مذكرات بارميطة رقم 39



لوتس رحيل
2014 / 8 / 6

ولا افهم سر ادمانه..ولم هدا التناقض في مظهره؟فهو يصر على ارسال لحيته وكانه متدين وتقي..وفي نفس الوقت يدخن بشراهة ويعشق الخمر اكثر من عشقه الحريم..فالخمر حريمه..حبه..وزياراته الليلية الى المقام وجلوسه وحيدا يعاقر الكاس ويسامرها يتلدد ويدخن ويلاعب حبات الفستق ويناجي نفسه يدرف دموعا احيانا ويبتسم بسخرية احيانا ولا يحدث احدا ولا يبالي بمومس تحاول اغراءه وجدبه الى الحديث ولا تهمه برامج الصالة او رقصات الشباب او الاجواء الصاخبة...يشرب ويشرب حتى يثقل في الشرب..وبعدها يغادر..والاغرب انه جداب...تبدو عليه اثار العز والثراء...ووحيد..مهموم...شارد ..يفكر في شيء ما..حاولت ان اغوص..واكتشف ما يدور بخلذه وما مشكلته..فانا ارثي لحاله رغم اناقته ولحيته التي تضفي عليه وقارا وهيبة..يقع في اوحال مستنقع شعاره زجاجات ويسكي وبيرة وشمبانيا وضياع وانسلاخ ودخول في دورات نسيان لامتناهية....وحاولت التقرب منه فهو يحييني بكل احترام ويبادلني كلمات قليلة عند دخوله وعند خروجه...لاتشجع واساله عن سبب دخوله الى دائرة النسيان المزيف...فهو انسان شريف..وخريج معهد عالي..وموظف سامي..وعائلته عريقة..او هكدا كان يعتقد.....
وكيف دلك؟؟؟؟؟؟كنت تعتقد انك من عائلة عريقة؟؟؟؟اهناك شك في ذلك؟
واجاب بهدوء:
اجل كنت اعتقد اني من عائلة عريقة وعريقة جدا...وانا الان اشرف على الثلاثين...ثلاثون سنة قضيتها وانا اعتقد انتمائي الى هده الاسرة العريقة..لاكتشف فجاة اني لا انتمي اليها...
نظرت اليه في اشفاق....وهو يكمل في هدوء..فهو يحافظ دوما على هدوئه:
وعشت سعيدا مدللا..في كنف اب حنون...وام طيبة عظيمة رائعة..لا ينقصني شيء..اكملت الدراسة بتفوق..لا افكر في شيء سوى النجاح..ونجحت...بفضل تشجيعات والدي...وابي كبير السن...لكن امي لا تزال شابة...ورغم فارق السن بينهما الا ان الانسجام والحب والتفاهم والسعادة...عوامل تسود بيتنا الجميل...واعتدت على نمط الحياة هدا..وانا لا احب الاختلاط...ولا اصدقاء لدي ولا تجارب في الحب...احب امي وابي وعملي...ولا ادخن ولا اشرب خمرة...واكتشفت فجاة اني مجرد كدبة..اني كنت اعيش خدعة كبيرة...وعائلتي العريقة..ونسبي...مجرد اوهام...اكتشفت اني ابن الخادمة....
وقاطعته في دهشة:
مادا؟وكيف دلك يا جلال؟
وشرب كاسه جرعة واحدة وهو يتنهد:
انها الحقيقة يا زهرة..بعد ثلاثين سنة اكتشف اني لا امت باية صلة الى دلك البيت وان تلك المراة ليست امي ودلك الرجل العجوز دو السبعين من عمره ليس ابي وتلك العائلة العريقة والحسب والنسب مجرد وهم...وكان دلك بمحض الصدفة...
وسكت قليلا وانا انظر اليه ليردف ثانية:
عدت الى البيت كعادتي وقت الغداء لاجد ضيفا..رجل بائس يبدو عليه التعب والارهاق..ثيابه رثة وكانه متسول او خارج من السجن..بل فعلا خرج من السجن لتوه وقصد بيتنا لزيارة والدي...وكانت الصدمة قاسية...فقد اضطر ابي ان يقدمني اليه فلم يعد مجال لاخفاء الحقيقة المرة...اخبرني ان هدا الرجل البائس هو ابي الحقيقي...وكانت الصدمة قوية جدا...لم استوعبها على الفور ولم اتقبلها ولم افهم شيئا مما جرى...لاصاب بانهيار تام...والازم الفراش عدة ايام وطبيب وادوية...واكتئاب حاد...وبعدها تمكنت من الخروج من حالتي هاته وانا احاول ان اتقبل الامر وارتب افكاري وابحث عن تبريرات...فامي الحقيقية كانت خادمة في هدا البيت...وهدا الرجل البائس..اي ابي كان هو الاخر حارسا في هدا البيت...فقد تزوج امي واقاما هنا في بيت صغير منزو في الحديقة..وحملت امي بي...وبعدما انجبتني...اكتشف والدي انها تخونه مع سائق العائلة...ليقوم بقتلهما معا..فقد دخل عليهما وهما يمارسان الجنس في غرفته...والقي عليه القبض..وبقيت وحيدا..فلم يسع رب العائلة الا ان ياخدني فليس له ابناء وزوجته الشابة العاقر تحمست لتصبح اما لي وتعوضني عن حنان امي الخائنة...ودخلت باب البيت لاصبح ابنا لهما ....وتمر السنون..ويبقى السر في طي الكتمان...حتى انقضت مدة عقوبة السجن ليخرج الاب مصرا على رؤية ابنه وفلدة كبده..وهدا حق من حقوقه....ولا ينكر ان الاب العجوز قام بكل واجباته نحوي فقد رباني احسن تربية وعلمني وحقق لي احلامي...وامي الشابة الجميلة هي الاخرى لم تبخل علي بحنانها وحبها ومالها...فانا ابنها المدلل...وراسي لا يتحمل ما يحدث...ومسكنات الطبيب لم تشفع لي...وخيانة امي تطعن مشاعري وسجن ابي يدبحني...واصبح الكاس رفيقي..والسيجارة عشيقتي..احرق اعصابي..وادمر صحتي..
