المجتمع الذكوري في تونس ، تصنعه النساء



مها الجويني
2014 / 9 / 23

الأخ جالس في الصالون يشاهد التلفاز ، يرن جرس الباب .. الأخت في الطابق العلوي تكوي الثياب .. الأم :" ابنتي الحبيبة رجاء انزلي إفتحي الباب" البنت : "اطلبي من ابنك الجالس يشهاد في ماتش الكورة انا مشغولة" " الام : ما دخلك به ؟ انزلي عيب .. أخوك راجل البيت ..
الأخت تأخرت عشر دقائق في العودة من المعهد لانها ذهبت لشتري مع صديقتها سندويتش من محل جديد ، الأخ إكتفى بالسؤال عن نوع الاكل المعروض في المحل , الأم تأمر ابنها بمراقبة أخته و بالذهاب معها أينما تذهب ..قائلة : راك راجل الدار ... (إنك رجل البيت) .
الأخت تمازح آخاها فتضربه بالوساده ، الأب يضحك الأم تغضب :" عيب تضربي اخوك و عيب تلاعبيه بتلك الطريقة " موجهة نظرة لوم للاب و إستنكار مع عبارات تحمل بين طياتها دعوة بان يعاقب إبنته لفعلتها ، الأب لا يبالي بحديث الأم و يشرح بأن الأمر لم يتجاوز حدود المزاح . الام تقول تلك العبارة التي تعرفها جميع نساء تونس و هي من اشهر الامثال عندنا " المراة كالحافا متطيب كان بالرزام" بمعنى ان الفتاة مثل نبات الحلفا البري القاسي لا يستوي سوى بضرب الحديد و أي حديد انه "الرزام" و هي اداة يستعملها صانعي الحلفا بالوسط و الجنوب التونسي ، و من هنا نستقي ان العنف هو اساس تربية النساء ...
هذه المشاهد ليست بغريبة عنا و رواية الحلفا نعرف تفاصيلها و هي بالمثل تعرفنا جيدا ، فمنذ ولادتنا نفهم باننا لسن بالانسان الكامل ، فعند خبرولادتنا لا نسمع الزغاريد و لا تطهو الام وليمة الكسكي مع ذبح الشاة و لا تأتي جميع النساء لتقديم التهاني "مبروك جاك العازب" ... لتتفاخر الام بوليدها الذكر أمام حماتها و لتزاد حضوة في البيت ، منذ الطفولة ُنربى على اللون الزهري و على الرسوم المتحركة و سندريلا ملساء الشعر ، شقراء البشرة ، هادئة الطبع .. صفات لا أعرفها أنا ذات الشعر الأشعث و صاحبة نكتة و ضحكة عالية و عاشقة لكرة القدم .. و ألف النكت على أبناء الجيران بعد ختانهم ، طبعا نكتي تثير غضب امي و سخطها خاصة إذا كان المختن أحد أبناء العمومة فيكون الرد قاس : عيب قدروا أي أوقفي هذه النكات و احترميه ...
عند الموسم الدراسي تحتفي الأم بنجاح الصبي وتفرح لنجاح البنت ، لان الصبي صاحب مسؤولية وحامل لاسم و لجينات العائلة اما البنت إن نجحت أو خفقت فهي كما تقول احد الجارات"عمارة الغير" أي هي مثل البناية التي نشيدها و نزينها لغيرنا و عليه هي ليست بمحل رهان حسب أمهاتنا .
اذكر جيدا ان يوم الاحد ينام الصبيان لاخر اليوم و عن منتصف النهار يذهبون لبطحاء الحي للعب كرة القدم ، يوم الاحد" الويك اند" الذي نقضيه نحن البنات في ترتيب البيت و غسل الملابس و الطهو و الذهاب الى السوق و في اخر المساء لا نتمكن من مشاهدة برنامج ترفيهي في احدى القناوات لان الأخ الرجل عاد للبيت بعد لعب كرة القدم و إستحم جيدا و إختار الجلوس في الصالون ليشاهد "برنامج الاحد الرياضي" .
لحل الخلاف حول التلفزيون تطلب الام من البنت أو من الاخوات الذهاب نحو غرفهن ، الصبي في عائلاتنا يولد ليكون سيدا الاسرة في المستقبل و حامدا لله بطريقة أو بأخرى على كونه من المجتمع الرجالي ، أذكر مرة أن احد الامهات نادت ابنها ليلعب في بهو المنزل فعلق الابن قاءلا "ستر ربي مجيتش طفلة علاش تدخل فيا" بمعنى من ألطاف الله لم أولد فتاة لما تدعونني للعب داخل المنزل ؟
حينها إبتسمت الام و ضحكت قائلة : ههههههههههه ولدي ولا راجل ـ( ابني اصبح رجلا) ،
حينها قلت في نفسي ، لو كانت ابنتها خارج البيت و رفضت الاذعان لامرها لكان الامر غير ذلك ، أجزم بأنها كانت ستقيم الحي على رأس تلك الصبية و ستلقى ردة الفعل تلك إستحسان الجارات من سيقلن : هاي التربية و لا لوح (هكذا هي التربية) .
وحدها الام هي التي تكرس التمييز ببين الاناث و الذكور ، وحدها الأم هي التي تضخم من الآنا الذكر على حساب الأنا الانثى ، وحدها الام التي تربي جيلا على مقولات : عمارة الغير و نبات الحلفا و ناقصات عقل و دين ... المجتمع الرجالي صاحب الكمال يسكن عقول النساء قبل الرجال ...
و من داخل عقول النساء هل يمكن لنا ان ننتصر ؟ و نثبت بأننا هدية من الله و لسن بلعنة حطت من السماء ؟ من يقنع هاته العقول بان ذواتنا كاملة و لا تحمل بذور العهر فيها ؟ من سيغير هذه النظرة الدونية التي تدور حولنا منذ الصغر ؟ متى تفهم نساء وطني سر هذا القصيد التّونسيات.. هنّ الوحيدات
يعرفن سرّ البقاء..
يعرفن درب المعالي ..
يعرفن سرّ المحبّة و الإنتماء
هنّ الوحيدات
يحفظن لتونس أحلامها
و يظفرن أمجادها.. خيطا.. فخيطا
دون كبير عناء
و هنّ: هنّ.. كما هنّ دوما..
لا ينكسرن أمام الطغاة
و لا ينسحبن أمام الغزاة
و ينشرن في الأرض حبّ الحياة ...