عن المرأة والدستور في هذا العراق المقهور



كامل السعدون
2005 / 8 / 5

-1-

أذكر حين كنت طفلا في أواخر خمسينات القرن الفائت ، وإذ كنا في الريف ، أنّا كنا نفاجئ بين الأونة والأخرى بعابر سبيل من أهل الله ، رجلٌ معممٌ يجول الأرياف حاملا بضاعته من الخرز والمسابح والنصائح والبركات المؤجلة .
كنا نتبرك به ، نستقبله بالحسنى ، يهتف بنا الكبار بخشوع : قبل يد مولاك السيد .. ( نتناول اليد بإنبهار لنقبلها ) ، يهرول آبائنا إلى بيت الضيافة ليهيئوا المكان لمقام السيد .
تشرع الأمهات بملاحقة الدجاجة الوحيدة أو البطة السمينة لتصطادها فتشويها للسيد الكريم الذي حلت بركاته فجأة ...
وعقب العشاء ... حلوى ( والمؤمنون حلوانيون ) كما نعرف ، ثم نسهر الليل معه ، يحدثنا نحن الرجال والأولاد عن يونس الذي أبتلعه الحوت وموسى الذي أإنشق له البحر ومحمد الذي أنفلق لمولده إيوان كسرى .
( ولا أدري لمَ إيوان كسرى بالذات ، وبين مكة والمدائن مسافة رهيبة لا يصلها الفارس إلى في شهرين أو أكثر ، وكان حريا بالكعبة أن تتلألأ فوقها النيازك لتثبت لقريش أن من ولد هو نبيهم القادم ، فيؤمنوا به سريعا ، بدلا من أن يضطرب إيوان كسرى الذي هو على الأقل صاحب دين وليس له علاقة مباشرة بهذا الدين الجديد كالقرشيين بالذات ) .
المهم ... هي ساعات من الحبور والنشوة وال ( أكشن ) وال ( دراما ) ، كنا نحتاجها في ذلك الزمن الكئيب الطويل الذي تتشابه أيامه ولياليه .
ومع ذلك ، فما أن يحل الصبح حتى يبارح أبي البيت إلى مزرعته ، ناسيا هذا السيد النائم في ( المضافة أو المضيف كما نسميه نحن العراقيون ) ... !
تسأله أمي والرجل المبارك ؟
يجيبها ... سيتابع لا شك طريقه ، حذار أن تخرجي له ، أبعثي إفطاره مع ولدك ولا تكثري من البيض والتمر والدهن الحر ، فإنه إن وجدها عامرة أقام حتى الظهر ، وإن أقام الظهر بات ليلة ثانية ، هؤلاء الناس المباركين لا يجب أن يعطيهم المرء أكبر من قدرهم وإلا أقاموا أبد الدهر ...وتدخلوا في الصغيرة قبل الكبيرة ... !
لو إن الأعزة الحكيم والجعفري والصدر والبغدادي والطباطبائي والشيرازي والضاري كانوا ضيوف ليلة ... لذبحنا لهم ولو آخر دجاجة وبرميل بترول عندنا ... لكن حيث أنهم يودون الإقامة دستوريا بيننا وإلى أبد الله ( فالدستور ليس قائمة مشتريات لمولد نبوي أو طهور أو عرس ) ، فلهذا علينا أن لا نراهن على بقية أعمارنا وبقية بترولنا وكرامة نساءنا وسعادة أطفالنا البائسين .
ولهذا علينا أن نقلب أوراقهم الشخصية ، فننشر القذر من الثياب ، ونفصح عن الخبيء من الأسرار ، ونربط الماضي بالمستقبل ، والنهج بالنهج وكروموسومات هذا السيد بكروموسومات جدّه العشرون ، فنعرف لا من قزحية العين بل من بصمات أصابع الجد المبثوثة في سيرته وكتابه ، نعرف ماذا يريد لنا ومنّا هذا الحفيد البهي الذي خرج بين ظهرانينا ، يريد أن يحكم فينا شرع جدّه ويعيد ذات السيرة غير العطرة .

