حيرة واقع معفن



دارين هانسن
2014 / 7 / 11

مازالت الابواب الخارجية مقفلة والهاتف يزعق في الصالون فلا أجيب، أسلم نفسي لكمبيوتري المحمول أرتمي على لوحة مفاتيحه بحثاً عن بقعة بلا دم، عن جسد لم يتمزق عن غنمة وضعت رضيعين في منتصف الربيع .
...تاريخ صلاحية قلوبنا انتهت! ومازلنا نمضي مغمضي الأعين، باحثين بين صور الأنترنت عن شرفات منازل وشوارع هربنا إليها في منتصف الليل مع حبيب نسرق قبلة بغفلة عن الزمن وألة الأعراف القاتلة .
حيث الوقت مصيبة في زحمة الموت وحيث الرحلات الجوية قد تأجل موعدها فلابد من إيجاد ملجأ من نوع أخر طريقة أخرى للنزيف.
الرغبة بالموت هي استسلام بطيء، هي اعتراف بالهزيمة أمام عهر الحياة، نخبيء خوفنا خلفها فيكون عذرنا أمام الأخرين معلب وجاهز كقرارات حكوماتنا ورجال ديننا
الابتسامة ممنوعة في الأماكن العامة!
كل منا صار يغطي عورته بعورة أخرى ، القبل في الأماكن العامة حلال طالما أنها تخلق ابتسامة على وجه طابعيها
الوقت لا يكفي لتعداد العلل المؤقتة التي تعكر يومياتنا الميتة فلنكتفي بصمت مكفن بروائح قديمة من أدراج جداتنا
الشياطين التي تخزق أجساد المشوهين في الأفلام والجن الذي يختبئ خلف الطاولة أصبح أضحوكة لم يرتقي الخيال فيها لقبحنا اليومي ومازالت المجازر اليومية مستمرة والبارات تصدح موسيقاها
حين كانت على الهاتف تصف لي الجثث في حمص كان مخي لا يعمل معطل وقلبي ينتظر بلهفة قطعة الكيك التي أعدها في الفرن! لكأن أخبار الجثث والموت والدم صارت نكت نتبادلها في جلساتنا اليومية وأحاديثنا العابرة على الهاتف!
توقف قلبي حين وضعت الهاتف على السبيكرز وسمعت صوتها يزعق فجأة ( بين كل الجثث كان هناك جثة تحاول أن تركض جسد مغطى بالدم يحاول أن يركض كنا بعيدين عن المكان لكن زوم الكاميرا التقط الفضيحة، صور قبحنا) أطفأت الفرن والسبيكر وتناولت الهاتف بيدين مرتجفتين وأنا أنظر خلفي أخاف أن تصل الجثة التي تركض إلى مطبخي البارد وتأكل قطعة الكيك الساخنة!
جثة تركض؟ سألتها بصوت مرتجف وأنا أتمنى أن تعتذر على الإجابة خوفا من المخابرات التي تستمع لحديثنا لكنها بصوت جميل وصفت ذاك الجسد المشوه الجميل المليء بالدم الذي زحف وزحف إلى أن أصابته طلقة جديدة من القناص مزقت رأسه فاكتملت عملية التشوه! وصور قبحنا بالكامل
لماذا برأيك لم يتركوا تلك الجثة تركض؟ سألتها بهبل محاولة مني أن أطرد الصورة من ذاكرتي وأقفل الباب على قلبي وضميري كيلا يتألما!
كي لا يكون شاهداَ على إجرامهم في المستقبل! أجابتني بصوت كالرعد خفت فجلست خلف الكمبيوتر أبحث عن تلك الجثة الهاربة كي أساعد خيالي الميت على تصورها كي أعطي لقلبي سببا مؤكدا للحزن وليس كلام أو نشرة أخبار سمعتها كي أطمئن نفسي بأني مازلت بخير أنا مازلت بخير، أني لا أحزن أو أبكي لا يعني أني مريضة أو مشوهة كتلك الجثة!
أنا مازلت بخير أني لم أر تلك الجثث لا يعني أني لا أستطيع أن أتصورها وأبكيها لوحدي خلف شاشة الكمبيوتر التي ربطتني بقصة عشق معها!
أنا مازلت بخير أن لا أعرف ماذا يعني أن أشتاق أمي وأبي ألا أخاف عليهم من القذائف والموت الغاضب لا يعني أني أحتاج طبيب نفسي!
لست وحدي من لا يستطيع تخيل حجم بركان الموت الذي عصف ببلدي لست وحدي من يرى الصور والجثث والأشلاء ولا يفهم المغزى الحقيقي للألم لا يتمزق لا يغضب! لست وحدي من لا يفهم معنى الفراق لا يفهم معنى أن من بقوا هناك معظمهم رحل وترك لنا الصور التي احتفظنا بها! لست وحدي من يصدق بأنني حين سأهبط في مطار دمشق سأستقل التكسي كالعادة وأصل باب توما وأجلس على الدرج هناك للحظات أسلم فيها على المكان! أنا مازلت بخير أو أن حالة الهيستيريا الجماعية قد أوقفت لعبة الوقت في جزء من تلافيف عقلنا بينما عقارب الساعة تستمر في التلافيف الأخرى!حيث ندرك بأن ثلاثة أعوام ونصف من النزيف قد روت الأرض دماً!
