الكبت الجنسى كمدخل طبيعى للتحرش



رياض حسن محرم
2014 / 6 / 15

المقصود هنا بالكبت الجنسى ليس عدم القدرة على الممارسة الكاملة للجنس ولكنها تشمل الإرتواء العاطفى للجنسين كنتيجة طبيعية للإختلاط الحميد فى المدارس والجامعات وأماكن العمل والمحيط الإجتماعى بوجه عام، وقد بدأت لظاهرة الكبت الجنسى بالتصاعد فى مصر منذ سبعينات القرن الماضى مع صعود ما يعرف بالصحوة الإسلامية وظهور التشدد الدينى الذى رافقه الفصل بين الجنسين وتحريم مصافحة النساء، أذكر فى تلك السنوات كيف بدأت الجماعة الإسلامية فى الجامعة محاولة إجبار الطالبات "وكانت النسبة الغالبة منهن سافرات" على عدم الجلوس بجوار زملائهن من الطلاب فى المدرجات والفصل بينهم بالقوة، وحاولوا الانتقال الى نطاق المجتمع بالفصل بين الجنسين وتخصيص عربات للنساء فى وسائل المواصلات ولكنهم ووجهوا بمقاومة المجتمع ورفض النساء لتلك المحاولة "ولكن الى حين"، فمنذ منتصف السبعينات تقريبا بدأ تغير فى نمط الحياة وسلوكيات المجتمع وبدأت الصراع الطائفى "الفتنة الطائفية" فى الخانكة والزاوية الحمرا وارتفعت نسبة المحجبات ومطلقى اللحى بين الشباب والدعوة للتدين فى مختلف الأرجاء من دور عبادة وأماكن العمل ووسائل المواصلات والشوارع ودور التعليم وغيرها وانتشرت اللافتات من نوع "الإسلام هو الحل" و"الحجاب قبل الحساب" و دعاء الركوب والنزول ودخول الحمام والجماع وانتشرت فى وسائل المواصلات شرائط كاست لبعض الدعاة المتشددين وغيرها، وأسباب ما حدث كثيرة وتم مناقشتها مرارا وما يعنينا هنا أن الفصل بين الجنسين بدأ وتصاعد منذ منتصف السبعينات وصاحبه كبت جنسى ونظرة دونية للمرأة وتلك بدايات ظاهرة التحرش بشكلها القائم، قبل ذلك كانت مشكلة التحرش والمعاكسات فى الحدود الفردية وكان المجتمع يعيش بدرجة من الإندماج والتسامح الدينى والأسر تقيم الأعراس التقليدية وحفلات السبوع والختان دون عقد قبل أن تظهر فتاوى التحريم والتكفير.
التحرش يعتبر أحد أشكال العنف الجنسى بشكل عام خاصة ضد المرأة تحديدا وتشمل تلك المنظومة التحرش اللفظى واللمس وهتك العرض والخطف والإغتصاب وعلى ما يسمى علميا pedophilia وهو الإنجذاب أو الاعتداء الجنسى على الأطفال، وتحفل أدبيات الأصوليين بالحديث عن مفاخذة الرضيعة وجواز نكاح الطفلة حتى قبل أن تبلغ والكلام عن ممارسة الجنس مع الموتى "مضاجعة الوداع" وغيرها، ولعل ممارسات هؤلاء تفصح عن نفسها من تكرارهم مقولة أن الرسول قد تزوج عائشة وهى فى العقد الأول من عمرها كما يجمع رواة السيرة ، لكن من باب الأمانة فإن ظاهرة التحرش بالأطفال والاعتداء الجنسى عليهم موجودة أيضا بكثرة فى الجانب المسيحى وكثيرة هى أخبار إعتداء قساوسة على أطفال، و التحرش بالاطفال يعتبره البعض سهلا لأنهم الحلقة الأضعف فى نظام المجتمع ويمكن إغراء الطفل بقطعة من الحلوى ومن السهل اتهامه بالكذب فى حالة افصاحه.
