التحرش الجنسي بين الثقافة و القيم المعاصرة



طوني سماحة
2014 / 6 / 7

قانون جديد يضفي بعض الرقي على المجتمع المصري. فلقد أعلن الرئيس المصري المؤقت عدلي منصور تشديد عقوبة التحرش الجنسي. و ينص القانون الجديد على حبس المتحرش مدة لا تقل عن الستة أشهر و غرامة لا تقل عن ثلاثة آلاف جينيه لكل من تعرض للغير في مكان عام أو خاص بالقول أو بالفعل أو من خلال الإتيان بإيحاءات جنسية أو إباحية. تحية للرئيس عدلي منصور و على أمل أن تنتقل هذه العدوى إلى كافة الأقطار العربية
. و كانت محطة ال MBC التلفزيونية قد أصدرت تقريرا، تم نشره في 25 آذار/مارس 2014، وثقت فيه حالات التحرش الجنسي في مصر. وبحسب القناة الاخبارية ذاتها أنه هناك م لا يقل عن خمسة و عشرين حالة تحرش و اعتداء سنويا في مصر. و تم مقابلة الكثير من الفتيات اللواتي صرحن أنهن يخفن النزول الى الشارع إذ أنهن غالبا ما يتعرضن للكلام البذيء وصولا الى الاعتداء. و كانت مجلة " القدس العربي" قد كتبت تقريرا بتاريخ نوفمبر 12/2013 ذكرت فيه نقلا عن إحدى الدراسات أن مصر هي أسوأ مكان تعيش فيه المرأة العربية و مرد ذلك الى التحرش الجنسي و ختان الفتيات و و تصاعد سطوة الجماعات المتشددة.
لا شك ان التحرش الجنسي ينتشر بشكل مخيف ليس فقط في مصر، إنما أيضا في كل الأقطار العربية، كما لا شك ان نسب التحرش الجنسي في بلادنا هي الاكثر ارتفاعا عالميا . و مرد ذلك، بحسب رأيي، الى التنشئة الثقافية التي ترفع من شأن الرجل و تقلل من شأن المرأة. كلنا يعرف مدى الحزن الذي يسيطر على وجوه الآباء و الأمهات عند ولادة طفلة في الكثير من مجتمعاتنا، و الفرح الذي يرافقه توزيع الحلويات و احيانا اطلاق النار عند ولادة صبي. أذكر في صباي أني شاهدت احدى الجارات تنتهر ابنتها لأنها أكلت بعض الحلويات التي أتى بها الوالد الى البيت لاطعام ابنه فقط. كل هذه التصرفات تخلق شعورا لدى الانثى انه غير مرغوب بها، كما تعطي الصبي شعورا بانه ولي العهد المنتظر.
بالإضافة الى حالات التمييز التي يعاني منها المجتمع العربي، يلاحظ القارئ الذي يتابع مجريات الأحداث أن ثقافة الفرد العربي قائمة على ان المرأة خلقت لتكون إناء يفرغ فيه الذكر شهوته لا غير. لذلك، حتى الحجاب لم يردع هذا الفرد من ممارساته الخاطئة. و من الجدير ذكره ان افغانستان و مصر من اكثر الدول تحرشا على الرغم من الالتزام الديني في هاتين الدولتين. لذلك يكبر الشاب الشرق اوسطي او العربي ليرى نفسه فحلا ذكوريا و ليرى المرأة عورة. و من الجدير ذكره أن الشاب ذاته الذي يدعي عدم قدرته على التحكم بنفسه، إزاء ما يسميه إغراء، نراه يهاجر الى الغرب و يمشي على الطريق وسط نساء نصف عاريات و لا نراه يجرؤ حتى الى النظر اليهن. و فيما انا اخط هذه الكلمات، تأخذني الذاكرة الى الوراء الى ما يزيد عن عشرين عاما. كنت آنذاك مهاجرا جديدا في كندا، و كان لدي اثنان من اقربائي حديثي الهجرة ايضا. و ذهب كلاهما مرة للترويح عن النفس في احدى الاسواق التجارية (المول)، و صادف ان شاهدا صبية حسناء تجلس خلف صندوق المحاسبة في احدى المحلات. فأخذا كعادة شبان بلادنا يمشيان ذهابا و ايابا امام المحل مما أثار حفيظة الفتاة التي اتصلت بالشرطة. فما كاد قريباي يصلان الى البيت حتى وجدا سيارة الشرطة في انتظارهما. كانت الشرطي امراة. قامت بالتحقيق معهما، ثم وجهت لهما انذارا و غادرت. ليس من الضرورة ذكر ان قريباي لم يجرآ مرة أخرى على التنزه أمام ذلك المحل.

لم يعد من المقبول أن يبقى المجتمع العربي أسير ثقافة التحرش الجنسي، كما أنه ليس من المقبول أن نستمر في التمييز بين المرأة و الرجل و الفتاة و الصبي. لم يعد من المقبول ان ننظر للمرأة على انها مجرد وعاء جنسي. نعم إن المرأة كالرجل وعاء جنسي في غرفة النوم ليس في أي مكان آخر. فالمرأة في الشارع موظفة و ربة بيت و طبيبة و عاملة. المرأة شأنها شأن الرجل في المجتمع تعمل و تبني و تخدم، فإن نحن أصرينا على رؤيتها كوعاء جنسي نكون قد اختزلناها بعمل يتشارك فيه الانسان و الحيوان على السواء. أعطاني الله نعمة العمل مع الكثير من النساء و أقر أننا إبان العمل نتخطى موضوع الجنس لنركز كل مجهودنا على خدمة الآخرين و ليس لإشباع رغباتنا الجنسية.
من الجيد أن تصدر بلادنا القوانين، لكن الموضوع أكبر من إصدار قانون هنا و هناك. يحتاج الموضوع الى ان يعيد كل من الرجل و المراة النظر بدورهما و قيمتهما. نحتاج ان نفهم ان المرأة نصف المجتمع بالفعل لا بالقول. نحتاج ان نفهم انه و ان اختلفت الوظائف العضوية او الاجتماعية بين الرجل و المراة يبقيان كلاهما نصفين متساويين لا يكتملان الا باتحادهما لبناء مجتمع عادل و راق. نحتاج ان ننقل هذه القيم لاطفالنا في البيت و في المدرسة. مسؤوليتنا أن ننشأ جيلا يشجع الطفلة كي تكون متعلمة واثقة من نفسها كما يشجع الصبي ان يكون شهما راقٍ و قادرعلى التحكم بشهوته.