-2-

مكانة محمد لدى المسلمين بلغت من التقديس والتكريم حدا صار فيه الناس يتنافسون على الإنتساب إليه رغم أن الرجل لم ينجب إلا بنات فقط ، ولكنك تجد اليوم أحفادا لمحمد من الأفغان والإيرانيين والعرب والبلوش والأفارقة و.... الخ .
وبين العجم الفرس أكبر نسبة من أحفاد محمد في العالم كله ، يليه طبعا العرب العراقيون ثم المصريون ( والذين أعلنوا قبل أيام عبر نقابة الأشراف تأييدهم بل وتوسلهم للسيد حسني مبارك ليجدد ولايته كأمير لمؤمني مصر ) .
لماذا هذا العشق بمحمد والإنتساب إليه ولو زورا كما يفعل الكثيرون ؟ الجواب لأن شرعية محمد فوق كل شرعية ، أو ليس هو القائل ( حكم هذه الأمة في آل محمد إلى يوم الدين ) .
فإذن ليس أسهل من أن تنتسب إلى محمد لتحكم الأمة .... !
ولهذا فخاتمي من أل محمد وخامنائي من آل محمد والخميني من آل محمد والسيستاني من آل محمد والصدر من آل محمد والحكيم من آل محمد وملوك الآردن والمغرب من آل محمد ومن لم يقيض له أن يكون من هذا الآل ، عليه أن يستقطب حوله الحقيقيون أو الزائفون من هذا الآل ... !
لكن ... ما هي مكانة المرأة في آل محمد وحكم آل محمد ؟
ما هي صورتها في دستور آل محمد ، خصوصا وإن لدينا في العراق قرابة الستون بالمائة من أهل البلد نساء ؟
حسنا ... سنرى في الأحاديث النبوية التالية كيف ينظر محمد للمرأة ، ونقيس على ذلك نظرة دستور محمد المراد تطبيقه في العراق .
في حديث لأبي سعيد الجندي قال:
* خرج رسول الله ص في أضحى أو فطر إلى المصلى، فمرَّ على النساء فقال (يا معشر النساء تصدَّقن فإني أُريتكن أكثر أهل النار) فقلن: فيم يا رسول الله: قال (تكثرن اللعن، وتكفرن العشير. ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للُبّ الرجل الحازم من إحداكن) فقلن: وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله؟ قال (أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل؟) فقلن بلى. قال (فذلك من نقصان عقلها. أليس إذا حاضت لم تصلِّ ولم تصُم؟) قلن: بلى. قال: (فذلك من نقصان دينها ) .
لو تأملت في هذا الحديث الذي يطلقه الرجل على جمع من النسوة محتفلات بعيد إسلامي ، لو تأملت فيه لرأيت أن الرجل ظلاميا سوداويا غريب الأطوار حاقدٌ على المرأة بشكل غير معقول .
أو يمكن لنبي أو حكيم أن يجرح الناس بهذه القسوة في صبح عيد بهي ... ؟

• وفي حديث آخر يقول الرجل ((لا تسكنوا نساءكم الغرف ولا تعلموهن الكتاب، واستعينوا عليهن بالعرى وأكثروا لهن من قول "لا" فإن "نعم" تغريهن على المسألة ) .
تصور ، حجم القسوة التي يدعو بها محمد أتباعه في التعامل مع المرأة ... يا سبحان الله ... ولا كأن هذا الرجل خرج من بطن إمرأة ... !

* ويقول في حديث آخر ( من تسعٍ وتسعين امرأة واحدة في الجنة وبقيتهن في النار ) ويقول في آخر ( أن النار خُلقت للسفهاء وهن النساء، إلا التي أطاعت بعلها ) .
* وفي حديث ثالث له يقول ( هلكت الرجال حين أطاعت النساء ) وفي رابعٍ يقول ( ما تزال الرجال بخير ما لم يطيعوا النساء ) .
ويخبرنا في خامسٍ عن سبيب خوفه من المرأة بقوله : ( إياكم والنساء، فإن أول فتنة بين بني إسرائيل كانت بسببهن ) ولا ندري عن أي فتنة يتحدث الرجل .
وفي آخر يقول (ما أخاف على أمتي فتنة أخوف عليها من النساء والخمر ) وفي سابع أو عاشر يقول ( لولا المرأة لدخل الرجل الجنة ) .
ولن أضيف مزيدا لكي لا أزيد من كآبتكم ، ولكني أود هنا أن أعلق فقط على تلك الأحاديث :
لا أظنني أضيف جديدا إذا قلت أن المرأة التي يقال لها مثل هذا بضع مرات في اليوم ، لا يمكن أن تكون إمرأة سليمة العقل والضمير والخلق ، وبالتالي لا يمكن أن تكون شريكا طبيعيا للرجل في هم التربية وإدارة المنزل ، ناهيك عن إدارة بلد ... !
ولا أشك في ان هذا الذي قلته يعرفه أهل الدين جيدا ، ولن يمتنعوا عن قوله لأنه آت من اللسان المقدس للنبي الأمي الذي هم في الغالب ليسوا أتباعا له ، بل أحفادا ( كحال السادة المشايخ عندنا في أحزاب العراق الإسلامية ) .
فكيف سيكون مستقبل المرأة في العراق وإن منحت نسبة ال25 % في البرلمان والحكومة ؟
سيكون مستقبلها مرعبا وربي لأنها لن تعدم أن تسمع حتى وهي في البرلمان قولا غليظا من رئيسه أو نائبه ، يمكن أن يحطم إداءها السياسي إلى أبد الله ، ويعيدها إلى بيتها لتنزوي فيه منتظرة الموت الذي سيكون على الأقل أرحم من العيش بين هؤلاء ... !
إنها مثقلة بشعور العار ، مثقلة بتأنيب الضمير لأنها ولدت إمرأة ، مثقلة بالأسى لأنها بلا مستقبل ديني ( لا جنة ولا حور عين من شباب ولا حياة جنسية طبيعية في الجنة ) ، ولا حاضر حياتي طبيعي لأنها تصفع كل نصف ساعة بهذا القول البهي ( ناقصة عقل ودين )
وللحديث صلة .
___________________________

أوسلو في الثالث من آب 2005