ليس لدينا أى شك فى أن الكبت الجنسى يؤدى الى الحرمان والتشوه النفسي فالإنعزال لجنس معين لمدة طويلة يحدث تغيرا فى سلوكه ونظرته للجنس الآخر ومن ذلك فإن أكثر نسب الممارسات الجنسية بين الذكور تحدث فى السجون والمعسكرات والمبانى السكنية الداخلية للمدارس والجامعات، أذكر عندما تعرضت للسجن فى بداية الشباب كيف كانت سيارة الترحيلات الى المحكمة فى الصباح الباكر تكاد تنقلب على إحدى جانبيها عندما يصرخ أحدنا " بنت..بنت"، كما أن نسبة المثلية الجنسية فى المجتمعات المنغلقة كالسعودية ودول الخليج هى الأكثر إرتفاعا، وحتى فى موسم الحج فإن كثير من شباب السعودية يقومون بالتحرش بالنساء فى الأماكن المقدسة.
إن إعتبار المرأة مجرد وعاء بيولوجى لتفريغ شهوة الرجل والرغبة فى امتلاك جسدها وإخفائه وتغطيتها بحجة الحفاظ عليها من الآخرين وحبسها فى المنزل كقطعة الحلوى الجاذبة للذباب تحت دعاوى دينية من نوع "وقرن فى بيوتكن" هى عودة للقرون الوسطى وما كان يعرف بحزام العفة وليس ذلك هو الحل الصحيح للحماية من التحرش، بل إن إعتبارها كائن مستقل له نفس حقوق الذكر والسماح لها بالحياة الطبيعية والخروج للتعليم والعمل دون إهدار لكرامتها أو التحرش بها والتسلط عليها من المديرين فى أماكن العمل أو الأساتذة بالجامعات وتسليعها كما يحدث فى المجتمعات الرأسمالية وانحياز الذكور دائما للمتحرش وإلقاء اللوم على الضحية تحت دعاوى ملبسها أو سفورها وتبرجها أو "ايه اللى وداها هناك"مسألة تثير الإشمئزاز وتذكرنا بمقولة مفتى المسلمين فى استراليا الذى شبه تلك المرأة باللحم العارى على قارعة الطريق فمن حق القط أن ينهشها، فلا يمكن تبرير السرقة مثلا تحت حجة أن السارق لا يستطيع مقاومة إغراء المال، وقد أبدع يوسف إدريس فى وصف ذلك فى قصته القصيرة "سنوبزم".
نذكر أنه توجد أسباب متعددة لموضوع التحرش من بينها إنتشار البطالة وأزمة السكن وتأخر سن الزواج وغيرها من المظالم الإجتماعية ولكن يبقى المناخ الإجتماعى هو الحاضنة الأولى لتلك الظاهرة، وليس الحل الأمنى دائما هو الأنسب ولكنه يبقى ضرورة آنية، فليس بالعقوبات وحدها يمكن علاج الجرائم والاّ لأوقف حكم الإعدام قضايا القتل، ولكن على المستوى المتوسط والبعيد فإنه لابد من القيام بسلسلة إجراءات تستهدف تغيير ثقافة المجتمع ونظامه التعليمى والتربوى وتغيير الخطاب الدينى واقامة العدالة الاجتماعية وخلق بيئة قانونية داعمة، إن الإستغلال وقمع الحريات بلعب دورا لا بأس به فى تحويل الشخص الفاقد لكرامته والمقموع فى الدوائر الحكومية وأقسام الشرطة الى محاولة الإنتقام من المجتمع وخاصة من المرأة بوصفها الحلقة الأضعف بواسطة القسوة والعنف والتحرش الذى يصل الى درجة الإغتصاب أحيانا، وبينما يظهر المتحرش ذاته فى محيطه الأسرى أو الإجتماعى محافظا أو مهذبا فإنه يلجأ الى الأماكن البعيدة عن رقابة الأسرة أو القانون لتفريغ ذلك الكبت الجنسى والإحباط والقهر العائلى والمجتمعى.