تعليم الإناث وأثره فى إنهيار الفكر الذكورى .



كريم عامر
2005 / 7 / 31

" إن أشد مايذعر له المجتمع الذكورى أن تثبت المرأة تفوقها فى التعليم والعمل فى المجالات الفكرية والعلمية،وسبب الذعر هو خوفهم من أن تتذوق النساء سعادة العمل الفكرى ولذته (اللذة المحرمة) فينجرفن فى هذا الطريق ولا يجد الرجال من يخدمهم فى البيت ويطبخ لهم ويغسل سراويل الأطفال " د.نوال السعداوى-الأنثى هى الأصل.
يعد تعليم النساء من أهم الكوابيس التى تؤرق مضجع المجتمع الذكورى ، وتجعله يخشى أن تخرج المرأة من رباط عصمته ، أو تتمرد عليه وترفض طاعته ، فالمرأة المتعلمة تمثل خطرا يمكن أن يفضى الى القضاء على هذا المجتمع القائم على السيطرة الذكورية على الإناث ، ذالك أن المرأة المتعلمة توقن انها لاتقل عن الرجل فى أى شىء ، ومن ثم فإن تفضيل الرجل عليها لن يكون له أى مصداقية بالنسبة لها ، مما يترتب عليه أن تتمرد المرأة على هذه الأوضاع الشاذة وتبدأ فى السير على خطى التحرر من الهيمنة الذكورية .
فالجهل هو الذى يجعل الإنسان يتقبل الأوضاع التى نشأ عليها حتى وإن كانت ظالمة له او مجحفة لحقه ، فهو ببساطة شديدة لايدرك أنه مظلوم أو أن هذه الأوضاع غير لائقة به ، بل إنه قد يكون على قناعة بأن وضعه الطبيعى هو الوضع الدونى ، وأن تساويه مع الطرف الآخر يعد مخالفة للفطرة ومجافاة للطبيعة ، وهى معتقدات يكتسبها الإنسان الأمى من البيئة التى يعيش فيها دون أن تتاح له الفرصة لمناقشتها أو التشكيك فى مصداقيتها ، لأنه - أساسا - لا يمتلك القدر الكافى من المعرفة الذى يؤهله لمناقشة مثل هذه الأمور .
لكن الوضع يختلف بالنسبة للإنسان المتعلم ، فالتعليم يعمل على خلق الإنسان القادر على الخلق والإبتكار والإبداع ، وهو بالتالى يجعل الإنسان أشد ثقة فى نفسه وفى قدراته ، ويجعله أشد إيمانا بقيمته التى لاتقل بحال من الأحوال عن قيمة الآخرين فى المجتمع بصرف النظر عن الإختلافات العرقية أو الدينية او الجنسية ، وعلى هذا فإنه يمكنه ان يشكك فيما تطرحه عليه البيئة المحيطة به من أفكار تقوم على تفضيل البعض كالذكور على البعض الآخر كالإناث .
وإذا طبقنا هذه النظرية على المرأة المتعلمة فإننا سوف نتوصل الى أن هذا النوع من النساء - وهو فى كامل وعيه - لايمكنه أن يتقبل هذا الوضع الدونى فى المجتمع ذالك أنه لا يجد مبررا عقلانيا يفسر التفرقة بينه وبين نظراءه من الذكور ، بل إنه فى أحيان كثيرة يبدى تفوقا ملحوظا فى العديد من المجالات العملية ، فكيف يمكن بعد كل هذا أن يستساغ تفضيل الذكور على الإناث ؟؟ وكيف يمكن للمرأة التى ينظر إليها كمتفوقة ومؤهلة للقيادة خارج حدود بيتها أن تتحول بمجرد أن تطأ قدمها عتبة بابه إلى خادمة لزوجها ؟؟ وكيف يمكن للمرأة ( وإن كانت أذكى خلق الله ) أن تخضع لرجل ما ( وإن كان أغبى خلق الله ) ؟؟ ، بالطبع هذه أوضاع مجحفة وظالمة لا يمكن لإنسان كامل من جميع النواحى العقلية والخلقية أن يتقبلها فضلا عن أن يتخذها أسلوبا لحياته ، وبالتالى فإن المرأة المتعلمة تدرك على الفور أنها لا تقل - بحال من الأحوال - عن غيرها فى أى شىء ، مما يدفعها إلى أن تسلك طريق التمرد على الوضع السائد ومحاولة تغييره إلى الأفضل .
