المرأة وأنثى العنكبوت .. !



ريم أبوالوفا
2014 / 10 / 7

المرأة وأنثى العنكبوت ..

يُهيئ لبعض الرجال / الذكور في المجتمعات الرجعية أن البشر والحيوانات ما هم إلا مجتمع واحد، جاهلين بأن هناك مجتمعات وشعوب أخرى الآن وعلى مر التاريخ الإنساني استطاعت أن تتخطى كل هذا، ووضعت الكثير من الحدود الفاصلة بين عالم البشر والحيوان، مجتمعات عاشت وتعيش في ظل ما أنشأته من رقي إنساني، على مستوى التكنولوجية والأخلاق. بينما تقف مجتمعاتنا الآن في الطور قبل الأول من سلم الرقي البشري.
ولذا فإن بعض هؤلاء الذكوريين يبررون حصر دور المرأة في الأعمال المنزلية خدمة للرجل، وجعله واجباً مقدساً، لا يمكنها رفضه، ولا التمرد عليه؛ بأن إناث الحيوانات يقمن برعاية أطفالهن، وليس هناك دور لهن سوى ذلك. وعليه يتساءلون في بلاهة متناهية لماذا أنتِ كـ(أنثى) تعترضين على الطبيعة، وترفضين دوركِ فيها؟!
(ورغم أن رعاية إناث الحيوانات لصغارهن، لا صلة لها بخدمة الإناث للذكور -النساء/الرجال-).
فإن هذا النموذج من الذكوريين -المبررين لوجوب خدمة النساء لهم- وصلوا إلى قدر من التبجح جعلهم يضمون المرأة عنوة لعالم الحيوان؛ لإرضاء غرورهم الذكوري، متناسين أن الله كرم بني آدم (ذكراً وأنثى)، وأوكل إليهم تعمير الأرض والرقي بها، وذلك ليس بقدرتهم على التكاثر والإنجاب؛ فهو أمر يمكن للحيوان أيضاً القيام به، وإنما التكريم جاء بنعمة العقل والتفكير والتدبر، ليتمكنوا من تطوير الأرض على المستوى العلمي التكنولوجي، وأيضاً بالعلوم الإنسانية من أخلاق وغيره. ولكن هذا التبجح غير ذي أهمية؛ حيث أن الذكر (الرجل) إذا ما اعتبر أن أنثاه (المرأة) ضمن عالم الحيوان، فهو لن يستطيع الارتقاء أبعد منها، فهما سويا محرك بقاء الجنس البشري وارتقاءه، لا مفر من أن يتقبل كل منهما الآخر كشريك مساوٍ تماماً، حتى يستطيعا أن يخطوا سوياً.
لذا فإن هذا التبجح ليس هو ما يثُير تعجبي، إنما ما يُثير تعجبي هو أنهم يريدون ضم المرأة لمملكة عالم الحيوان فيما يُرضي ذكوريتهم من قوانين، ويرفضون ما لا يُرضيهم.
فتجدهم يقنعونها ألا تُعاند قوانين الطبيعة كما إناث الحيوانات وتُفني عمرها في خدمتهم، قائلين " أن أنثى الأسد ترعى الصغار وتصطاد الطعام، فتحمل عبء الأمومة والجمع الرزق؟ فلماذا لا تقومين بدورك الذي فرضته عليكِ الطبيعة مثلها؟
وهنا تجدهم يفتخرون، ويبدءون في اعتبار عالم الحيوان قدوة لهم، الأسد(ملك الغابة) يفعل كذلك، أنثى الأسد تلد وتُربي وتصطاد، من أجل الملك، فافعلي مثلها، في صمت (وحين يرنو الصمت؛ فــ(طوبى للصامتات عن حقوقهن).
وفي مقابل هذا لا يقبلون لها أن تُتم دورها (كجزء من عالم الحيوان) فتقتدي بأنثى العنكبوت ؟؟
تتخلص أنثى العنكبوت من زوجها حين يؤدي دوره -الطبيعي في عالم الحيوان-، عندما تصبح أماً على وشك إنجاب صغار، ستتكفل هي بمهمة تربيتهم -تأديةً لدورها الطبيعي في عالم الحيوان-، لذا فإن الذكر أصبح غير ذي أهمية، فمن أدى دوره عليه أن يرحل، فلن تُضيع مجهودها في رعاية الصغار وجمع الطعام هباءً، على من لم يعد له دور، "البقاء للأصلح؛ القانون الأوضح في عالم الحيوان" .
