المرأة بين الحجاب والجلباب



ريم أبوالوفا
2014 / 9 / 19

المرأة بين الحجاب والجلباب

إن المشكلة الحقيقية تقع في ضعفنا، وحاجتنا الشديدة لصناعة كهنوت يخبرنا رجالاته أنهم وحدهم القادرون على فهم النص الديني، وما علينا إلا أن نُطيعهم فيما يستنبطونه منه، فيرضى الله عنّا. وإن في هذا الأمر لراحة كبيرة للنفس؛ حيث نُحمل هؤلاء عبء الفهم واستنباط الأحكام الدينية فنُريح ضمائرنا بأننا لسنا المنوط بنا إدراك أوامر ونواهي الله، بل فقط علينا طاعة أوامر ونواهي هؤلاء المُخولين بفهم الله، وإن أخطأوا الفهم؛ فهم سيشاركوننا في حِمل الذنب أو ربما يحملونه كله، أو ربما هم أحباء الله فلا ذنب عليهم ولا على من اتبعهم –وهم أبدا لا يُخطئون، كما لقنونا لقرون وقرون- .
• -﴿-;---;--يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ الَّلاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاتِكَ الَّلاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا ٭-;---;--٭-;---;--٭-;---;-- تُرْجِي مَن تَشَاء مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَن تَشَاء وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَى أَن تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا ٭-;---;--٭-;---;--٭-;---;-- لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاء مِن بَعْدُ وَلا أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَّقِيبًا ٭-;---;--٭-;---;--٭-;---;-- يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمًا ٭-;---;--٭-;---;--٭-;---;-- إِن تُبْدُوا شَيْئًا أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ٭-;---;--٭-;---;--٭-;---;-- لّا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلا أَبْنَائِهِنَّ وَلا إِخْوَانِهِنَّ وَلا أَبْنَاء إِخْوَانِهِنَّ وَلا أَبْنَاء أَخَوَاتِهِنَّ وَلا نِسَائِهِنَّ وَلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا ٭-;---;--٭-;---;--٭-;---;-- إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ٭-;---;--٭-;---;--٭-;---;-- إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا ٭-;---;--٭-;---;--٭-;---;-- وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا ٭-;---;--٭-;---;--٭-;---;-- يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾-;---;-- (الأحزاب 50-59)
تقع (الآية 53) -المعروفة بآية الحجاب- محلاً للكثير من التساؤلات غالبا، حول ماهية مفردة الحجاب، وفرضيته بين التخصيص والتعميم، وربط مفردة حجاب بجلباب (الآية 59)، وكثير من مثل هذه الأشياء.
﴿-;---;--يا أَيهَا الذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِي إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ ... إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِي ... وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلوهُن مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ... وَلا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدا... ﴾-;---;--.

مفردة (حجاب):
يجب معرفة مفردة (حجاب) في اللغة؛ وهي ليست بمسمى نوع من المبلس، بل كلُّ ما حالَ بين شيئين، كالساتر أو حاجز، أو أي شيء يُفصل به.
وكما يعتبر خير توضيح لمفردة ما هو اللجوء لاستخدامها في مواضع أخرى من نفس النص الشامل، أي يمكننا الاستدلال على معنى (حجاب) بالاستعانة بنصوص قرآنية أخرى ، وقد وردت مفردة (حجاب) ست مرات في القرآن لم تعتبر فيهم كنوع من الملبس، على سبيل المثال:
﴿-;---;--وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَابًا مَّسْتُورًا﴾-;---;--(الإسراء 45). ﴿-;---;--ومَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ ... ﴾-;---;-- (الشورى 51)، يبدو أنه يستحيل أن يكون الحجاب نوعاً من الملبس فبالتأكيد لن يرتدي أحداً من الطرفين هنا حجاباً.
﴿-;---;--كَلاَّ إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُون﴾-;---;-- (المطففين 15).