سرطان ينتشر على صفحات التواصل الإجتماعي!! لا لا لا سبب لمحاربته اليوم كما لم يكن هناك سبب لمحاربة التطرف منذ ثلاث سنوات! أصر على القول سرطان ينتشر في المجتمع سيقتلنا! لا تكبري المواضيع هي مجرد ردة فعل حادة فشعبنا لا يعرف الطائفية الموت لكل العلويين! قلت لها السرطان أصابك ! لعنًت في ذاك اليوم لغة الإعلام ونشرات الأخبار والستاتوسات المتتالية على الفيس بوك!
أصاب الإيدز مجتمعاتنا اليوم كما قلت منذ ثلاث سنوات حينها حوربت لانتقادي المقدسين لارتكابهم أخطاء!
داعش تعلن عن خلافتها الإسلامية وتعين خليفة! علي أن أشتري المزيد من الخمر والدخان كي إذا وصلت داعش إلى هناك تقطع رأسي فوراً فلا تأخذني سبية أو جارية لمليكهم!
متى موعد السفر؟ أسال زميلي في المهنة عبر الانبوكس في الفيس فيجيبني بما يقتلني لا أعرف حتى الأن! لا بأس لدي وقت أطول لأسافر في عالم الإنترنت أبحث عن براهين أو أدلة تؤكد مخاوفي أو تنفيها!
السرطان سيوجد له دواء باعتقادي لن يكن قاتل كما توقعت، هو فيروس منتشر بكثرة على الأنترنت لكن انتشاره بين الطبقات البسيطة من الشعب محدود حيث الشعب السني والشعب العلوي والمسيحي والدرذي وغيره وغيره الذي يجوع بسبب حروبنا غير موجود على الانترنت مشغول بتامين لقمة العيش وسقف أمن! إذا الطائفية مرض يتقاتل عليه مدمنو الانترنت! هللويا!
أريد أن أصدق هذا التنبؤ أريد أن أنفي كل ما أسمع عن أعمال طائفية أخذت مساحة على أرض الواقع! لا سرطان يا ثريا سيصيبنا هللويا ما أصابك هو فيروس الانترنت المسمى سرطان! ليعش الشعب المسكين لتعيش أم فوزي التي صرت بلا وعي أناديها ماما!
لماذا الخوف ونحن شعب المقاومة والممانعة والثورة والتطرف والعلمانية والتدين المقبول والعهر الفاحش والفساد ووو نحن خليط غني من التناقضات إذا لماذا الخوف! هناك أمل أن تعمل كل تلك التناقضات بعبقرية مثالية لتخلق عندنا عبقرية لم تولد بعد في العالم!
لماذا يجب علينا أن نبكي فأطفالنا قد تعودوا حمل السلاح فلا داعي أن يذهبوا إلى الجيش في المستقبل لديهم خبرة عملية في الموضوع، هل سيكبر أطفالنا؟ لا خوف إذا لم يحصل نلد أطفال جدد لم يمسكوا سلاح لكن سيتم أخذهم إلى جيش الديكتاتور أو ربما جيش الخلافة! لا خوف علينا من جهلنا نحن بأسؤء الأحوال موتى أجساد بلا روح حيث تعبر تكرر نفس الحديث ونفس الولادة والموت!
لكن صار عمري ثمانية وعشرين وحتى اليوم لا أفهم لماذا الحديث عن الدورة الشهرية عيب في مجتمعاتنا وبنفس الوقت ترفع الشراشف المبللة بالدم بعد أن يثبت الرجل رجولته ويفتخر بأن عروسته الجديدة عذراء فتزغرد النساء اللواتي يعتبر حديثهن عن الدورة الشهرية عيب فخراَ ! وبنفس الوقت الحديث عن الجنس أو الرغبة بالممارسة خط أحمر ممكن أن تقتل من أجله الفتاة إذا تعثر لسانها وذكرت ذلك بمحضر ذكور القوم! ألسنا نفس القوم الذي هلل وافتخر للمارسة الجنسية للتو! لربما نحن قوم مريض! نأكل ونشرب ونقتل بعض ونلعن الإله ثم نصلي له وبعدها نجبر فتاة صغيرة العمرعلى الزواج ....
الخلافة الإسلامية والديكتاتور عنوان لمسلسل جديد عن مأساتنا يلهي الناس عن صدمتهم بباب الحارة لكن سيكون فيه مكان للكفرة وشاربي الخمر والراقصين وممارسي الجنس والفتاة التي ترفع صوتها وتضحك في الشارع والشاب الذي يتزوج من حبيبه ويتبنى طفل افريقي يعني سيكون فيه مكان لبشر موجودين مقهرين في مجتمعي فكيف ستكون ردة الفعل!
غوص في الذات يسأل من أكون وكيف نتصرف ومن نحن
الهاتف يزعق مرة أخرى في الصالون! أه إنها أمي تحاول منذ الظهيرة أن تتصل وأنا أتجاهل ذلك أحاول أن أتفلسف على نفسي!
ما الأخبار؟ لا شيء ما بال صوتك تجيبني امي! أتذكر أه علي أن أضحك كيلا أوترها! فجأة يصبح صوتي مفعم بالسعادة أخبريني عنكم كيف الأمور
نحن مازلنا بخير خالك كما هي الأمور معه جارتنا سألت عنك احذري من! أشغل السبيكر مرة أخرى وأنا ذاهبة إلى الفرن مرة أخرى أشغله وأنتظر أن تصبح الكعكة محمصة وصوت أمي يصرخ من الهاتف أوقفي تلك الضجة لا أستطيع أن أسمع! أقترب من الهاتف مرة أخرى: أصنع الكيك أمي كيك الشوكولا!
أسعد خبر سمعته اليوم ابنتي أصبحت ربة منزل!