موقف الإسلامويين من المرأة



عبدالخالق حسين
2005 / 8 / 20

تعقيباً على مقال الصديق عزيز الحاج (المرأة طريدتهم الأولى)، أود مواصلة النقاش في هذا الموضوع (حقوق المرأة في الدستور العراقي الدائم) لما له من أهمية قصوى وتأثير كبير على مستقبل الشعب العراقي والأجيال القادمة، خاصة وإن النساء يشكلن 60% من الشعب في الوقت الحاضر. وقد أجاد الحاج بمقارنته ما يجري الآن من صراع بين العلمانيين والإسلامويين في العراق وما كان يجري من صراع مشابه بين الكنيسة ورجال الفكر والسياسة العلمانيين في فرنسا، حيث صرح سياسي جمهوري عام 1870 قائلا: "من يمسك بالمرأة فإنه يمسك بكل شئ. إنه يبدأ بالمرأة، وينتقل للطفل لينتهي بالزوج، أي بالمجتمع كله. ولهذا كانت الكنسية تركز على كسب المرأة لمشروعها الظلامي، وتعمل على غسل دماغها فتضيق عليها وتفرض عليها قيودها الكنسية. ولذلك ركز العلمانيون لا ضد الدين بل ضد هيمنة الكهنوت على المجتمع والدولة.".
ومقابل هذا، هناك مقولة عربية تفيد (الأم هي المدرسة الأولى). حقاً، فالمرأة هي التي تربي الأطفال وتغرس فيهم القيم التي تشكل شخصيتهم المستقبلية وبالتالي المجتمع كله. لذلك أدرك الإسلاميون اليوم كزملائهم الكنسيون الأوربيون بالأمس، أهمية المرأة في تحقيق أغراضهم وجاهدوا على إبقائها متخلفة ليسهل عليهم هضم حقوقها باسم الدين، وجعلها وسيلة لإشباع حاجاتهم المادية والحسية، لذلك حرصوا على إبقائها جاهلة لا تدرك حقوقها لكي يتم إخضاعها لإرادتهم لا تنافسهم على المناصب والإرث، وهكذا وقفوا ضد أي مشروع أو قانون يطالب بآدمية المرأة ومساواتها بالرجل في الحقوق، ومحاربة كل قانون يقف ضد تعدد الزوجات أو زواج القاصرات أو مساواتهن في الميراث.
والجدير بالذكر أن موقف الإسلام من المرأة هو امتداد لما كان موجوداً في الأزمنة الغابرة قبل الإسلام. فهناك كم هائل من الحكايات والأقوال المتوارثة من السلف ومن الأديان السماوية (الإبراهمية) حول المرأة ومعظمها تعطي صورة قبيحة عنها، تظهرها بالشريرة وأنها سبب البلاء وينظر إليها نظرة دونية. ويلجأ الإسلاميون إلى كتب التراث العربي-الإسلامي لتأكيد وجهة نظرهم من المرأة في الإسلام حيث يضعونها في المرتبة الثالثة في درك الانحطاط بعد الكلب والحمار. إذ ينقل عن النبي محمد (ص) قوله: "الكلب والحمار والمرأة تقطع الصلاة اذا مرت أمام المؤمن فاصلة بينه وبين القبلة" حديث ذكره البخارى جـ1 ص 99 . وهناك عدد كبير من الأحاديث والأقوال ضد المرأة لا مجال لذكرها.
وما انفك الإسلاميون يعيدون علينا بتكرار ممل أن الإسلام أنصف المرأة عندما حرم وأد البنات. طبعاً لا ينكر إن تحريم الإسلام لقتل البنات خطوة إنسانية لا تثمن. ولكن في نفس الوقت يجب أن لا ننسى أن عملية الوأد لم تكن شائعة بين جميع القبائل كما يصوره لنا الإسلاميون وإلا لانقطع النسل. إذ نعرف أن النساء قبل الإسلام وبعده، كن أضعاف الرجال في العدد بسبب الحروب والغزوات المستمرة التي كان يقتل فيها الرجال فقط. وإلا من أين جاءت الألوف من الأسيرات اللواتي كن يبعن كإماء في أسواق النخاسة وكانت شوارع المدن الإسلامية تزدحم بهن. ثم لم يكن الوأد محصوراً على البنات، بل كان البعض يقتل الذكور أيضاً بدوافع الفقر. فجاءت الآية الكريمة (لا تقتلوا أولادكم خشية إملاق، نحن نرزقكم وإياهم).
كما زعموا ان النبي قال ان المرأة كلها عورة. فقد نقل عن النبي قوله: " المرأة عورة فاذا خرجت استشرفها الشيطان واقرب ما تكون برحمة ربها وهي في قعر بيتها". لذا جاء في القرآن الكريم (وقرن في بيوتكن).
ولكن ماذا عن الحقوق الإنسانية الأخرى للمرأة في الإسلام؟ يحاول الإسلاميون تبرير الحجاب مثلاً أنه فرض عبادي جاء به الإسلام لحماية المرأة وسترها والحفاظ على عرضها. ففي المدينة المنورة كان الشباب يتعرضون للإماء ليلاً عند خروجهن لقضاء حاجة. فإن عرفوها حرة تركوها وإن كانت أمَة لمسوها. "فمفهوم الحجاب في الإسلام هو أنه للنساء الحرائر فقط ولا يشمل الإماء. فقد منع الخليفة عمر بن الخطاب الإماء من لبس الحجاب، رغم كونهن مسلمات، وكان يطوف شوارع المدينة بحثاً عن الإماء المحجبات فيضربهن بدرته حتى يسقط عنهن الحجاب، ويقول لهن: " فيم الإماء يتشبهن بالحرائر؟ " ( طبقات ابن سعد، 6/127). فإذاً ليس الغرض من الحجاب عدم إثارة غرائز الرجل، لأن الأمة الجميلة التي تسير بدون حجاب وكاشفةً صدرها، لأن صدر الأمة ليس عورة، قد تثير غرائز الرجل أكثر مما تثيرها إحدى الحرائر. ويبدو أن السبب الرئيسي كان تمييز الحرائر من الإماء. وبما أنه لا توجد إماء الآن ( من الناحية القانونية)، فلماذا إذاً تلبس المسلمة الحجاب؟ (د. كامل النجار، الدولة الإسلامية بين النظرية والتطبيق). في الحقيقة، إن السبب الرئيسي في تركيز الإسلامويين في العصر الحاضر على الحجاب هو لأغراض سياسية فقط وليس لأغراض دينية أو عبادية كما يدعون. فوراء كل شعار ديني علني هناك غرض سياسي خفي.
