المرأة العراقية والدستور الجديد



رسميه محمد
2005 / 7 / 29

لقد برهن التاريخ على صحة مادعا له مفكري الاشتراكية بضرورة ا لمساواة القانونية الكاملة بين الرجل والمرأة , وان مساواةالرجل والمرأة لاتتحقق في العائلة الا اذا كانا متساويين أمام القانون. أن تغيير وتعديل التشريعات التي تنطوي على تمييز ضد المرأة وخاصة تشريعات الأسرة تشكل الخطوة الاولى على طريق تحررها. كما أن التشريع المنزه من التمييز ضد المرأة يؤثر تأثيرا بالغا عبر تنظيمه المجتمع في انماء الوعي وتغيير العقليات والسلوكيات وتنزيهها عن التمييز ضد المرأة. ولم تصل المرأة الى المكانة الدولية التي وصلتها الا بفضل التشريعات الدولية المدنية التي انتصرت لحقوقها ومساواتها بالرجل, حيث يعد ميثاق الامم المتحدة المعتمد في سان فرانسيسكو أول وثيقة دولية تضع مساواة المرأة بالرجل . ثم جاء الاعلان العالمي لحقوق الانسان الذي نصت المادة الاولى فيه على المساواة بين الجنسين . وتوالت القرارات الدولية التي تنتصر لحقوق المرأة ولم يكن اعلان الامم المتحدة عام 1975 عاما دوليا للمرأة الا اعترافا بمسؤولية المجتمع الدولي تجاه قضية المرأة وتأكيدا لاهمية دورها في بناء المجتمعات الانسانية- مما شكل مقدمة لمرحلة جديدة بدأ بمؤتمر المكسيك وعقد الامم المتحدة للمراة, في هيئة جهد دولي يرمي الى دراسة مركز المرأة وحقوقها واشراكها في عملية صنع القرار. وقد لاحظت المؤتمرات الدولية اللاحقة الخاصة بالمرأة , انه بالرغم من الجهود الدولية المبذولة لانهاء التمييز ضد المرأة , وبالرغم من الدراسات التي تؤكد على دورها في عملية التنمية والسلام, لاتزال المرأة تعاني التمييز في اماكن عديدة من العالم ومنها الدول العربية والاسلامية, ففي هذه البلدان يتداخل العامل الديني مع العامل القانوني وكثيرا مايستخدم كذريعة للابقاء على القوانين البالية التي يعود بعضها الى العصر العثماني , فنجد مثلا ان اتفاقية الغاء التمييز ضد المرأة قد قوبلت بتحفظات من قبل الدول الاسلامية ومنها العراق , فاقت بعددها التحفظات على أية اتفاقية أخرى بحجة مخالفتها للشريعة الاسلامية والقوانين الاسلامية , وهذا مادفع لجنة الامم المتحدة لازالة التفرقة ضد النساء للمطالبة بدراسة وضع النساء في ظل القوانين الاسلامية , ولكن بعض الدول الاسلامية ومنها ايران والسودان اعترضت على ذلك واعتبرته مهين لكل مسلمي العالم. واذا كانت ظروف المرأة متشابهة في الدول العربية فهناك خصوصية للمرأة العراقية تميزها عن غيرها ,هذه الخصوصية تعود الى حروب الدكتاتورية وسنوات العقوبات الدولية وقبل كل ذلك ذهنية النظام الدكتاتوري البائد التي أعلت الاعراف البدائية في التعامل مع المرأة وكرست دونيتها في المجتمع. فقد تدهور وضع المرأة العراقية بصورة خطيرة منذ الانقلاب العسكري في تموز 1968 وظل يتدهور بصورة تنذر بالخطر وبخاصة بعد حرب الخليج الثانية عام 1991. وقد تأشرذلك التدهوروالانتهاكات لحقوق المرأة من خلال المئات من الادلة ومنها ماوثقته منظمة العفو الدولية والمنظمات غير الحكومية المحايدة. وهذه الانتهاكات مخالفة ليس فقط للقوانين والالتزامات الدولية وانما للدستور العراقي أيضا . فقد وردت في الدستور العراقي العديد من النصوص التي تنتصر لحقوق المرأة ومساواتها بالرجل الا انها بقيت حبر على ورق لا بل جرى مخالفتها وخرقها بصورة خطيرة من الناحيتين التشريعية والواقعية حيث لم تتحقق أية مساواة بين الجنسين في المجتمع , فضلا عن عدم وجود التناسق والتوافق بين نصوص الدستور والتشريعات النافذة. عموما تشير العديد من الوقائع ان القانون لم يكن وحدة سبب شقاء المرأة العراقية بل ان حالة انعدام القانون أو فقدان القدرة على الالتزام بما هو ايجابي به هو مصدر الشقاء