وقاطعته في حزن:
انها الحياة يا جلال..المهم ان لك اصلا وفصلا...كما ان للظروف احكام..لا تلم نفسك ولا تنتقم منها ولا تعدبها...امك لها ظروف خاصة دفعتها الى خيانة ابيك...وابوك ايضا معدور لم يتحمل الصدمة فقام بقتلهما...ولحسن حظك ان الله لم يخيب رجاءك ونشات في بيت عز وجاه ودرست واشتغلت وحصلت على كل ما يحلم به شاب في سنك...وقد كان من الممكن ان تصبح مشردا وتجوب الشوارع والازقة وربما تكون قاطع طرق...او متسولا او مجرما ودو سوابق...يجب ان تشكر الله الدي منحك عائلة تفتخر بها استطاعت حمايتك من التشرد والضياع...ورغم حمايتها لك فانت الان تصر على تدمير نفسك...
نظر الي طويلا وهو يتساءل:
مادا تقصدين يا زهرة؟؟؟؟؟
اجبته بحدة وانا احاول الرفع من معنوياته:
انها الحقيقة يا جلال..انت الان شاب ناضج ومسؤول ولك عمل قار ومسؤوليات..والمستقبل امامك..اجل مستقبل زاهر ينتظرك....ومادنب والديك بالتبني؟اليس الاجدربك ان تشكرهما فهما فتحا لك ابواب الخير ولم يتخليا عنك ابدا..اجزاؤهما الان نكران الجميل؟اتعتقد ان خروجك من البيت وهجرتك لهما هي الحل؟؟وابوك العجوز المريض الدي يفرح فقط لوجودك في البيت اتعتقد ان هروبك هو الحل؟؟جلال حاول ان تنظر الى الامور بطريقة اخرى صديقي...يجب ان تتقبل الامر...وتشكر والداك وتعود الى البيت فلم يرتكبا دنبا في حقك..واخفاؤهما الحقيقة عنك كان عن حسن نية هدا كل ما في الامر..كما ان ابوك الحقيقي هو من طلب منهما اخفاء الامر حتى يخرج من السجن ويحكي لك الحكاية كما قلت...وهدا يعني ان المسالة خاصة تخص اباك الحقيقي وتخصك انت وما عليهما سوى احترام رغبته وعدم اطلاعك على القصة وهو داخل السجن...وقد حان الوقت لكشف الاوراق عن الماضي..وانت ابن حلال يا جلال..لديك اب ولديك ام...والماضي سيبقى دوما ماضيا المهم ان تفكر في مستقبلك...
وادرف دمعة وهو يقول لي:
اه يا زهرة كانت صدمتي قوية...وحالة ابي البائس والمريض...وتمنيت معانقته بعد تماثلي للشفاء بعدما استطعت مفارقة السرير..فقد مكث في البيت بطلب من ابي العجوز...ولم اجرؤ على معانقته...وحاولت الاستماع اليه والخروج معه الى مقهى...فوالدي حاولا تشجيعي على مرافقته والتقرب اليه...وسافرنا معا واشتريت له ثيابا جديدة وفكرت ان اعوضه ما اغتصبته ليالي السجن الباردة والعداب...لكن المرض ينخر جسمه...ولم اتمكن من انقاده...ليموت بين يدي وهو مسرور جدا فآخر كلماته كان يشرح فيها مدى سعادته بلقائي فقد كانت امنيته الاخيرة ان يلتقي بي قبل موته...وتحققت امنيته...وكان موته صدمة ثانية وقاسية ايضا...لان قلبي اصبح يخفق من اجله وغضبي يزول وحنان غريب ...وقد قررت ان اشتري بيتا لنقيم فيه معا بل اشتريته فعلا...وانسيه العداب واكرمه واوفر له سبل الراحة والعيش الكريم..لكن الموت اختطفه مني...وكرهت كل شيء..ولم اعد اطيق احدا ...واصبحت من رواد المستنقع..حتى العمل ..لا رغبة لي في العمل..فاخدت اجازة طويلة..اقضي النهار نائما في بيتي مستقلا عن والدي اللدين لم اجرؤ على النظر في وجهيهما حتى الان..رغم اتصالاتهما المتكررة وتوسلات والدتي..ورغبة ابي العجوز في رؤيتي.... وارتاد هدا الوحل ليلا...
وقاطعته وانا اغير لهجتي الرقيقة في حديثي معه فقد اغضبني قوله:
ليس هدا هو الحل يا جلال..عد الى حياتك الطبيعية...ابوك العجوز في انتظارك...وامك الجميلة ترغب في احتضانك...انها مجرد غشاوة ستزول قريبا...انها مسالة وقت..لا تستسلم للتيار يا جلال..لا تدمر نفسك وتحطم حياتك...فلن ينسيك المستنقع شيئا..ولن تنسيك مسكنات المستنقع شيئا...حاول ان تكون قويا صبورا يا جلال...تقبل كل ما يجري...