ذكورية الطرح عند هشام الجخ



عائشة خليل
2014 / 9 / 30

هشام الجخ شاعر مصري اشتهر خلال السنوات الأخيرة بقصائده المسموعة، فلم يصدر له إلى الآن ديوان واحد، ويتميز إلقاؤه باستخدام اللهجة العامية لأهل صعيد مصر، كما تتميز قصائده بمحاولة الالتصاق بمشاكل الفقراء والتعبير عن همومهم وأشجانهم، حصل على المركز الثاني في مسابقة "أمير الشعراء" لعام 2011 التي تقام سنويًا في العاصمة الإماراتية أبوظبي. اتهم في نفس العام وأدين بسرقة شعرية لشاعر قنا عبد الستار سليم، حيث حكمت المحكمة بتغريمه مبلغ مالي في تلك القضية التي تناولتها وسائل الإعلام بكثافة في مطلع عام 2011 إلى أن تمت الوساطة والصلح بين الاثنين.

لهشام الجخ الكثير من المعجبين والمتابعين لأمسياته الشعرية وإطلالاته التليفزيونية في البرامج العديدة التي تمنحه المساحة ليصل إلى قطاع أعرض من الجماهير. وبالرغم من إعجابي بالتصاقه بلهجته المحلية التي لا يجد غضاضة في عرضها بل وتعميمها ليرددها جماهيره - قارني مثلا استخدام مذيعات ومذيعين القناة السابعة المصرية بالمنيا (قناة الصعيد) للهجة القاهرية التي لا يجيدونها وكأنهم يأنفون من استخدام لهجاتهم المحلية - إلا أنني لم أستسغ في يوم أشعار الجخ. قد يكون جزء من شعوري مرده للمبالغة في الأداء التي أصبحت سمتا ملازما له، ولكن جزءها الأكبر يأتي من أن مشروع الجخ مشروع ذكوري بامتياز.

يتحدث هشام الجخ عن كونه الأخ الأوحد بعد عدد من الأخوات، واحتفاء والدته ببكرها، وعن الامتيازات التي يمنحها المجتمع الذكوري للطفل الذكر، فهو يحدد تحركات من هم أصغر منه سنًّا إن كانوا من البنين، ومن هن أكبر منه سنًّا إن كن من البنات. ولا يجد غضاضة في ذلك، ويكرس بذلك لمشروع ذكوري في مطلع القرن الحادي والعشرين. وتيمات هشام الجخ الذكورية مبدورة على مدار أعماله فله قصيدة بعنوان "ملك النحل" ومن العجيب أن يمر هذا العنوان بدون التفات من أحد، فالجميع يعلم أن مملكة النحل تديرها ملكة، وليس بها ذكور ذوي قيمة تذكر ليطلق على أي منهم "ملك النحل" وإذا حاولت استخدام محرك البحث جوجل تحت هذا المسمى فسوف يأتيك بهذه القصيدة، بينما تنقلك جميع الخيارات الأخرى للتعريف الأصح "ملكة النحل" ومن أقواله في آخر "قصيدة إيزيس":
حبيبتي أحلى من شعري
وأحلى م الحروف كُمَّلْ
ولا بتُهجُر ولا بتغدُر
ولا باظْلِمْهَا تتمَلْمَلْ
لكنّي في حيرتي باستغرَبْ
أنا إزاي مش باغنّي لها؟
وهيّ إزاي بتتحمّل؟

ولقد تحدث النسويات كثيرًا عن تعليم المجتمع الذكوري للفتيات وتدريبهن من حداثة أعمارهن على الطاعة والاستكانة والتحمل. وإعلاء تلك القيم لدى الفتيات، فالفتاة دائمًا مستكينة لما يفعله الحبيب، فهي لا تتمرد على ظلمه ولا غدره، وبالرغم من أنها ليست في خياله ولا أفكاره إلا أنها تتحمل كل ما يصدر عنه من إساءات. وفي المقابل ينيط المجتمع الذكوري قيم الفعل والحركة بالرجال، والملاحظ لأعمال هشام الجخ في مجملها يجد هذا التضاد (بين فعل الرجل واستكانة المرأة) واضح في الكثير من قصائده.
وأحد أبرز أعماله التي لاقت إقبال جماهير “أيوه بغير” والتي يتحدث فيها عن غيرته كرجل صعيدي مليء بالهيبة، ولا يقبل الصداقة بين رجل وامرأة. ويطالعنا من أول القصيدة بتأكيد قاطع على محورية الغيرة في العلاقة العاطفية، فيقول:
واللي قالولك غيرة الراجل
قِلّة ثقة أو قلة فَهم
خَلْق حمير
فليس للتحليلات الحديثة عن الغيرة مكان في قصائد الجخ حيث يقطع بخطأ قول من يخالفه الرأي. ثم يؤكد أن أهل الصعيد طبعهم حامي وبالتالي :"واللي تخلّي صعيدي يحبها.. يبقى يا غُلْبها" وعليها أن تتحمل طبعهم، وتحديدهم لما هو مقبول وما هو غير مقبول من سلوكها:
ماشي صداقة وماشي زمالة
بس ماجَتْش على الرجالة!
ما هي نسوان الدنيا كتير
أي أن تحدد علاقاتها وفقًا لما يمليه عليها لأنه لن ينقلب إلى ما قد ترغبه
لو كان بايدي، كنت أعملك هندي بِريشْ
وأقلب شعري كانيش كرابيش
وألبس لك سلسلة متدلدلة خرزة وقلب
بس إزاي ألبس لك سلسلة؟ هوّ أنا كلب؟

ويؤكد هشام الجخ على أن المشكلة متعلقة بحبيبته وبعنادها، بالرغم من تلعقه بها، وسهده في محبتها. وتعلم العاملات منا في مجال العنف الأسري، أن هذه هي الوصفة السحرية التي يبيع المجتمع الذكوري بها الحب للفتيات. فهناك ثنائية (والثنائيات كثيرة جدًا في أعمال الجخ، ولكن هذا موضوع آخر) بين الرجل ذي الهيبة الذي يغير على امرأته، والآخر (الكلب) الذي لا يشعر بالغيرة. وبالطبع تأتي الثنائية لتأكيد كون الغيرة دليل الحب، فالرجل العاشق يجب أن يحتفظ بفتاته في مكان مغلق ليمنع عنها الأعين التي تجرحها، وكثيرًا ما يتطور الأمر إلى العنف لإجبار المرأة على إطاعة أوامر الرجل. وكأن المرأة شيء يمتلكه الرجل يضعه في المكان الذي يراه مناسبًا بدعوى صيانتها من الذكور. وفكرة امتلاك الرجال للنساء هي تيمة قديمة في الفكر البطريركي، تقاومها النسويات منذ عقود، ولكنها تعود إلينا مجددًا في أشكال مختلفة، ويمررها إلينا جيل من الشباب كنا نأمل أن يكونوا سندًا وعونًا للحركة النسوية بدلا من التغني بالامتيازات البطريركية.