العام. الا ان من المهم التوقف عنده هو انه بعد سقوط النظام الدموي البائد وفي الوقت الذي بدأت فيه المرأة العراقية تتطلع لمعالجة الاثار المدمرة التي تعرضت لها في ظل الدكتاتورية البائدة , فوجئت النساء العراقيات بأصدار مجلس الحكم الانتقالي القرار رقم 137 الذي يقضي بألغاء قانون الاحوال الشخصية رقم 188 واستبداله بتطبيق الشريعة الاسلامية والمذاهب الدينية , وقد جوبه القرار بموجة احتجاج شديدة واستياء ا بالغا من لدن أوسع القطاعات الشعبية ورجال القانون , اذ اعتبرته استلاب وانتهاك صارخ للحقوق المدنية للمرأة والمجتمع العراقي وفرض التراجع على كل مظاهر وقيم التحضر والتمدن, وهذا مااضطر الجهات المسؤولة لالغائه. وفي الظرف الحالي تدور معركة سياسية وايديولوجية حول الدستور العراقي المرتقب ومن ضمن الموضوعات الاشكالية التي تواجه كتابة الدستور والتي يدور صراع حاد حولها اشكالية حقوق المرأة ومساواتها التامة بالرجل. وفي هذه المناسبة لابد من الاشارة الى المبادئ التي نرتأي أن يأخذ بها الدستور الجديد والتشريعات المقبلة بما يضمن حقوق المرأة ومساواتها التامة في المجتمع-----
* اقامة نظام ديمقراطي يكفل سيادة الدستور بأقامة دولة القانون , الذي يرعى مصالح الشعب بجميع مكوناته ويضمن حقوق الانسان كما صيغت في ميثاق الامم المتحدة ولائحة حقوق الانسان والعهدين الدوليين واتفاقية القضاء على جمبع أشكال التمييز ضد المرأة , وبما ينسجم مع التطورات التي طرأت على فهم هذه الحقوق من قبل المجتمع الدولي - * فصل شؤون المرأة عن المواضيع الدينية , فموضوع المرأة هو موضوع اجتماعي خاضع لتطور الزمان واختلاف المكان ويجب أن يفهم ويعالج على هذا الاساس . * تعديل القوانين بما في ذلك قانون الاحوال الشخصية بما يتناسب والغاء التمييز بين المرأة والرجل في الحقوق المدنية والسياسية والشخصية وحماية الامومة والطفولة وتوفير كل مايؤمن للمرأة التوفيق المنسجم بين واجباتها في الحياة العامة والحياة العائلية والمنزلية. ولتحقيق ذلك يتوجب النص على جعل ماورد في الوثائق والعهود الدولية المذكورة جزء من الدستور العراقي والغاء جميع القوانين والتشريعات التي تتناقض مع هذه الوثائق والمعاهدات الدولية , لا أن يجري اقرار هذه الوثائق والعهود شكليا وسن تشريعات وقوانين داخلية تتناقض معها كما حصل في زمن الدكتاتورية البائدة. * اقرار وتثبيت كل ماحصلت عليه المرأة من حقوق عبر كفاحها الطويل , وأن التجاوز على هذه الحقوق هو اجتراء على انتهاك حرمة ذلك التاريخ النضالي الطويل في سبيل هذه الحقوق والحريات. * ضرورة ادراج حقوق الانسان الواردة في الاعلان العالمي لحقوق الانسان في المناهج التعليمية والبرامج التدريسية لجميع المراحل الدراسية , مع توضيح وتركيز على ان هذه الحقوق ذاتها حقوق المرأة , فالانسان – رجل أو أمرأة , وبالتالي حقوق المرأة هي حقوق الانسان , جزء لايتجزء منها ,كما حقوق الرجل .أخيرا أشير الى ان قضية المرأة بما هي قضية حق انساني وتحرر انساني فهي قضية المجتمع بأسره, وانطلاقا من هذه المقولة نستنتج أيضا ان اصلاح واقع المرأة سينعكس على كامل البناء الاجتماعي
وعلى هذا الاساس فأن صحت التصريحات الاعلامية التي أشارت الى نجاح القوى المتشددة في التيار الاسلامي في تثبيت فقرات في مشروع الدستور العراقي تظلم المرأة وتستلبها حقوقها التي حصلت عليها في فترات سابقة وتعيد احياء القرار137 , فأن هذا يضع على عاتق كل قوى الحرية والتقدم وكل الذين يهدفون الى تحرير المجتمع من الموروثات المتخلفة لاسيما مايتصل منها بقهر المرأة واستعبادها والنظرة الدونية لها , توعية الشعب وتحشيده وتعبئته بعدم التصويت الى دستور يظلم المرأة ولاينتصف لها وبذلك يعيد عجلة التاريخ عقود بل قرون الى الوراء----