لا تقدم لأي مجتمع بغير مساواة المراة الكاملة بالرجل فى الحقوق والفرص



طارق حجي
2014 / 10 / 4

هذا العمود مكتوب لطائفتين من القراء : لنساء المجتمعات الناطقة بالعربية اللائي يؤمن بمأساوية وضع المرأة فى مجتمعاتهن وهن كثر ، ولرجال هذه المجتمعات الذين يشاركونى الإيمان بأن وضع المرأة فى مجتمعاتنا وتاريخنا وبيئتنا الثقافية هو وضع مشين ومهين ومدين لكل الأطراف : لنا ولثقافتنا ولتاريخنا ولرجولتنا. وبالتالى فإن من يري أنه لا يوجد وجه للشكوي بخصوص وضع المرأة فى واقعنا فالجدير به ألا يقرأ هذا المقال. أما من ذكرت أن هذا المقال موجه لهم فلهم أقول أن علينا أن نرسخ يقيننا بإستحالة تقدم أي مجتمع لا تتمتع فيه المرأة ب "كل" حقوق الرجال الدستورية والقانونية على مستوى النصوص وعلى مستوى الواقع. وأن هذه المسواة لا تكون متوفرة ان لم تتوفر على أرض الواقع الفرص (كل الفرص) للنساء. فما لم تشغل النساء ما يقل او يزيد قليلا كافة المناصب والمواقع من رأس الهرم المجتمعي لقاعدته فإن توفر أي نصوص دستورية وقانونية تتحدث على مساواة المرأة بالرجل تكون "كلاما فارغا" ... فالوجود الرمزي لإمرأة أو إثنتين فى مجلس الوزراء وفى المحكمة العليا هو محض تهريج وتأكيد لإنتفاء المساواة. فالطبيعى أن يكون نصف أعضاء الحكومة ونصف المحافظين ونصف القضاة ونصف رؤوساء المدن ونصف رؤوساء الجامعات وعمداء الكليات من النساء ... والطبيعي أن يكون نصف المجلس الأعلي للشئون الإسلامية فى بلد مثل مصر من النساء. ورفض هذا الهدف (أيا كانت المبررات) هو ما يفضح العقلية الذكورية البدائية والقرو-أوسطية والثيوقراطية التى لا شك عندى أنها تمثل فى واقعنا "أغلبية" أبناء وبنات مجتمعنا الذى ما أن بدأ يتوجه منذ قرن للنور (نور التقدم ونور التمدن ونور مسيرة الحضارة الإنسانية) حتى جعلته قوى أخري (من الداخل ومن الخارج) يستلب بالماضى ويحلم ببعثه واعادته من مرقده. ولاشك أن أي نظام حكم غير ديموقراطي واي مؤسسة دينية متحكمة فى مجتمعها هما معنيان ببقاء واستمرار "السيطرة" ومن تجلياتها سيطرة الرجال على النساء. وعليه فإن تحرر المرأة وتمتعها على مستوى النصوص وعلى مستوى الفرص الواقعية يقتضي ويستلزم ثورة فى الثقافة الدينية كأن يأتى مفكرون يقنعون المجتمع بأن النظام القانونى الذى عرفه المسلمون الأوائل فى القرون السابع والثامن والتاسع والعاشر الميلادية هو نظام كان مناسبا للظروف الحياتية وقتها وان الظروف الآنية لا تناسبها النظم الجنائية ونظم المواريث وقواعد الحرب وفقه النساء وفقه الرق الذى كان مناسبا للقرون المذكورة. وما لم يخرج مفكرون يروجون لهذا فإن البديل الوحيد يبقي هو تطبيق حازم وكامل لفصل الدين عن الدولة. والتقدم المنشود فى وضع المرأة فى مجتمعاتنا يقتضي أن تقود المرأة حركة المطالبة بكل وكافة أشكال مساواة النساء بالرجال. فقيادة الرجال او بعض الرجال لمثل هذه الحركة لن يكون مجديا. لماذا ؟ لأن المنطق والتاريخ يعلماننا أن أصحاب الحقوق ان لم يكونوا هم أول المطالبين بها فإن النجاح المنشود لا يمكن أن يتحقق. ولا شك أن "الذهنية المؤيدة لوضعية المرأة المتأخرة الشائعة والذائعة فى مجتمعاتنا" لا تعشش فى رؤوس ذكور مجتمعاتنا فقط ولكنها تغلغلت فى رؤوس وعقول وافكار ومشاعر الكثير من النساء (ستوكهولم سيندروم). ولا حظ لأي أفكار متقدمة فيما يخص وضع المرأة فى مجتمعاتنا ما لم تتوفر "إرادة سياسية" هدفها أن تحصل نساء مجتمعاتنا على كل حقوقهن على كافة المستويات وخلال فترة زمنية محددة ومن خلال برامج سياسية وثقافية وتعليمية واجتماعية تكون هى دستور وصول نساء المجتمع لنصف المناصب والمواقع من رأس الهرم المجتمعي لقاعدته. ورغم صعوبة المهمة فى مراحلها الأولى فإن التاريخ يعلمنا أنه ما أن تصل حركة تحقيق حقوق المرأة لما يمكن تسميته بالكتلة الحرجة فإن هزيمة القوى المحافظة فى مجتمعاتنا تكون مؤكدة. ولا شك عندى أن تحقيق المساواة الكاملة بين رجال ونساء مجتمعنا فى الحقوق والفرص لن يحدث ما لم تتواكب هذه الجهود والعناصر : (1) توفر الإرادة السياسية لإحداث التغيير المنشود (2) وجود قوى ضغط مؤثرة من قبل نساء مجتمعنا (3) توفر تأييد من مثقفي مجتمعاتنا للمساواة الكاملة بين الرجال والنساء يتدفق فى وسائل الإعلام وبرامج التعليم والخطاب الثقافي ... وأن يكون الهدف الأعلى لكل هذه الجهود هو نشر إقتناع واسع بأن تقدم مجتمعاتنا يبقي كهدف مستحيل الحدوث بدون وصول النساء لنصف المناصب والمواقع فى الهرم المجتمعي من منصب رئيس الدولة لأبسط المناصب : فتعطيل نصف المجتمع يفرز واقعين سلبيين هما : أولا حرمان المجتمع من فعاليات نصف أفراده ، وثانيا كون النصف الآخر (الذكور) ثمرة تربية وتنشئة عقل ونفس غير حرة ، وهو ما يعني أن المجتمع يكون (فى أحسن الأحوال) معتمدا على ربع (25%) من موارده البشرية ، وهو وضع كارثي بل أنه مسئول (أو ضمن المسئولين) عن أحوالنا الراهنة المتردية لأبعد حدود التردى ... طارق حجي (لندن : 4 أكتوبر 2014).