وهنا تكون الطعنة قد سددت بكل دقة وعناية وحرفية إلى صدر المجتمع الذكورى المتخلف ، فعندما ترى المرأة نفسها متساوية تماما مع الرجل فى كل شىء ، أى أنه ليس من حقه عليها أن تؤدى له الأعمال الخدمية من طبخ للطعام وغسل للثياب وتقديم جسدها له فى الفراش كعاهرة متمرسة ، وعندما تدرك المرأة أن من حقها أن تكون لها حياتها الخاصة بها والتى لا يحق للرجل بأى ذريعة كانت أن يدس أنفه فيها ، وعندما تدرك المرأة أن من حقها ان تكون لها إرادتها المستقلة المنفصلة تماما عن إرادة الزوج أو الأب ، وعندما تدرك المرأة أن من حقها أن ترفض كل مالا يروق لها دون أن تخشى عقابا إلهيا يلاحقها لرفضها هذا الأمر المقدس ، وعندما تدرك المرأة أن من حقها ان تقول لزوجها " لا " عندما يطلبها لمتعته السادية الشاذة دون أن تخشى أن تلعنها الملائكة حتى تصبح ، وعندما تدرك المرأة أن نصيبها الذى تستأهله من التركة هو عينه النصيب الذى يأخذه نظيرها الذكر دون تلقى بالا بمن يحاول أن يصم أذنيها بآيات الميراث ، وعندما تدرك المرأة أن من حقها ان تبادر إلى إنهاء العلاقة الزوجية فى الوقت الذى تريده دون أن يعترض زوجها بأن هذا الحق مكفول له وحده طبقا للنصوص الدينية والقانونية والقواعد العرفية الجاهلية ، وعندما تدرك المراة أن من حقها أن يشاركها الرجل فى تحمل مسؤولية الطفل الذى نشأ عن علاقة جنسية خارج الإطار المشروع مجتمعيا دون ان تخشى أن يصب مجتمعها جام غضبه عليها ، وعندما تدرك المرأة أن من حقها التصويت فى الإنتخابات دون ان توضع العراقيل فى طريقها ، وعندما تدرك المرأة ان من حقها أن تجلس على منصة القضاء وتصل الى سدة الحكم فى بلادها دون أن تتهم بانها قد سببت اللعنة لـ(قومها ) .
عندما تدرك المرأة أن لها حقوقا مشروعة ينبغى ان تصان ولا ينازعها فيها أحد ، عندها يجب أن ينتظر المجتمع الذكورى نهايته المفجعة حيث أن مقومات وجوده قد إنتفت ، فلم يعد هناك أى داع لاستمرار نظامه الطبقى الأبوى اللاإنسانى فى السيطرة على رقاب البشر والهيمنة على مصائر النساء .
وحيث أن المجتمع الذكورى يتفهم هذا الأمر جيدا ، ويدرك أن السماح بتعليم المرأة يعد ضربا من الجنون وإقداما على الإنتحار ، فقد حاول بشتى الطرق أن يمنع مثل هذه ( الكارثة ) ، فحاول فى البداية أن يمنع تعليم المرأة بصورة تامة ولكن محاولته تلك بائت بالفشل الذريع ، فلم يجد حلا يلجأ إليه سوى وضع العراقيل أمام تعليم المرأة بمحاولته التشكيك فى جدوى ونتيجة هذا الأمر ، ومحاولة التركيز على ان تعليم المرأة يعد خروجا عن دورها الطبيعى المرسوم لها منذ قديم الأزل كخادمة فى المنزل وراعية للأطفال ومصدر المتعة الجنسية للرجال ، أو أن عقلها ناقص لدرجة تحول بينها وبين سرعة التلقى كالذكور ، أو أن السماح لها بدخول مجال التعليم سوف يؤدى إلى إنهيار النظم التعليمية وإنتشار الجهل بحجة أن نقصان عقلها - المزعوم عنده - قد يؤدى إلى سيطرتها بعقليتها الناقصة على نظام التعليم والتعجيل بإنهياره ، إلى غير ذالك من الحجج التى ساقها المجتمع الذكورى لمنع ( الكارثة ) التى قد تؤدى إلى زوال أفكاره وإندثارها من العقول البشرية ، ولكن وفى النهاية بائت هذه الخطط الشيطانية الذكورية بالفشل مما حدا بالمجتمع أن يحتال للضغط على النساء من خلال إقناع الذكور بأن غباء المرأة يعد أحد عوامل جاذبيتها ، وأن ذكاء المرأة مدعاة للنفور منها وكراهيتها ، وبأن المرأة الغبية - الأمية - يسهل إقتيادها والسيطرة على عقليتها الباهتة السطحية ، بعكس المرأة الذكية - المتعلمة - التى يصعب ترويضها وإخضاع عقليتها الناضجة القوية .
