حق البعولة



محمد ابداح
2014 / 8 / 22

حق البعولة !
الحق قوة، ولن ينال شخص حقه، إلا إن كان مستحقاً لذلك الحق، وفي الجاهلية فإن البعولة حق عادل للإستئثار بالميراث!، فالبعل هو صاحب الكملة في بيته وعند أهله وعند العرب، وعلى الضعيف حسن الطاعة للبعل، وبهذا الحكم للحق، حَرَمَ الجاهليُّ المرأة وكل من هو دون سن البلوغ من الميراث ، وكذلك كل من لا يستطيع القتال فقد حُرمَ من هذا الحق أيضاً.
ولم يُحَرّم المشرّع الجاهلي المرأة وحدها من الإرث، فقد وجد المشرّع الجاهلي أنه ليس من العدل اعطاء الطفل إرثاً، فهو لا يستطيع الطعن بالرمح ولا الضرب بالسيف، لذلك حرمه منه ما دام طفلاً، وحرم الكبار منه ما داموا لا يستطيعون الطعن ولا الضرب بالسيف والذب عن الحق، ولا سيما عن حق الأهل والقبيلة،الذي هو الحق العام، لذلك حرم المعتوه ايضاً من حق الإرث، لأنه معتوه لا يستطيع حمل السيف والدفاع عن الحق.
وطبقاً لمستوى البعولة، تكون تراتبية الحقوق، فضلاً عن منزلة الرجل في قبيلته، ومنزلة القبيلة بين القبائل، ومنزلة القبائل في المناطق الداخلة ضمن نفوذ الملوك المسيطرة والحاكمة بتلك الحقبة، فدية الملك على سبيل المثال، أعلى من دية سيد القبيلة، ودية سيد القبيلة القوية فوق ديات أسياد القبائل الأضعف، وصولاً لأضعف فرد بأضعف قبيلة، وسبب هذا التباين هو أن مفهوم الحق عند الجاهليين كان يقوم على اعتبارات متعلقة بقوة ومعة ومكانة المرء ودرجة القبيلة، ولم يقتصر تفاوت الحق على ( الديات) اي التعويض عن الضرر، بل سنّ التشريع الجاهلي التفاوت في الحق في كافة الحقوق الأخرى، كحقوق الغنائم التي يحصل عليها المنتصرون من الغزوات أو الحروب، فأعطت الملك حقوقاً خاصة في الغنائم، ووضعت لسادات القبائل أنصبة معينة فيما يقع في ايدي افراد القبيلة من غنائم، بان جعلت لهم النشيطة ، والصفايا، والفضول والمرباع .
وقد أعطى التشريع الجاهلي الملوك وسادات القبائل والأشراف حق الحمى،لا يشاركهم فيه مشارك ولا يرعاه احد غيرهم، بل يكون صاحب الحمى شريك القوم في سائر المواقع حوله،وقد اخذت شرائع الجاهليين بفكرة أن الإنسان إما أن يكون حراً وإما عبداً اي رقيق مملوكاً، والرقيق هو ملك سيده، ولذلك، فإن ما يكون له أو ما يكون عليه يختلف في القوانين عما يكون للاحرار من حقوق وأحكام، وهو مبدأ لم يكن خاصاً بالجاهليين فقط، وإنما كان عاماً بذلك الزمن، اخذت به جميع الأمم، وقد نُص عليه في القوانين الرومانية واليونانية وفي الشريعة اليهودية، فالعبد ملكُ صاحبه، كما ملك اليمين في الإسلام ، إلا إن مُنّ عليه بالحرية، أما إذا بقي عبداً ، فإن نسله يولد وينشأ عبيداً ايضاً، والعبدة ملكاً لسيدها، يتصرف بها كما يشاء، ومن حقه وطئها دون عقد زواج، لأنها ملك اليمين ، والمالك يتصرف بها على نحو ما يراه مناسباً بيعاً وشراءاً وافتداءاً.
ولولي الأمر إجبار البنت على الزواج بمن يريد أو يوافق عليه لأن يكون بعلاَ لها، وليس لها مخالفته، كيف لا، والرجال قوامون على النساء، أما المرأة، فهي للبيت، والرجل هو رب البيت وسيده والمسؤول عنه، وله الكلمة فيه، وهو القيم الطبيعي والمسؤول عن تربية أولاده، وهو المسؤول عن إعالة زوجه وأولاده، والزوجة تتبع بعلها، وعليها إطاعة أوامره، ما دامت أوامره لا تنافي عرفاً مألوفاً، وبيتها هو بيت الزوجية.
ونتيجة لسيادة الرجل على بيته وزوجته، قيل له في كثير من اللغات السامية، ومنها اللغة العربية (بعل)، كما ذكرنا، فالرجل هو بعل المرأة، ومن تلده الزوج يكون لهذا البعل، فهو في ولايته، ورعايته، وعليه تربيته حتى يبلغ أشده، وعنه يأخذ إسمه، وهو مسؤول كذلك عن رعاية أحفاده بعد ابنه، أما أولاد ابنته فإنهم في رعاية أبيهم، فهو وحده المسؤول عنهم، لأنه بعل بيته.
ونتيجة لحق البعولة لم يكن للولد الاعتراض على ما يفرضه أبوهم عليهم من حقوق، ولا مخالفة أوامره ونواهيه، فبوسع والدهم فرض ما يراه عليهم من عقوبات، فلا يمنعه منها إلا قوة الولد وتوسط الناس، فإذا اشتد عود الولد، وقوي ساعده صار الحق إلى جانبه، وصار في وسعه معارضة والده، ولن يكون في إمكان الوالد فعل شيء بعد بلوغ ابنه سوى خلعه والتنصل منه على رؤوس الأشهاد.
وللواقع المتقدم لم تمانع شرائع الجاهليين في وأد البنات أو قتل الأولاد، ولم يعتبر من يئد البنت أو يقتل ابنه قاتلاً، ولم يؤاخذ على فعله، حتى الأمهات لم يكن من حقهن منع الاباء من وأد بناتهن، أو قتل أولادهن، لأن البعل هو وحده صاحب الحق والقول الفصل فيمن يولد له، وليس لامرأته حق الإعتراض عليه ومنعه.
وعليه فإن قضية ظلم المرأة العربية بشكل عام، وحرمانها من حقها الشرعي في الميراث بشكل خاص، لم يأت من فراغ، ولم يكن وليد الساعة، بل هو عبارة عن مجموعة من العوامل التاريخية والإجتماعية والفكرية المعقدة، ارتبطت طوال قرون من الزمان، بتقاليد وأعراف خاصة وعامة، لايزال الإسلام يحاربها وسيظل إلى يوم الدين.

المحامي محمد ابداح