وتاريخ الإسلام حافل باضطهاد المرأة والحط من شأنها وتكريس تخلفها ليسهل عليهم استغلالها لأغراضهم وإشباع نهمهم الجنسي في تعدد الزوجات، وزواج المتعة عند الشيعة، والمسيار عند السنة. فتنقل لنا الأديبة الروائية العراقية سميرة المانع في دراسة لها بعنوان (شاهدة على عصرها) تقول: [كتب خير الدين نعمان بن أبي الثناء الآلوسي، حول النساء في واحدة من مخطوطاته المعنونة (الإصابة في منع النساء من الكتابة) التي ألّفها سنة 1898 يقول فيها بالنص: "فأما تعليم النساء القراءة والكتابة فأعوذ بالله، إذ لا أرى شيئاً أضر منه بهن، فإنهن لما كن مجبولات على الغدر، وكان حصولهن على هذه الملكة من أعظم وسائل الشر والفساد، وأما الكتابة، فأول ما تقدر المرأة على تأليف كلام بها، فإنه يكون رسالة إلى زيد ورقعة إلى عمر، وبيتاً من الشعر إلى عزب وشيئاً آخر إلى رجل آخر، فمثل النساء والكتب والكتابة، كشرير سفيه تهدي إليه سيفاً، أو سكير تعطيه زجاجة خمر، فاللبيب من الرجال من ترك زوجته في حالة من الجهل والعمى فهو أصلح لهن وأنفع.].
أما في السعودية فرغم محاولات الحكومة تحسين وضع النساء، إلا إن رجال الدين وقفوا ضد حقوق المرأة حتى في حقها في سياقة السيارة. وقد شاهدنا موقف النواب الإسلاميين في البرلمان الكويتي وتحالفهم مع ممثلي نواب العشائر ضد الحقوق السياسية للمرأة الكويتية. أما في إمارة طالبان في أفغانستان فطبقوا نصيحة أبي الثناء الآلوسي فأغلقوا مدارس البنات ومنعوهن من التعليم واضطهدوا المرأة أشهد اضطهاد. وما يحصل الآن في العراق على أيدي طالبان الشيعة من أتباع مقتدى الصدر فحدث ولا حرج. وآخر تبرير للحجاب هو ما صرح به "العلامة" الشيخ عبدالستار البهادري أو البهادلي، ممثل مقتدى الصدر في البصرة، الذي قال في مقابلة له مع مراسل إحدى محطات التلفزة البريطانية عن سبب إصرار الإسلاميين على فرض الحجاب بالقوة فقال لا فظ فوه: "أن الحجاب للمرأة مثل الإطار للصورة) وأشار إلى صورة خلفه وأضاف: "أنظر إلى هذه الصورة فإنها أجمل في الإطار منها بدونه". وعلق المراسل قائلاً: "لقد تجولنا في جمع أنحاء البصرة فلن نجد أية امرأة غير مؤطرة!!".
ورجال الدين الشيعة لا يختلفون عن زملائهم السنة في موقفهم من النساء. فالمرجعية الشيعية أساساً كانت ضد أي نشاط سياسي لأبناء الطائفة وكما يذكر لنا الدكتور رشيد الخيون أن هذا النشاط سمحت به المرجعية ".. تحت غطاء الدفاع عن الإسلام بعد ثورة 14 تموز، تحولت مع الأيام إلى الدفاع عن حقوق الشيعة فحسب، بينما لم يشهد العراق فترة ألغيت فيها الطائفية، وعطل أي تمايز بين العراقيين على أساس المذهب والدين والقومية مثل الفترة التي انتفضت فيها المرجعية الدينية ضد الدولة... كان الدافع الأساس هو إصدار قانونيَّ «الأحوال الشخصية» و«الإصلاح الزراعي». بمعنى آخر أن تأسيس الحزبية الشيعية جاءت ردة فعل لا فعل طبيعي. فلو ألغى عبد الكريم قاسم القانونيَّن المذكورين لما كان هناك تأييد مرجعي للعمل الحزبي الشيعي. (د.رشيد الخيون، الشرق الأوسط، 17/8/2005). ومن هنا نعرف مدى تحمس وإصرار قادة الأحزاب الشيعية على إلغاء قانون الأحوال الشخصية الذي أنصف المرأة، وقانون الإصلاح الزراعي الذي أنصف الملايين من الفلاحين الفقراء ضد ظلم الإقطاع، وسعي هؤلاء القادة لتكريس العشائرية في الدستور الدائم.
مرة أخرى، أقول على الرغم من معاناة العراقيين من التخلف وسيطرة الإسلامويين على الشارع العراقي والإرهاب البعثي-السلفي في الوقت الحاضر، إلا إن ما يجري الآن هو مؤقت ولا بد للتاريخ أن يصحح مساره ففي نهاية المطاف لا يصح إلا الصحيح.