مسألة التخصيص:
ويبدو أن (الآية 53) تخص نساء النبي، حيث نجد هنا أن الآيات من (50-57) هي حوار متواصل وجِه للنبي فيما يخص زيجاته؛ فمثلا:
ظهر حكم كهذا وجِه للنبي في (الآية 52): (لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاء مِن بَعْدُ وَلا أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ...)، وهو أمر بعدم استبدال البني لزوجاته بعد نزول هذه الآية.
وأيضاً في هذا الحكم في ختام (الآية 53) (... وَلا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدا ...)، وهو ما يمنع الزواج من نساء النبي؛ من بعده.
وهنا يجب أن يُطرح تساؤل لما لم نتعاط مع هذه الأحكام كما مع (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ). فلا يستبدل إحدى زوجاته بأخرى –ولو أعجبته،لأنه استنفذ عدد الأربع زيجات الشرعية-، كما لا نُزوج النساء عامة بعد أزواجهن. أو على الأقل لما لا نتعامل مع الحكم في ختام (الآية 53) كما مع الحكم في بدايتها؛ فنخصص التعامل بين الرجال والنساء النبي من وراء حُجب كما نخصص عدم زواج زوجات النبي من بعده؟!.
وبذلك فمن الواضح أن الحكم هنا خاص، والمقصود منه أن يكون بين نساء النبي وبين من احتاج من الرجال الغرباء أن يطلب منهن شيئاً حائلاً، أو حاجزاً؛ حجاباً. –وفقاً للنص القرآني فقط-
وفرضاً إذا تعاملنا وفق هوى الكهنوت بأن هذا الحجاب -المذكور في الآية- حكم عام لكل النساء، فلننظر بعض رواياتهم حول (الآية 53)؛ علها توضح فكرة تعميم الحكم!
وروت الكتب الوضعية المنشغلة بأمور الدين –فيما بعد- أن هذه الآية –آية الحجاب- نزلت بعدما قال عمر- رضي الله عنه- "يا رسول الله، يدخل عليك البر والفاجر، فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب" . وعلى الرغم من أن الحادثة تبدو محاولة لإضفاء بعض ملامح البطل الأسطوري على شخصية الخليفة الراشد عمر بن الخطاب –رضي الله عنه-، فإنها تُخصص مضمون الآية لنساء النبي وظروفهم الخاصة بتردد القاصي والداني على النبي بسبب النبوة والتعرف على الدين وأموره.
وعلى رغم من أن الوحي الإلهي خص نساء النبي، وحتى قصصهم الوضعية أظهرت فكرة الخصوصية في علة نزول الآية، فقد آثرت هذه الكتب أن تشرح الآية بهذا الشكل: ( وإذا سألتم أزواج النبي-صلى الله عليه وسلم-، ونساء المؤمنين؛ اللواتي لسن لكم بأزواج، متاعًا، فاسألوهن من وراء حجاب- من وراء ستر بينكم وبينهن-.
وكأنهم يُصرون على أن الوحي الإلهي يعجز عن صياغة أحكامه بحيث يُفرق بين العام والخاص فيسهل على البشر فهمه؛ ومن ثم تنفيذه. إلا أن النص القرآني لم يقف عاجزاً عن توضيح الفرق بين التخصيص والتعميم-كلما أراد ذلك-، وهناك الكثير والكثير لتوضيح العام والخاص من صيغ المؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، ولكن الجدير بالتناول هنا ما يخص النساء، وخاصة في هذه الجزئية، فمثلاً -وفي سورة الأحزاب أيضاً- تكررت فكرة التخصيص والتعميم:
في (الآيات 30-31) في عقوبة الفاحشة (يا نساء النبي مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ ... وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ...)، ويبدو أن لهم وضعاً خاصاً في مضاعفة الثواب والعقاب.
في (الآية 28) حين وجِه الخطاب لأزواج النبي (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ ... )، وحين وجِه للنساء كافة في (الآية 59) (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ ...) .

