توت...توت....توت



ثائر زكي الزعزوع
2005 / 8 / 25

من حق الآنسة نانسي عجرم أن ترفع رأسها عاليا وتزهو فخورة بأنوثتها المتفجرة، وتحررها الذي لا مثيل له.
ومن حق الآنسة دارين حدشيتي أن تفتح ذراعيها لاحتضان المجد كله ليس منقوصاً، وأن تنهار العظمة أمام قدميها.
وأخيرا فإن من حق الآنسة ماريا أن تكون رائدة في التحرر والنهضة، وأستاذة في فن الانطلاق والتفجر، واللااعتراف بالحواجز والحدود.
دعوني أولا وبعد أن منحت الآنسات الثلاث حقوقهن كاملة أن أستعير من الفنانة هدى سلطان مقطعا من أغنية غنتها في أحد المسلسلات، والذي عرض في مطلع ثمانينيات القرن الماضي ولست أذكر اسمه، تقول هدى سلطان في الأغنية: تلت قمرات هلوا على سطوحي، وتلت يمامات على شجرة توت، توت... توت...توت.
في ثلاث أغنيات للآنسات الثلاث ثلاث ملاحظات وليعذرن تطاولي بتقديم ملاحظاتي على الورق، كوني فقدت القدرة على البوح وأنا أراهن يقدمن بضاعتهن رخيصة.
ملاحظاتي لا تتعلق برداءة الأغاني ولا بالأصوات والألحان، فهذا ليس مجالي الذي أخوض فيه، وله أناسه الذين هم أدرى مني بشعابه وتشعباته، على الرغم من أني سمعت آراء الكثير من العازفين ومؤلفي الموسيقى ونقادها وهم يتحدثون عن عصر انحطاط الأغنية والموسيقى العربية، وهم يشيرون إشارة واضحة لا ترميز فيها إلى الآنسات الثلاث وإلى سواهن من الأوانس والسيدات، والسادة أيضاً،
لكن مجالي الذي أزعم بأني ألم ببعض تفاصيله، وبأوليات درسه هو مجال المجتمع والتعليم والإعلام، وبناء عليه فإني سأنطلق في قراءتي للأغنيات الثلاث من هذه المعارف، ولنبدأ أولا بأغنية الآنسة نانسي عجرم وتحديدا من "فيديو كليب" الأغنية الأخيرة لها "إنت إيه" فالأغنية تصور سيدة "نانسي" تذهب مع زوجها إلى حفلة وهناك يبدأ الحدث فالزوج يبدأ باحتساء الكحول والضحك والتقافز حول السيدات الأخريات تاركاً زوجته في ركن قصي تراقب حركته بخجل وقهر دون أن تتدخل لتمنعه، بعد انتهاء الحفلة تركب السيدة سيارتها المرسيدس وإلى جانبها زوجها وفي الخلف تجلس المرأة التي كان يغازلها زوج السيدة مع زوجها المخدوع، يستمر زوجها بالتحرش بالزوجة في الخلف عن طريق المرآة، وزوجته تقود السيارة بتوتر وهي تحاول أن تضبط أعصابها.
تدخل السيدة بيتها وحيدة وتتقلب قليلا على سريرها بقميصها الداخلي، ثم تدخل إلى الحمام وتجلس بالقرب من "التواليت" وتبدأ تذكر معاناتها مع زوجها، وتختم مرددة: "وإن كان نصيبي أعيش في جراح حأعيش بجراح". وحين يعود زوجها تمسح دموعها وترسم ابتسامة على محياها لاستقباله!!
المرأة بوصفها نصف المجتمع من حقها ألا تكون الآنسة نانسي عجرم الناطقة الرسمية بلسانها، فالآنسة عجرم قبلت وباستكانة سخيفة خيانة زوجها لها، واستهتاره بكيانها، وقررت مسح دموعها، وفضلت أن تعيش "بجراح" على أن تتصرف كإنسان له حقوقه. تصوروا... في الزمن الذي تطالب فيه الكرة الأرضية كلها بالمساواة بين المرأة والرجل تطل هذه الفتاة الشرقية لتجرد المرأة من كيانها وتجعلها عبارة عن دمية، والغريب أن أغنية الآنسة نانسي تبث بعدل مرة كل نصف ساعة على مختلف القناة التلفزيونية العربية، ابتداء من القناة الأرضية السورية، وانتهاء بفضائية جيبوتي.
الأغنية الثانية التي أود الوقوف عليها هي أغنية "قدام الكل" للآنسة دارين حدشيتي وفي التفاصيل تذهب الفتاة "دارين" إلى المدرسة تحمل حقيبتها المدرسية ولكنها لا تذهب إلى المدرسة، بل إن سيارة حمراء يركبها شاب تتوقف وتصعد الفتاة إلى جانب الشاب الذي يأخذها إلى مكان أشبه بالكابريه، حيث ترتدي ملابس خليعة وتبدأ بالرقص وأشياء أخرى أحب المخرج ألا يظهرها أمام الكاميرا خشية خدش حياء المشاهدين، تعود الفتاة إلى المنزل متأخرة حيث تكون أمها قلقة بانتظارها فتكذب على أمها مدعية بأنها كانت في المدرسة، ثم تندفع راكضة لتعانق شقيقتها الصغيرة بفرح.
