مذكرات بارميطة 34



لوتس رحيل
2014 / 7 / 9

وانظر الى تلك الطاولة...شيء ما يجذبني...واحاول طرد الهواجس والافكار..وانغمس في احاديث مختلفة..سراديب مظلمة..حكايات غريبة..تصر فدوى على عدم اللامبالاة او التأثر بها لانها على حد تعبيرها عادية جدا ولا شيء مهم ولا شيء مستحيل داخل مستنقعنا العظيم...وهذا الصحفي الحزين المدمن على مناجاة الكؤوس والندب والحسرة وكثرة الهموم..اتعود على رؤيته يوما بعد يوم امامي اصب له خمرا وهو ينظم شعرا ويرثي حاله ويدفن احزانه لتستيقظ صباحا مع طلوع شمس جديدة.. ويعايشها طيلة اليوم لياتي بها ثانية في جنح الظلام يدفنها في اوحال المستنقع وهكدا دواليك...واحترمه كثيرا احترم ثقافته الواسعة وحماسه واعماله الكثيرة..ومبادئه وكفاحاته..ولا اطيق دموعه الليلية وهو يئن ويشكو ويعترف بضعفه امام زوجة متسلطة..ابنة عم وقحة.. وكان زواجهما تقليديا وهي امية لاتفهم شيئا في مجال اعماله وعلاقاته...فعمله يحتم عليه التنقل والسفر ولقاءات مع رجال ونساء..ولكن قصر نظرها وفكرها وعقلها يشير دوما الى اتهامه بالخيانة..فلقاؤه مع امراة بالنسبة لها خيانة..وسفره خيانة ومبيته خارج البيت خيانة...والصراعات يومية والشجارات لاتنتهي..ويجد نفسه يجري ويجري الى المستنقع حيث يطفئ لهيب شرارة غضبه ..هروبا مما لا تحمد عقباه...فهو يخاف ان يضرب الزوجة او ربما يقتلها..كما ان الطلاق ليس حلا لانها ابنة عمه والطلاق فضيحة في اعراف لا تمت الى الاعراف بصلة وطاعة الوالدين واجب...وله ابن واحد..والطامة الكبرى ان ابنه الوحيد هدا ذو السبع سنوات.. مصاب بمرض في القلب..ويتعرض لازمات كثيرة كما قام باجراء عملية..ولا يزال في انتظار عملية اخرى باهظة التكاليف..والصحفي المسكين لا حول له ولا قوة وعاجز عن الدفع..وحالة ابنه تزداد سوءا..وحالته المادية مزرية رغم اسمه اللامع وسمعته الطيبة في مجال عمله...ولكن جيوبه مثقوبة...وكبرياؤه لا يسمح له بطلب المساعدة من احد وان كان قد حاول وطرق ابوابا رسمية عدة دون جدوى..فلا حياة لمن تنادي..والجهات المعنية تصم ادانها.ولا تحرك ساكنا...ولم يعد له من عزاء سوى المستنقع ..يتنفس فيه الصعداء ويفكر ويفكر..وانا ارثي لحاله...ويفتح لي صدره ويجرؤ على الاعتراف بهمومه دون خجل ..ويرمي كبرياءه جانبا...وانا ابحث عن حل للمساعدة...وافكر في مكافاة الوطن ولكنها رغم ثقلها لن تغطي المصاريف...وانتصب قضيب احمد كالعادة ليلقي التحية...يحيا قضيب احمد..
.وابتسم بسخرية..فشهاداتنا لاتسمن ولا تغني من جوع..امام شهادات قضيب احمد...وثقافتنا طعام بلا ملح...والمال...اجل المال سيد الموقف في مثل هاته الاحوال....وارحموا من في الارض يرحمكم من في السماء..وكبرياؤنا لا يجدي نفعا...وابنك في خطر يا ابراهيم...ولتدهب زوجتك الى الجحيم...وكؤوسك التي تجترعها كل ليلة لن تفتح لك ابواب السماء...فالسماء لا تمطر دهبا..وليلة القدر لاتفتح طاقتها لامثالك..فمن انت؟ومن تكون؟اسم فقط...شهرة...ولا مورد ولا ضمان..وتصفيقات وهتافات وتشجيعات..وينصرف الجميع..وتبقى وحيدا...مهموما...ولا احد يرحم الامك ..وفدوى تسخر كعادتها...
المال سيد الموقف يا زهرة...
