التحرش فى مصر أصبح إتاوة يفرضها رجال على مشاركة المرأة فى الحياة العامة



إيرينى سمير حكيم
2014 / 6 / 10

فى ظل أمل خافت وحزن دامس، اكتب تلك الكلمات وأنا أرى مجتمعنا يتحول إلى ساحة مجزرة أخلاقية، تُقَدم فيها الإناث ضحية على مذبح العبث الانسانى الذى أصبح هو بطل المشهد، والخلل الآدمي والذى هو مؤلفها المدهش الذى يتفنن بابتكار المواقف المهينة للضحية، ليأتى بادوار السنّيد الذى يجسده غياب العقل ومعه تخدير الضمير.
وقد فكرت كثيرا قبل أن اكتب فى هذا الموضوع، وسألت نفسي ما الفائدة من الكتابة عن التحرش فى مجتمع يتحرش بالكاتبة؟ ويغتصب الكتابة؟
وفى أمل أو ربما يأس منى قررت فى النهاية أن اكتب!
******************************************************************

إن الإناث فى بلدى مذبوحات مصلوبات، ومسمرات برغبات الذكور الفياضة، وبرغم نزفهن المستمر على عقول من يراهن، إلا أن دمائهن رخيصة لدى المتفرجون والمتفرجات، ودوائر التحايل على الشرع والمنطق والاجتماعيات لا تنتهى، ودوامات الهروب من الحقيقة لا تتوقف انه فُجر منذ قرون وعُرى اخلاقى يُسقِط اللحى، والشرف، وكل مظهر ذكورة مصطنعه، وكل شعار زائف، على الأرض تحت أقدام الحق والعدل ويدفنها إلى ما بعد أمتار فى باطن ارض التهمت ومازالت تلتهم حقوق.
فنحن إذا قمنا بثورة على حاكم لاستعادة الكرامة، تجمع منا من ينهش فى جسد إناث ليجريدهن من ملابسهن وكرامتهن ويغتصبهن، على مرأى من تلك الثورة المزعومة، وأسالوا عن الهتك ميدان الكرامة، وجرائد العالم عن رصد مفهومنا الوضيع عن الثورة والكرامة، الذى تصدره شعارات جوفاء تطفح منها الركاكة.

وتلك الأفعال المشينة لا يقتصر وجودها فقط فى ثورة أو احتفال أو حدث، فنحن مجتمع محافظ!، نعم محافظ على تقاليده!، نعم تقاليده وعاداته!، نعم عاداته فى انتهاك الأنثى يوميا، بكل ما يحمله الواقع من آلاف المشاهد وتعدد فى درجات الانتهاك، فى كافة وسائل الحياة، حيث بإمكان اى ذكر فى مختلف الأعمار بدءا من الطفولة، أن يحمل هذا الدور اليومي على عاتقه، باحثا عن متعة فى اكتشاف رجولته فى جسد اى أنثى يقابلها عابثا بأمانها وحدودها وخصوصيتها، إنها تلك الإتاوة التى يفرضها بعض الرجال على مشاركة المرأة فى الحياة العامة هنا.

"مشاركة المرأة فى الحياة العامة" .. "مشاركة المرأة فى الحياة العامة"؟!!!!، ربما فهم هؤلاء الذكور مشاركة المرأة فى الحياة العامة، بأنها تكون للمشاركة وأنها تصبح عامة!!!، حقيقة لم اعد اعرف بل أم اعد قادرة على التخيل بما تحويه رؤوسهم من فكر ورغبة وتبرير لما تحويه. والكارثة أن الأسباب لا تتمحور على شكل فى الملامح أو الملبس أو طريقة السير حتى لدى الأنثى، فقد تكرم القائمون على برنامج "أول الخيط" بعمل حلقة عن "التحرش الجنسي فى مصر"، وقاموا بتنفيذ خطة لارتداء احد رجال فريق العمل لملبس فتاة، وغمسوه فى شوارع وسط البلد مرة مرتديا الحجاب ومرة بدونه، والحمد لله ففى كلتا الحالتين، قد كان لذكور مجتمعنا الأعزاء الشهية الكافية بأن يشتهوا ذكرا فى ثياب أنثى!!!.

إذن السؤال هنا هو ما السبب الحقيقي فى التحرش؟

إن الكارثة الأكبر والمنبع الحقيقى لهذا الانحلال، هو مطاردة المجتمع الطاهر ظاهريا للضحية، ورجم المجتمع المتدين لقبا للضحية فهى فى نظرة السبب والخطية.

ففى بلدنا الحبيب
الفتاة تُغتَصَب ثم يُبصَق عليها

فنحن بإثباتات تاريخية ويومية نعد من أكثر الشعوب حديثا عن الشرف، ومن أكثرهم فى انتهاكه.

