ألأُنثى بين التبخيس والإستغلال في ألثقافة ألعربية ..!!



قاسم حسن محاجنة
2014 / 6 / 21


أوردتُ في مقالاتي عن التحرش كمنتوج ثقافي ، ما المقصود بالثقافة بمعناها الانتروبولوجي ، وقد لفت إنتباهي تعريف قاموس اكسفورد للثقافة ، وهي كالتالي (حسب القاموس ) مع بعض الإجتزاءات : تنمية وتطوير المدارك ، الحواس ، التعامل إلخ ..التحسين والتلطيف (إرهاف الحس ) عن طريق التربية ،التعليم ودورات إستكمال(إثراء) ...تطوير ألعقل ، ألذوق والإتيكيت . (من كتاب "الدماغ المرن" ، تأليف نورمان دويدج ، بالعبرية ، مُترجم عن الإنجليزية ) .
وقبل أن أبدأ بجوهر الموضوع ، بودي أن أُشارككم بقصتين صغيرتين ، تدلان على ما أُريد قوله ..
القصة الأولى : مباشرة وبعد عودة زوجتي من العمل ، تبعتها إمرأتان ،إحداهما صديقة للعائلة ، وبعد تقديم واجب الضيافة ، "دخلت " الصديقة في الموضوع مباشرة قائلة ،سائلة : رفيقتي تبحث عن عروس لإبنها ، وجئنا نسأل : هل تُوافقون على "إعطائنا " واحدة من بناتكم عروسا للشاب ؟؟
لن أُطيل عليكم ، حاولت شريكة العمر تمالك نفسها لئلا تنفجر غضبا في وجه صديقة العائلة ، وأفهمتها بأن البنات في الجامعة وليس هذا هو الوقت المناسب لهكذا مواضيع ..!! علما بأن العريس "المعروض " أُمي ، لا يعرف القراءة ولا الكتابة ، ويعمل في عمل غير ثابت ، وإبنتانا ألكبيرتان جامعيتان ، لديهما طموحات علمية ومهنية ،أبعد بكثير من الزواج في المرحلة الراهنة !!
ألقصة ألثانية : جمعتني مساء أحد الأيام جلسة مع قريباتي الصبايا وبناتهن ، وكلهن مُتعلمات ،بعضهن متزوجات ،تشعب بنا ألحديث ، وسألتني إحداهن هذا ألسؤال (وهي بالمناسبة حاصلة على الماجستير وتعمل في الجامعة ):لماذا على الفتاة التي لديها عمل ، سيارة وبيت أن تتزوج ؟ وأستمرت بالحديث ،بأن كل من حاول التقرب منها من الشباب بهدف التعارف الجدي ، كانت مُنطلقاته ودوافعه ،كونها مستقلة إقتصاديا ، وليس لذاتها!! وقد كان أحد هؤلاء صريحا حد الغباء ، إذ قال بأنه ُ يريدها أن "تصرف " أي تُعيل بيتها !! أما هو فماذا سيفعل ؟؟ الله أعلم ..
فالثقافة التي ما زال العرب يسيرون على هديها ، تنطلق من فرضية تقول بأن أقصى طموح الفتاة هو الحصول على زوج "يستر " عليها ، ولا يهم ، من هذا الشاب (زوج المستقبل ) ، هل يستطيع توفير أدنى مقومات الحياة ، أم إذا كان مكافئا من كل النواحي ، وخصوصا من الناحية العلمية ، للفتاة التي يبحث عنها!! ناهيك عن عدم التفكير ، مجرد التفكير في أن للفتاة مشاعر ، طموحا ورغبات . فهي أداة "يُعيرها " أو يسلمها أهلها له . وإختيار الكلمات التي ما زالت دارجة في مثل هذه المواقف دليل على ذلك : "إعطاؤنا إبنتكم " ، أو "إعطاؤنا " إحدى بناتكم !! واحدة منهن ، ولا يهم أيهن !!