واحمد وهو يرثي لحال الصحفي ومرض ابنه..وتعود به الداكرة الى ايام قد خلت ..وابوه المريض يرقد في الفراش.. ولا يجد ثمن الدواء.. واحمد... التلميد النجيب الدي وجد نفسه فجاة في المستنقع فعائلته في حاجة الى مساعدته...ودراسته لا امل من اكمالها..فوالده يحتضر..ولا دواء ولا اطباء...ودموع متحجرة وعجز...ويموت الوالد متاثرا بمرضه...ويغامر احمد لانقاد امه واخوته من الضياع..والمال سيد الموقف..جملة ترن في ادنه ويتردد صداها...ولا يتحمل رؤية عجوز مريض...ولا طفل يعاني...يكره الفقر..يكره الالم..يكره الدل..واصبح قضيبه عصا سحرية تداوي الجميع..عكازا يتكئ عليه الضعفاء والفقراء والمرضى والمعوزين...فقد عاهد احمد نفسه على مساعدة الجميع...وعصاه السحرية يلقي بها ارضا..وتتحقق الرغبات...انها عصاك يا موسى..ومسيرة الصحفي المليئة بالشعارات والنضالات والانجازات تبقى مجرد حقيقة عارية وابنه في معترك الموج...ولا تكريم ولا مكافاة ولا اعتراف ببطولاته..والالم يزداد وسخرية زوجته من قلمه الحافي يزيد الطين بلة..فهو شريف وقلمه الحافي كما تقول الزوجة الامية لايغترف مواده من الولائم المزيفة والمظاهر الكادبة الغشاشة..فقلمه نبيل يغترف موضوعاته من صميم واقع مزري دون رتوش ولا اصباغ..ولكن ابنك في حاجة الى الحياة..وليمة واحدة تكفي لتنجح عملية ابنك وتغطي المصاريف..ويرفض الصحفي الانصياع للاوامر وتغطية احداث تافهة بالطبل والمزمار بل يصر على تعريتها وفضح حقائقها المزيفة..والصراع يكبر..والابن يختنق..والاب يرفض التنازل..والام تصرخ وتولول والبيت جحيم..ولا مرتع سوى المستنقع وادوية المستنقع ومسكنات المستنقع..وحيرة بين ابن على وشك الرحيل..ومبادئ ابدية..للبيع في مزاد علني...ايبيع مبادئه في سبيل انقاذ ابنه..ام يترك ابنه يصارع الموت....
لك الله يا ابراهيم....
واحمد ينقذ الموقف...
وفدوى تشعر بخيبة امل في بلد لا تكرم المبدعين..ولا تعترف بكفاحات المناضلين...ولا تهتم لاوضاع المثقفين..انه الجنون..انها المتاهة...
ويصر احمد على فكرته فالمال سيد الموقف...وثقافة بلا مال لا تكفي...ومال بلا ثقافة يكفي فالمال يفتح الابواب وحتى النوافد المغلقة...والسلطة والجاه...والوساطة...ويل لمن سولت له نفسه الاضراب عن اركان النجاح في الحياة...فالوساطة تتربع عرش النجاح...وجمال احمد ووسامته ورقة قلبه وطيبته وثقافته لولا قضيبه لكان الان مجرد متسكع ومتشرد على الطرقات...وكبرياء ابراهيم...وعزة نفسه...ونحن نتفهم الامر...ولا نخبره بشيء..فقد تدبرت الامر مع احمد وفدوى دون علمه...وعصا احمد السحرية انقذت حياة طفل برئ...واجراءات قانونية...وحجز..وابراهيم لا يعلم شيئا.فقد اعتقد المسكين ان احدى طلباته في اجراء عملية لابنه مجانا قد حظيت بالقبول.... وان التكاليف قد الغيت..وان الوطن غفور رحيم.....ويحتفل بدلك والسعادة تبدو على محياه...وابنه يتماثل للشفاء...ولا يضطر لبيع مسيرته النضالية الشريفة العفيفة..وابنه يعود الى الحياة من جديد..ويحمد الله ..ابراهيم يشكر الله...ويقارع الكؤوس ثملا فرحا..وكابوس خيانة افكاره ومبادئه يختفي..واحمد يشعر بسعادة..احمد ثقافته واسعة..لم يكمل تعليمه..ولم يحقق حلمه...ولكنه الان يحصل على دكتوراه فخرية...فالزمن الاحدب الدي حرمه من تحقيق احلامه...زمن جميل وعادل ايضا..فاحمد متفوق في مجالات اخرى وبرامج اخرى ودروس اخرى وثقافات ولغات اخرى..وهوخريج مدارس عليا اخرى ومميزة...وله مكانة نافدة وسلطة وكلمة بشهاداته العليا تلك....