بين الحجاب والجلباب:
أي أن (الآية 59) (يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يُدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما) تُعد هي هي الحُكم العام؛ حيث أضاف "نساء المؤمنين" ليوضح أن الحكم جامع وعام.
وقبل الدخول في عالم الجلباب يجب فض لاشتباك بينه وبين الحجاب، فكما اتضح أن الحجاب ليس نوعاً من الملبس، في حين أن الجلباب نوعاً منه. كما أن الحجاب ذُكِر في حكم خاص بنساء النبي، في حين عُمم الجلباب على النساء كافة.
ولا يمكن التعرف على الجلباب بمعزل عن (الآية 31/النور) –حيث ذُكِرت كأمر عام أيضاً-؛ لتكوين فكرة متكاملة عن شكل هذا الملبس المقصود.
﴿-;---;--وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ َوَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ... ﴾-;---;-- (النور 31).
وهذا تعريف للـ(الجلباب) في المعاجم المختلفة حيث عُرف بالإزار أو القميص أو ملحفة (أي رداء فوق الملابس ينحدر من الرأس إلى أسفل-لم تورد المعاجم ربطاً بينه وبين تغطية الوجه، إنما الكتب الوضعية المنشغلة بأمور الدين-)، أو وصف قريب لعباءة المغاربة حالياً. ويبدو من هذه المتعددة أن الجلباب كلمة أُطلقت على أكثر من تصميم ملبسي.
ويبدو من الآية أنها لم تخترع الجلباب إلا أنها عدلت منه، فقالت (يُدنين عليهن من جلابيبهن). أي أنهن فعلياً يرتدين ما يُسمى بالجلباب، ولكن يبدو أنه ذو تصميم مختلف؛ حيث قيل أن من نساء العرب قديماً من كُن يمشين بين الرجال كاشفات صدورهن، وأرجلهن ليظهرن الخلخال؛ والمطلوب منهن في ضوء (الآية 59/الأحزاب) أن يرسلنه على أجسادهن. ويدعم هذا (الآية 31/النور) التي جاءت لتأمر بتغطية الجيب؛ والذي يُقصد به الصدر، (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ) –فهي لم تخترع الخُمُر، إنما أمرت بتغطيتها للصدر). كما أمرت بعدم إظهار الزينة إلا ما لا يُمكن إخفائه منها؛ وقد اختلفت الكتب الوضعية المنشغلة بأمور الدين كثيراً في تحديد ما لا يُخفى من الزينة، فقيل الزينة نوعان الخاتم والأسورة وهذه يراها المحارم فقط، والثياب الظاهرة وهذه يراها الناس. وذهب آخرون تشدداً وجعلوا ما يظهر للناس الوجه والكفين فقط بلا الأقراط أو الخلخال والقلادة-ولن نذهب إلى من هم أكثر تطرفاً من ذلك، وآخرون كانوا أكثر سلاسة فسمحوا بالخاتم والخلخال، وبعضهم بالخاتم فقط.
ويبدو أن الآيات جاءت لتُغير من مظهر ملبس النساء عامة، فوفقاً للآيات (...يُدنين عليهن من جلابيبهن ..) و(... ولا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا ويضربن بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ...) فلا يظهرن من الزينة إلا ما لا يُخفيه الجلباب، وهذا الجلباب لا يكون مئزر–نوع من الجلباب- كاشفاً للصدر. وبهذا يبدو أن الهدف ليس تحديد شكل ثابت بل دعوة للارتداء ثياب ملائمة، غير مبتذلة.
وإذا لجأنا إلى الكتب الوضعية المنشغلة بأمور الدين -التي يبدو أن الغالبية تقدسها كثيرا حتى أنها صارت في مقام النص القرآني؛ على حد سواء- فإن هذه الكتب تذكر أن الآيات نزلت لعلة التفريق بين الإماء والحرائر، وعورة الأمة تختلف كثيرا عن الحرائر –في تلك الكتب- حيث تشبه عورة الرجل تقريبا، حيث كانت ترتدي إزاراً فقط -وهو أحد أنواع الجلباب يُغطي الجزء الأسفل من الجسم-. والذي اتضح أن الحرائر كن يرتدينه أحياناً، أو يرتدين نوعاً من الجلابيب والخُمُر مفتوحة الصدر-كما ذكرنا سابقاً أنهن كنا يكشفن صدورهن وأرجلهن-. أي أن المقصود هنا أن على الحرة تغيير مظهر جلبابها ليتميز بحشمة ووقار، للتفريق بينها وبين الجواري، ودعموا قولهم حول علة التفريق بـ (ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين) أي يُعرف أنهن حرائر فلا يتعرض لهن أحد بأذى-حيث قيل أن الرجال كانوا يجلسون على الطرقات لتغزل بهن أو مواقعتهن-.


ويبدو واضحاً وضوح الشمس أن هذه العلة انتفت بعد مواثيق حقوق الإنسان وتجريم العبودية، فلما الاستمرار في تطبيق النص. هذا إن اتفقنا معهم في ربط النص القرآني بهه العلة، وإن قبِلنا أن هناك فوارق في عورة الأمة والحرة، رغم أن القرآن لم يذكر فوارق بين عورة الحرة والأمة، ولم تخص الآيات السابقة بكلمة واحدة الحرائر وحدهن.
والآن على رجالات الكتب الوضعية المنشغلة بأمور الدين أن يجيبوا على تساؤلات عدة منها؛ لما عممتم حكم من وراء حجاب، وربطتم بين الحجاب والجلباب والخُمر، وعرفتم الحجاب على أنه ملبس، ولما سربلتم النساء بسرابيل سود، ثم ناديتم برفض المواثيق الدولية، لتعيدوا الجواري عاريا إلى طرقاتكم؟! ولكن ما هو الغريب بأن تكون الأمة عارية في فاترينات الأسواق والحرة متسربلة حبيسة الحجب، فهوى رجالات الكتب الوضعية المنشغلة بأمور الدين وحده كان هو من خصص الأحكام وعممها، فكما سرى تخصيص حكمي عدم استبدال النبي إحدى زوجاته بأخرى –ولو أعجبته-، وعدم تزويج نسائه من بعده، ومن ثم تعميم الحجب؛ فرجالات الكتب الوضعية المنشغلة بأمور الدين لن يعمموا فسيمنعون زواج النساء بعد أزواجهن، فتركوه كما جاء بنصه القرآني حكم خاص –ليس مراعاة لحق المرأة في حياة زوجية- وإنما لن يسمحوا بتقليل عدد النساء المتاح، كما تركوا عدم استبدال الزوجات كما جاء بنصه القرآني حكم خاص فإن عمموه فكيف لهم بعد ذلك تطليق إحدى الزوجات الأربع –المسموح بهن شرعاً- للحصول على أخرى جديدة. لكن لا يُهم أن يعمموا حكم من وراء حجاب الخاص بنساء النبي، ولا يهم أن يعرفونه على أنه ملبس ويجعلون تصميمه الأكثر إيماناً أن تشبه النساء الغربان–وفق بعض مروياتهم- ، ما دام الإماء لهن أحكاماً أخرى؛ فتركهن بمآزر في الطرقات، فهن لسن ممن قال الله نهم ﴿-;---;--إنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ﴾-;---;--، إنهم يشترونهم لأغراض أخرى. خصصوا ما أراد هواهم تخصيصه من أحكام بالنبي وآل بيته ونسائه، وعمموا ما أردوا تعميمه.