كلمات الأغنية تؤكد أنها تفارقه بصعوبة:"ما في فل وكيف بدي فل قبل ما فل اشتقتلك". الفتاة ابنة الثانوية تخرج لتلهو مع شاب يركب سيارة مرسيدس حمراء أنيقة تاركة مدرستها وأمها، متحولة إلى راقصة في "كابريه" وهذه، وحسب علمي المتواضع فيها الكثير من الإساءة للنساء أيضاً، وللسلك التعليمي، ولبنية المجتمع كله، فهي تعلم الاستهتار بالعلم، والكذب على الأهل، ثم إنها قاصر وهذه جناية يخالف عليها القانون في كل دول العالم، إذ أنها ما زالت طالبة في المدرسة.
أما الأغنية الثالثة فهي أغنية "تكدب عليّ" للآنسة "ماريا" وكنت تناولتها في مقال سابق، حين بلغت بها الجرأة والوقاحة حد الوقوف على قالب الحلوى والرقص عليه، ولا يهمني إن كان مدير أعمالها قد أصدر بيانا ينفي فيه أن يكون قالب الحلوى حقيقياً، فهو حقيقي لأنها في إحدى اللقطات ظهرت تلعق قطعة من قالب الحلوى نفسه، وكنت طالبت منظمات حقوق الإنسان بإصدار بيانات تدين فيها عمل "ماريا" لما فيه من إساءة للإنسانية، ولكن يبدو أن منظمات حقوق الإنسان ما زالت مشغولة بإقناع القادة في العالم الثالث أن حل مشكلات الاختلاف في الرأي لا يأتي بالاعتقال وكم الأفواه وإغلاق الصحف وملاحقة المشبوهين بالاختلاف بل له حلول أخرى كثيرة.
المهم أعود إلى "تكدب عليّ" للآنسة "ماريا" الأغنية تصور فتيات في المدرسة يتقافزن حول أستاذهن الوسيم، ويفرطن أيما إفراط في التراقص حوله، وإبراز مفاتنهن البارزة أصلا لإثارة انتباهه، طبعاً أكثرهن إفراطاً آنستنا "ماريا" التي تحاول جاهدة إظهار ما خفي منها كي تقع عينا أستاذها عليها، ولا يتوقف الأمر عند الطالبات بل ينتقل إلى مدرسات المدرسة، وإلى مديرتها، وكلهن يتصرفن بابتذال كي يكسبن ود الأستاذ الوسيم، الذي يبدو غير مكترث بما يفعلنه، بل إنه يبدو متضايقاً لأنه لا يستطيع إعطاء الدروس بشكل مناسب.
وفي آخر الأغنية إعلان عن قرب افتتاح "مدارس ماريا" التي كانت المدرسة التي ظهرت في الأغنية نموذجها الواضح والذي لا يحتاج إلى شرح أو تبسيط.
في الأغنيات الثلاث التي أردت مناقشتها ثمة عامل مشترك، فكل واحدة من الأغنيات تود إظهار جانب أكثر ابتذال وانحطاطا، وصورة قبيحة جداً للمرأة /الأخت/ الزوجة/ الصديقة/ المدرسة/ المديرة/ الابنة.
لن أتساءل عن السلبيات التي قد تحدثها مثل هذه الأغنيات، فآثارها باتت منتشرة في كل مكان، ولعل المتجول في شوارع أية عاصمة عربية يستطيع أن يرى المدى الذي استطاعت المغنيات الثلاث أن يصلنه بأغانيهن، وقد سمعت الآنسة "نانسي" مرة تقول في حوار تلفزيوني معها وعبر قناة "دبي" على ما أعتقد أنها تربي جيلاً، نعم هي قالت هذا الكلام وتبادلت مع المذيعة الضحكات، لأن الجيل الذي ربته "نانسي" وشهدت أول أزهاره، فتيات صغيرات يتمايلن راقصات على إيقاع "نص ونص" ، وسط ضحكات الأهل، صرن الآن صبايا يشاكسن الأستاذ في المدرسة، أو يهربن من المدرسة مع العاشق في سيارته الأنيقة، ويخدعن الأم والأب وأي أحد يقف في طريق "الحب" أو صرن "جاريات" يركبن سيارات فارهة، ويسكن في بيوت أنيقة، ويقبلن خيانة الزوج، وفسوقه فقط لتستمر الحياة، لأنهن تزوجن بعد علاقة سيئة ابتدأت بالهروب في سيارة من المدرسة.
الغريب.... أن أية منظمة نسائية عربية لم تحتج على هذه الصورة السيئة للمرأة، ولم يصدر عن أي من الاتحادات النسائية العاملة في الوطن العربي أي اعتراض، ولم أقرأ مقالا واحدا لكاتبة عربية يندد بهذا التشويه المتعمد لصورتهن، وبالمقابل فقد امتلأت الصحف بعشرات المقالات لكتاب عرب وهم يتساءلون عن هذا الإسفاف والابتذال و و و، لكن أيا من تلك المقالات لم يعترض على جعل المرأة محظية رخيصة.
ختاماً... لا أطلب إلا أن تقف مؤسسة نسائية عربية معترضة، وتقول للأوانس الثلاث: لا ليست هذه صورتنا. وليوقعن على بيان استنكاري يطالب بإعادة كرامة النساء التي أهدرت قيمتها نانسي وسواها.