فانتم أيها الباصقون على المنطقية

تشتهون مع المرأة فعل الخطية وتتهمونها بأنها الخطية، كيف تحوون فيكم هذا الكم من التزييف والحماقة؟ كيف تتحملون هذا الكم فى نفوسكم من الوقاحة؟
فبما تستترون وأعضائكم تحمل بصمة عهركم بكل وضاعة؟
إن الشهوة تغتالكم فتغتالونا، لقد علقتم ثورة إثارتكم المشتعلة على وجود الأنثى، الذى يذكركم بوحشية احتياجكم تارة وبعمق عجزكم تارة أخرى.
انتم من ترون الأنثى عارية بالرغم من ملابسها وتشتهون مضاجعتها، انتم ترونها عارية من شخصيتها، من جرأتها، عريانة من إرادتها ومن حريتها، إنما فى الحقيقة أنكم انتم العرايا من الآدمية أيها العاصون على الطبيعة!.
انتم تجردونهن من ملابسهن فى مخيلتكم، تضاجعونهن فى أشواقكم، ومن ثم تريدون أن تكفنونهن فى حياتهن، لأنكم ساخطون على حياتهن الصاخبة بذريعة أفكار مخيلتكم وشهوتكم، فتلجأون دوما للصراخ بسلطتكم عليهن التى تريدونها فى دنيا ودين!.
والحقيقة أن الله لم يخلق الأنثى بقيود ووضعكم أنتم حراسا لأقفالها!

وانتم يا من تتذبذبون بين الحقائق ونفوسكم المُشوشة تسبح بين الأحكام على المواقف، إن أرائكم الفظة قد اخترقت إنسانيتنا كالرصاص ودرع رحمتنا لم يحمكم من عقاب العدل، فصمتنا مات وصبرنا نفذ، والقلة القليلة المتشبثة بإنسانيتها فى هذا المجتمع، ستظل فى مواجهة عنف أعضائكم المفكرة منها والجنسية معا، فلقد توجتم إنسان هذا البلد بالعار وكللتمونه بالشهوة الردية، ولقد منحتم ذكورة هذه الأرض بصمة الشين التى سيراها العالم فى بقايا جثة فرعونية، والتى ستكون كفيلة بإجهاض مجد اى قصة من مصرنا الأسطورية.
وقد كنت فى السابق أسال كثيرا وأخيرا عرفت
من هم العاهرون!
فلقد وجدتهم فى أزقة الكلمات ونصائح المتدينين المزيفين
وجدتهم فى أناس يتحدثون عن الشرف وينتهكونه
وجدتهم فى أفكار العنصرية والطائفية والهمجية
وجدتهم متربعين على عرش الإصلاح وهم فاسدين
وجدتهم مُجنَّدين لأجل الوعظ وهم مخطئين
وجدتهم مقرفصين على نفوس البسطاء والنساء ومتحكمين
وجدتهم يضحكون على غيرهم وهم فى النهاية مخدوعين

وجدتهم وادعوا الجميع إلى أن يتفحصوا الواقع وينظرونهم، إنهم يحاوطوننا فى كل مكان، ليست الأماكن النجسة فقط إنما المقدسة أيضا!، فكم شوهونا وزيفوا هويتنا وقبَّحوا إنسانيتنا، وافقدونا شهيتنا على الحياة، وجعلوا من الرجل مفترس والأنثى فريسة، ومن المسميات مبررا للهزيمة، وجعلوا ارض حضارتنا حلبة للهزيمة.

ومع ذلك فلن تستطيعوا أيها الدميمون فى الفكر، أن تطمسوا الحقيقة كاملة وان شوهتموها إلى حين.
فالمصرية أنثى غالية تحدث عن تميز كيانها التاريخ، الذى قمعها من قمعه، وهى الآن بعد أن تعرت أمام العالم وهُشِّمَت كرامتها أمام الجميع وكشفت أسرارها أمام المارة، منها من صاح بصراخ الم ثورة متمردة على واقعها الذليل، وهى تحاول الآن أن تنقذ نفسها وتنقذ التاريخ من براثن من ينهش فى حقيقتهما ويعبث بهما.

أما المرأة الخاملة تفاعليا ستكون خاسرة فى البدايات وكذلك فى النهايات، إذا استمرت على نفس التعامل السلبي مع ما يواجهها فى حياتها على هذه الأرض.

وأخيرا
همسة فى أذنك سيدتى الطامحة فى مساعدة القوَّالين
صدقى أو لا تصدقى أيتها الضحية الدائمة
إن نسبة كبيرة من أولئك الرجال الذين يدافعون عن حقوق المرأة يطمعون بحرية فجة لمتعتهم، يجعجعون بمطالبك ويثورون لأجل حريتك، ليس من اجل نبل فى نضال ولا هم أفواج نسور تُحلِّق لاقتناص حقوقك من أفواه مفترسيها، إنما هم فى الحقيقة باغون لتذوق نتائج حقوق الفريسة فى أفواههم النتنة، انه الغباء النفسي والابتزاز الدفاعى.

و يا أيتها الأنثى الطامعة فى مساندة المشجعين ونبلاء خيالك الآخرين
الحقيقة هى انكِ المسئولة الأولى والأخيرة عن نفسك أنتِ، ولا تحتاجين لأحد أن يدافع عنكِ، أنتِ لست تحت وصاية احدهم، ولا تسمحى لنفسك أن تخرجى من ورطة بتورط أعمق!.
فإن لم تقتنصي أنتِ فرص دفاعك عنكِ، وتموتى فى سبيل كرامتك وخصوصية جسدك، بدلا من الموت كل يوم بلا كرامة، لن تأتيك المعونة من بطل قصصى بل ربما تدهسك أخريات فى وحل الخوف والاستسلام.

وفى نهاية المقال
أعلن عن عجزى العميق عن التعبير عما بداخلى، فما كتب فى السطور السابقة ما هو إلا "تهتهة" كلام أو "جَهَش" بكاء.