ما الذي يدفع ، أو ما الذي يُشجّع سيدة على التوجه لطلب بنت للزواج من إبنها ؟ لأنها تعتقد بأنها كأُم لذكر فلها الأفضلية ، هكذا تفترض هذه الثقافة ، ولأنها تعتقد بأنها ، ومن خلال الثقافة أيضا ، بأنها تُطري على عائلة الفتاة لأنها أختارت بنتا من بناتها ،لتكون زوجة لإبنها !! فالبنت في المحصلة، وفي الموروث الثقافي، مهما تعلمت فإن مكانها المحتوم هو المطبخ !! فوظيفتها وما أُعدّ لها في الحياة واضح ومرسوم سلفا .. إنتظار العريس على أحر من الجمر .. لذا لم ترَ هذه الصديقة غضاضة في أن تطلب من زوجتي العزيزة ان "تُعطيها " إحدى البنات .
ولنعد إلى تعريف قاموس اكسفورد ،هل يُمكن القول بأن العرب يملكون ثقافة ؟؟ فلا تطوير للمهارات ، المدارك والحواس ، لا إتيكيت ولا رهافة حس ، ولا برامج إثراء أو تطوير للعقل !!
بينما في حالة "إحدى بناتي " ، بحثت الأم لإبنها عن عروس ، دون أن "تُعير " الإستقلال الإقتصادي للبنت أهمية بشكل مباشر ، رغم علمها المُسبق بأن "البنت " ستعمل في مهنة محترمة ، مع تأكيدنا بأن كل المهن محترمة وشريفة (إلا غير الشريفة ، كالإحتيال والإستغلال) ، لذا "يختبيء " هذا التوقع في ثنايا طلبها "إعطائها " بنتا لإبنها ، لتضمن له "مستقبله " الإقتصادي أيضا .
وهذه الظاهرة ليست وليدة أليوم ،فالمرأة ألعربية تكد يوميا في أعمال البيت وخارجه ، فهي شريكة فعلية في أعمال الفلاحة والزراعة ، والنساء القرويات وحتى نساء المدينة يربين الدواجن ويزرعن الخضار لبيعها لاحقا لزيادة دخل الأُسرة . عدا عن الأعمال الأُخرى ألتي تقوم بها النساء والتي تصب في صالح الاسرة وتوفير وسائل عيشها .
فعمل المرأة مفروغ منه ، لكنه وبالمقابل لا يحظى بالتقدير اللازم ، لا من المجتمع ولا من "الشريك "!!.
ويهدف التبخيس للأنثى ولعملها ،في رأيي ،إلى "المحافظة " على صورة الذكر ، فهو في الثقافة المتهرئة ، المعيل والمُنفق على أهل بيته بما في ذلك زوجته العاملة أو الموظفة ، فما هي في النهاية إلا "عامل" عنده ، وبفضله فقط "تتوفر "للأُسرة حاجاتها !!
فالبنتُ ومهما بلغت من شأن ، لن "يُنقذها " من وضعيتها الإجتماعية سوى ذكر ولو كان أشعث ، أغبر خارجا من مجاهل التاريخ !!
ولو لم يرَ ذلك الغر ، الأحمق والجاهل ، نفسه أفضل من الجامعية المستقلة ، لما "تجرأ" على أن يشترط عليها ،أن تُنفق على الاسرة ، بعد زواجهما !! فالثقافة "تُصوره " وتُغذي في روحه بأنه الأفضل لأنه ذكر ، وإنما هو منقذ لمن يتزوجها !! والحقيقة بأنهاهي ، وفي حالة موافقتها التي لم تكن طبعا،هي التي ستُنقذه من بؤسه !!
أين الإتيكيت ؟؟ فالثقافة التي قامت على تبخيس وإستغلال الأُنثى ، خلقت رجالا أفظاظا ، غلاظا ، جهلة وكُسالى !!