تترك للرجل في اختيار زوجته ووضع المعايير والمميزات التي يرغب وأن تكون في زوجته، أما الزوجة لا تختار .. وعليها أن تذهب إلي عش الزوجية الذي اختاره لها أبوها وأخوها ألم يدفع الزوج في سبيل ذلك المال؟! وبالطبع لا تختلف نظرة ذاك المجتمع إلي المرأة التي لم تتزوج والمُطَلَقة .. ذاك المُجتَمَع الذي تنتشر فيه مصطلحات عبودية عدة تنتمي لمؤسسة الزواج الرأسمالية كسن الزواج، والعانس، والمهر، والنفقة، والطاعة .. إلخ

فنري أن الزواج طبقاً لتلك المنظومة الاقتصادية الحالية هو مجرد شركة يديرها مؤسسات عدة كالمجتمع أو الأسرة للخروج بأكبر مكاسب مادية منها؛ لذا فهذا الزواج لا يعرف مفهوم السعادة .. وطبقاً لتلك النظرة الاقتصادية الاستغلالية الموحشة فليس من حق الفقير أن يتزوج، ومن لا يمتلك أسعار الشقة وأثاث المنزل ومن لا يمتلك فرصة عمل مناسبة لن يتزوج لأنه يخالف قوانين تلك المؤسسة، في حين أن الزواج في مجتمعاتٍ أخري ما هو إلا اجتماع إرادتين لإنتاج إرادة ثالثة عليا أعلي من الزوجين كما يقول نيتشه؛ ففي تلك المجتمعات تُستَبْدَل عناصر المال والشقة والوظيفة والنفقة والمهر بقيم الحب والإخلاص والاحترام المتبادل والتقدير لإنتاج والسعي إلي تأسيس أسرة راقية إنسانياً ومتقدمة مادياً؛ فيعمل الزوجين ويكدا ويجتهدا لشراء شقة وفي نفس الوقت للإنفاق علي أطفالهما –لا يزيدون علي الاثنين غالباً في تلك المجتمعات- وفي نفس الوقت ليحقق كل من الزوجين ذاته.

وتقول د. نوال السعداوي في كتابها "الوجه العاري للمرأة العربية": قد يحظي الرجل بدرجات عالية في التعليم، وقد يسافر إلي الخارج في بعثات تعليمية، ثم يعود إلي مصر يحمل الشهادات و الدكتوراة ويحمل معها أيضاً عقليته المتخلفة في نظرته إلي المرأة".

إنها منظومة فاشلة، والفاشل من ينتمي إليها، والأفشل من ينتمي إليها ويوافق علي قوانينها في نفس الوقت!!