فبدأ الذكور ينفرون من الإقتران بالإنسانة التى يجدون فيها رائحة الذكاء ، ويلثمون أقدام الأنثى التى تفوح منها رائحة الغباء ، وأصبح الذكاء من أهم العوامل التى تجعل المرأة تسير على خطى العنوسة والحياة دون زواج ، ولكن هذه الأمور لم تكن تشغل بال الكثيرات من النساء من ذوات العقلية الناضجة ، إذ أن الزواج لا يمثل سوى جزء ضئيل من الحياة بصفة عامة ، فإذا تمكن الإنسان من تحقيق نجاح فى معظم مجالات الحياة لا يضره كثيرا أن يمنى بالفشل فى هذا الجانب الحياتى الضئيل .
وقد عمل إفشال هذه الخطة الذكورية الخبيثة أيضا ظهور أجيال جديدة من الذكور الذين تمكنوا من التحرر من العقد الجنسية ، ونمت قناعاتهم بتساوى البشر جميعا فى كل شىء بصرف النظر عن الإختلاف الوظيفى فى التكوينات الجسدية .
إن الحرب القائمة بين الفكر التنويرى والفكر الذكورى قد أو شكت أن تضع أوزارها ، فالتراث الذكورى لم يتبق منه فى عصرنا هذا سوى آثار ضئيلة تعلق بأذهان البعض منا كنتيجة طبيعية لقرون طويلة من الهيمنة الذكورية على العقلية الإنسانية ، ولكن هذه البقايا التراثية هى أيضا فى طريقها إلى الإضمحلال فى أقرب وقت ، وماعلينا سوى أن نتفائل ، فرياح الحرية قد بدأت تهب على مجتمعاتنا ، والفكر التنويرى قد بدأ يعرف طريقه نحو عقول شبابنا ، والتغيير لم يعد حلما للبعض وكابوسا يقض مضاجع الآخرين ، وإنما أضحى واقعا يلقى بظلاله على كل بقعة من بقاع العالم ، كل مايجب علينا فعله هو أن نحافظ على مواقعنا ، نتقدم إلى الأمام ولا نتراجع إلى الوراء ، نحاول الإجهاز على الفكر الذكورى الذى يلفظ أنفاسه الأخيرة هذه الأيام ، ولا نعطى الفرصة لأتباعه كى يعيدوه ثانية إلى الحياة .
على كل إمرأة أن تتفهم جيدا أن الدور المنوط بها فى الحياة قد أضحى فى غاية الحيوية والفعالية ، فعليها أن تستغل كافة قدراتها للعمل على تقدم مجتمعها وإذدهاره ، وأن تبرز للجميع أهمية الدور الذى تلعبه المرأة على الطريق نحو تقدم مجتمعها الذى عاش ردحا من الزمن فى غيابات الجهل والتخلف عندما كان نصفه المؤنث مسجونا خلف أسوار الحرملك ، ثم بدأ فى الخروج نحو نور الحضارة والتقدم عندما تحررت نساؤه من الهيمنة الذكورية وخرجن من سجنها المؤبد ، على كل إمرأة أن تبرز هذا الأمر كى تؤكد لمجتمعها أنها تصلح لأشياء أخرى غير خدمة الذكور فى منازلهم وإستعراض جسدها فوق فرشهم .