وهنا تظهر الازدواجية الذكور (البشريين) حيث يتهكمون من عالم الحيوان، ويكتشفون (فجأة) أن لهم عالمهم المختلف تماما عن عالم البشر، ويصبح لعالم الحيوان قوانينه وللبشر قانونهم، ويحمدون الله ع نعمة الإنسانية. بل ويمارسون سخريتهم وخفة ظلهم لينعتون أنثى العنكبوت بالمجنونة فهي تتخلص من الذكر؛ إذن هي مجنونة.
(إن الذكور البشريين -في المجتمعات الفاشلة- يرون أن ما يضر الذكر في أي عالم أو سلالة هو الجنون، وما يُرضيهم هو الطبيعة وقوانينها).
وختاماً يجب الإشارة >>
إلى أن: بعيداً عن أن تربية الأطفال –التي يتحججون بها في عالم الحيوان- تختلف عن هذا الدور؛ خدمة حفنة من ذكور كسالى، لم يتخطوا مرحلة الطفولة -التي تحتاج للرعاية- فهم غير قادرين على تدبر أمورهم؛ لذا يستغلون طبقات من الذكورية متراكمة في العقل الجمعي لمجتمعاتنا الرجعية لكي يوهموا المرأة بأن خدمتهم محور حياتها، ولا تصح لها حياة إن رفضت هذا. وبذلك ينالون خادمة مجانية، تحت مسمى عقد زواج، أو رابطة قرابة ما، تدور حياتها في فلك ذكور الأسرة؛ حيث تُلملم فوضاهم ومخلفاتهم. بل إن وهم الذكورية المفرط في مجتمعاتنا صار عملاق يبتلع أحلام أي امرأة تتمرد عليه؛ فكيف يسمحون لها أن تهدم ما بنوه من طبقات فوق طبقات من هذه الذكورية في عقل المجتمع، وترفض أن تربط أولويات حياتها (المرأة) كإنسان بواجب إرضائهم وخدمتهم المقدس؛ بل صار حقها في تحقيق الذات مرتهن برضاهم عن قيامها بدور الخادمة، فإن قصرت فيه فعليها أن تتخلى عن عملها أو تعليمها –أو أي طموح كان- لأنه يشغلها عن واجبها الأسمى في خدمة الذكور. ورغم أن الحق هو أن دورها في الحياة كإنسان أهم كثيرا من خدمة بضع كسالى، لا شاغل لهم سوى وهم ذكوريتهم المقدس. ولعل واجبها المقدس الحقيقي هو أن تُنزل رفضها لأوهامهم الذكورية كصاعقة حارقة، تلتهم حقد كسلهم وفشلهم وخوفهم -من نجاحها ومنافستها لهم- المنصب عليها (وحدها)، والذي اِلتهم الكثير من مسيرتها الإنسانية في الحياة، تاركة إياهم يتخطون مرحلة الطفولة بعبثها، متحملين عبء أنفسهم. وإن لم يتخطوها فعليهم أن يرتعوا وحدهم في مملكة الحيوان؛ التي يُصرون على ألا يرتقوا فوق قوانينها.
وأيضاً إلى أن: هذه الفئة من الذكوريين لا تعنيني (شخصياً) كثيراً؛ فهي الفئة الأكثر جهلا وسطحية، إلا أن هذا القدر من الاهتمام هو وليد تفشي وجودهم في مجتمعاتنا. فأنا لا أعتقد أنهم يسوقون تبريراتهم لدعم آرائهم الذكورية تعمداً منهم للحط من صورة المرأة بوضعها في مصاف الحيوانات، حيث يبدو أن هذا الضم جاء على إثر تشابهات بيولوجية بين الإنسان عموماً (ذكراً وأنثى) وبين الحيوان، إلا أنهم على ما يبدو وصل بهم غرور الذكورية لدرجة من الجهل جعلتهم يتعامون عن كون هذا التشابه في الوظائف البيولوجية مع الحيوان يشمل الذكور البشريين أيضاً، بل وفي المجتمعات الفاشلة لم يستطع أغلب الذكور البشريين أن يرتقوا، فظلوا يتشابهون مع عالم الحيوان في الطباع والأخلاق أيضأ (كما ينطبق على نموذجهم تماماً).